زفرة العراقي الأخيرة !!
مصطفى الهادي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
مصطفى الهادي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
على مشارف مدينة غرناطة وبأتجاه البحر وقف آخر زعيم عربي بعد ان ضاعت الأندلس على يديه نتيجة للتناحر والتنافس والتقاتل فيما بينهم فقد كانت سفينة الهزيمة تنتظره لتنقله إلى حيث مصيره ، وقف الزعيم العربي (أبو عبد الله محمد الثاني عشر ) مودعا غرناطة وداعا ابديا وذرفت عينيه دموع الهزيمة والذل والانكسار وعندما رأته أمه (عائشة) يبكي قالت له : ( ابكِ ملكا مُضاعا لم تُحاف...ظ عليه مثل الرجال).
هذا المكان اصبح أشهر تاريخ لأقسى هزيمة تعرّض لها العرب والمسلمون في تلك المنطقة في هذا المكان تم وضع صخرة من قبل فردينال وايزابيلا كنوع من أنواع الشماتة ، ثم تحولت إلى نُصبٍ تاريخي كُتب عليه (زفرة العربي الأخيرة). لا يزال شاخصا إلى اليوم حيث يتم تجديده كل سنة . فأصبح هذا المكان شاهد يحكي قصة تخاذل قيادات وضعت الأمة ثقتها بها ففضلوا مصالحهم الشخصية على مصالح شعوبهم وتناحروا فيما بينهم في محاصصات وتكتلات أضاعت منهم دولة بكاملها فذرفوا عليها دموع الهزيمة ، فأصبح ذلك المكان تاريخا وعارا ابديا أضاع كل انجازات الأندلس التي قدمتها للبشرية.
فالندم والبكاء والعويل بعد حصول الكارثة لا يُقدم شيئا ، بل سوف يُرسّخ ذلا أبديا سيُغطي على كل الانجازات المشرقة ويُظهر ضعفا وتخاذلا لا يُمكن رتقهُ وستكون نتائجه كارثية على بنُية الإنسان وروحه ونفسيته ولربما سيتحول إلى حالة مرضية تزرع التخاذل وروح الهزيمة لدى الناس.خصوصا إذا كان عدوك منتبها واعيا متابعا لحالة الهزيمة النفسية الماحقة التي مُنيت بها فيُحسن استغلالها.
المشكلة العويصة هي لماذا لا تتخلى الشعوب عن مبدأ عام هيمن عليها وهو إذا انهزم الزعيم او تخاذل أو انبطح فإن الامة بكاملها تنهار وتخور قواها وتنبطح مثله. صحيح ان المثل يقول : الناس على دين ملوكهم ، ولكن لماذا تنهزم الشعوب وهي بكامل قواها وكثرتها لمجرد انهيار زعيم قد يكون صُعلوكا لا قيمة له خدع الناس بكبر شاربه وإذا به يلجأ كجرذ إلى حفرة نتنة.
باختصار ما اريد أن اقوله هو يجب ان تكون هناك قيادة ذات تأثير كبير على الناس تحل بديلا عن القيادة التي تنهار بفعل ضعفها او انبطاحها ، هذه القيادة تنهض بحال الامة قبل هزيمتها النفسية. ومثال على ذلك هو عندما تخاذل زعماء العراق واضاعوا ثلاث محافظات كاملة واصبح انهيار العراق برمته وشيكا على يد مجموعة لا تمتلك سوى سيارات رباعية الدفع عليها احاديات لا يتجاوز عددهم الفين على اكثر التقادير حيث هربت امامهم جيوش مدربة ومجهزة بافتك الأسلحة . في هذه اللحظة الحرجة من عمر الأحداث كانت القيادة البديلة على وعي تراقب الأحداث بصمت وكانت جاهزة ان تطرح نفسها على الساحة وبقوة اذهلت الأعداء حتى على مستوى الدول الكبرى التي حسبت كل حساباتها على أرض العراق، ولكنها لم تحسب حساب هذه القيادة التي ظهرت فقلبت المعادلة إنها (المرجعية والحشد الشعبي).وامريكا اليوم تخشى أن تتحول ظاهرة الحشد الشعبي إلى ظاهرة عامة تقلدها الشعوب وهذا مما لا طاقة لأمريكا ولا حلفائها به.
ولكن الأمر الخطير الذي يجب الانتباه إليه و الذي ظهر بعد انتصارات الحشد الشعبي هو استمرار تخاذل القيادة السياسية وعدم ثقتها بنفسها وبالشعب الذي وقف صفا واحدا خلف المرجعية ملبيا نداء الموت من أجل العراق حيث لم تُحسن القيادة السياسية استغلال روح الاندفاع لدى الجماهير فتُحقق كل مطالبها وتفرض شروطها وهذا ما رأينها في قيام الحكومة بالتدخل في شؤون الحشد وايقاف زحفه بسبب (سرقة ثلاجة).
على قيادات الحشد الشعبي والمرجعية المباركة ان تقوم بعزل الوحدات الإدارية للحشد الشعبي عن الدولة عزلا تاما إلا من حيث التسليح فقط والتنسيق بإمساك الأرض بعد تحريرها . فإذا لم تفعل هذه القيادات ذلك ، فسوف يشهد العراق وقوف آخر زعيم فيه باكيا في أرض المطار على اطلال ملك مضاع لم يُحافظ عيله مثل الرجال. وسيتكرر مشهد (صخرة زفرة العربي الأخيرة).
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat