الربا ما بين الأديان وتعامل الإنسان. اعرف ما عند الآخر.
مصطفى الهادي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
مصطفى الهادي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الربا موتٌ بطيء يستخدمه المرابي في قتل ضحيته عن طريق امتصاص موارد عيشها ببطئ فهي عملية ا...ستنزاف قذرة تخلو من الرحمة والشفقة لأن المرابي يستغل حاجة الناس وفاقتهم ويترصد لهم في محنهم ومصائبهم فيُقرضهم مقابل زيادة يفرضها هو مستغلا الحاجة الماسة والملحة للناس. فالمرابي مثل (القرادة) ذلك الطفيلي الذي يعيش على دماء الآخرين ولا يُكلف نفسه عناء البحث عن مصادر للرزق الكريم النظيف. (1)
كانت الأولويات في اهتمامات السماء انها حاربت الربا وانزلت فيه انذارات وعقوبات دنيوية وأخروية. ولكن أهل الاطماع والشرور لم يعجبهم ذلك فحرفوا كلام الله من أجل ان تستمر عملية استنزاف الناس وقتلهم ببطئ.
والربا فايروس خطير ينشر الامراض حاله حال الفايروسات الأخرى. فالربا أينما حلّ فإنه ينشر كافة الأمراض الاقتصادية والسياسية والأخلاقية والاجتماعية والنفسية.
وللمرابين طرق في غاية الوحشية فمثلا في حال موت الشخص المدين فإن المرابي يهاجم بيت المَدين فإذا وجد اثاثا صادره ، وإن لم يجد فإنه يأخذ أولاد المدين (عبدين له) مدى الحياة حيث نرى ذلك جليا واضحا في الملوك : ((وصرخت إلى أليشع امرأة من نساء بني الأنبياء قائلة: إن زوجي قد مات. فأتى المرابي ليأخذ ولدي له عبدين)). (2) فلم يشفع للمرابي كون المرأة من بنات الأنبياء ، بل جاء مسرعا ليأخذ ولديها ويجعلهم عبيد له.
فالمرابي يُنهك الناس ويأخذ كل ما تُصادفهُ يده مقابل الزيادة فهذا أحدهم في التوراة يُبين لنا ماذا يأخذ المرابي من الناس في حال عجزهم عن تسديد الزيادة من المال فيقول : ((وأنا أيضا وإخوتي وغلماني أقرضناهم فضة وقمحا. فلنترك هذا الربا. ردوا لهم هذا اليوم حقولهم وكرومهم وزيتونهم وبيوتهم، والجزء من مئة الفضة والقمح والخمر والزيت الذي تأخذونه منهم ربا)).
إذن يتبين من خلال هذا النص أن كل ما يمتلكه الدائن يكون تحت رحمة المرابي حقله الزراعي كرومهم واشجار الزيتون والبيوت وحتى القمح والزيت والخمر وكل ما يقع تحت أيديهم.
ففي التوراة هناك اضطراب مريع في النصوص! فهناك نصوص تُحرم الربا ولكن مقابلها هناك نصوص تُحلل الربا.
من النصوص التي تُحرم الربا قول التوراة ((الرذيل محتقر في عينيه، ويكرم خائفي الرب. يحلف للضرر ولا يغير. فضته لا يعطيها بالربا، ولا يأخذ الرشوة على البريء)). (3)
وكذلك قوله : ((وإذا افتقر أخوك وقصرت يده عندك،غريبا او مستوطنا فيعيش معك. لا تأخذ منه ربا ولا مرابحة، بل اخش إلهك، فيعيش أخوك معك. فضتك لا تعطه بالربا، وطعامك لا تعط بالمرابحة)).(4)
واما في سفر المزامير فقد شدد على حرمة الربا واخذ الرشوة فيقول : ((السالك بالكمال، والعالم بالحق والمتكلم بالصدق في قلبه.. فضته لا يعطيها بالربا ولا يأخذ الرشوة على البري)).(5)
وهكذا تتكرر النصوص المحرمة للربا وبكل وضوح في سفر حزقيال وسفر نحميا وغيرها. لابل ان هذه النصوص تقول ان الذي يعطي الربا ويأخذ بالمرابحة يجب قتله كما نقرأ ذلك في سفر حزقيال : (( أعطى بالربا وأخذ المرابحة، أفيحيا؟ لا يحيا! قد عمل كل هذه الرجاسات فموتا يموت)). (6)
ولكن ماذا يفعل اليهود أمام هذه النصوص والربا يجري في دمائهم، لقد احتالوا على احكام الله وفسروا النصوص على هواهم ، فمع أن النص صريح في قوله بتحريم الربا على الغريب والمستوطن وعلى القريب والاخ. إلا أن اليهود قالوا بأن اعطاء الربا للغريب والأجنبي حلال ولكن ربا اليهودي على اليهودي حرام. وهذا ما نراه واضحا في سفر التثنية : ((لا تقرض أخاك بربا، ربا فضة، أو ربا طعام، أو ربا شيء ما مما يقرض بربا، للأجنبي تقرض بربا، ولكن لأخيك لا تقرض بربا، ليباركك الرب إلهك)).(7)
وهكذا وبطرق إحتيالية عجيبة قام اليهود بتحليل الربا والتعامل به مرة أخرى على الرغم من تحريم كتابهم له.
وأما في المسيحية فلم يرد نص واضح في تحريم الربا ، ولكن ورد نص تكرر بين متى ولوقا هذا النص نشم من خلاله عدم تحريم الربا لابل اباحته ، وقد أورده متى ولوقا على شكل قصة على لسان السيد المسيح واما التحريم فقد سكت الإنجيل وكأن الأمر لا يعنيه وترك اليهود يصولون ويجولون في رباهم على الناس وكأن هناك تواطئا بين المسيحية واليهودية على تقاسم الأرباح الواردة من الربا.
وهذا النص أورده متى فيقول : ((أيها العبد الشرير والكسلان، عرفت أني أحصد حيث لم أزرع، وأجمع من حيث لم أبذر، فكان ينبغي أن تضع فضتي عند الصيارفة، فعند مجيئي كنت آخذ الذي لي مع ربا)). (8)
أما ما قاله السيد المسيح عن الربا فكل ما قاله ورد في اشارة غامضة هو قوله : ((من سألك فأعطه، ومن أراد أن يقترض منك فلا ترده)). (9)
ولكن لوقا أضاع الفائدة من هذا النص حيث خالفه وذكره بطريقة أخرى فقال : ((وكل من سألك فأعطه، ومن أخذ الذي لك فلا تطالبه)). (10) فحذف جملة (ومن أراد أن يقترض منك فلا ترده) ولربما بسبب تأثير يهوديته السابقة فعل لوقا ذلك. وفي نص لوقا ظلم وتجنّي على حقوق الناس حيث يقول : ومن أخذ الذي لك فلا تُطالبه. وهل تأمر الكتب المقدس الأنسان أن يأخذ ما ليس له؟
بناءا على ذلك فإننا نعتبر الربا في المسيحية حلال وذلك لعدم ورود نص في تحريمه وهذا ما نراه في سيرة كبار رجال الكنيسة وعلى رأسهم البابوات حيث كانوا يتعاملون بالربا مع الناس وهذا البابا (بيوس التاسع). (11) تعامل شخصيا بالربا.ولذلك نرى أن كل المضاربات المالية في أوربا المسيحية وفروع بنوكها المنتشرة في أنحاء العالم تتعامل بالربا.
أما في الإسلام فإن تحريم الربا من أوضح الواضحات حيث اهتم القرآن والحديث النبوي بتحريم الربا . أما في القرآن فهو قوله تعالى في سورة البقرة : ((الذين ياكلون الربا لا يقومون الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس)).
أو قوله في سورة آل عمران : ((يا ايها الذين امنوا لا تاكلوا الربا اضعافا مضاعفة واتقوا الله لعلكم تفلحون)).
واما في الحديث فعن عبدالله بن مسعود قال: ((لعن رسول الله آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه)).(12)
و وعن أبي هريرة أنَّ رسولَ الله قال: ((ليأتين على الناس زمانٌ، لا يبقى أحدٌ إلا أكل الرِّبا، فمن لم يأكل أصابه مِن بخاره)).(13)
بس هاي مال بخاره لم افهمها ؟
المصادر:
1- الربا في اللغة يعني الزيادة : وهو عبارة عن إعطاء الدراهم ونحوها لتؤخذ مضاعفة في وقت آخر، فما يؤخذ مِنَ الزيادة على رأس المال لا مقابل له من عين ولا عمل سوى الإمهال، ثم إن هذه الزيادة لا تعطى بالرضا الاختياري القلبي الصحيح، وإنما تُعطى بالكُره والاضْطرار. أما في الديانات فمعناه: الزيادة على أصل المال من غير بيع.
2- سفر الملوك الثاني 4: 1.
3- سفر المزامير 15: 5.
4- سفر اللاويين 25: 37.
5- سفر المزامير 15: 2 و5.
6- سفر حزقيال 18: 13.
7- سفر التثنية 23: 20 .
8- إنجيل متى 25: 15 وكذلك إنجيل لوقا إنجيل لوقا 19: 23.
9- إنجيل متى 5: 42.
10- إنجيل لوقا 6: 30.
11- البابا بيوس التاسع اشتهر بكثرة البدع التي أحدثها في المسيحية ولعل اشهرها هي (العصمة البابوية) وهي العقيدة التي فرضها على الكاثوليكة وأقرها المجمع الفاتيكاني ، وتعني أن البابا في كل قراراته منزه عن الخطأ من قبل الله في مايخص قضايا تعليم الإيمان والأخلاقيات التي أرادها الله للكنيسة.وبذلك تحولت بدع هذا البابا ومن سبقه ومن يليه كلها بأمر الله.
12- أخرجه الإمام مسلم برقم: (1597) في المساقاة، باب: لعن آكل الربا وموكله.
13- أخرجه أبو داود برقم: (3331) في البيوع، باب: في اجتناب الشبهات.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat