صفحة الكاتب : د . صادق السامرائي

الوطن المُستباح وكراسي الإنبطاح!!
د . صادق السامرائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الجغرافية الأرضية الطبيعية والسياسية مرسومة وفقا لمعادلات تتوازن فيها القوى وتتراكد , وتضطرب عندما يتحقق خلل في درجات توافقاتها التوازنية والتفاعلية
 
فالأرض كرة مضغوطة ومحكومة بإرادة الجذب وتتأثر بالتجاذب والتنافر , ويتناسب ذلك مع قوة مجالها الكهرومغناطيسي الذي يمثل درعها الواقي , وآلتها التنافرية اللازمة للحفاظ على وجودها الكوني.
 
وما فيها يتماثل معها لأنه منها , والأوطان أحد أوصال الأرض المنضغطة لتحقيق التماسك والتواطن الكفيل بصناعة الحياة.
 
وهناك حالة من التحكم التوازني الدقيق ما بين أوصال الأرض , وما عليها من القدرات والطاقات والتطورات , وهذه الإرادات الطاقوية المنبثقة في أجزائها عليها أن تسعى لتحقيق التوازن والتماسك , والتوافق المحكوم بقوانين الدوران بظروفه البيئية والفيزيائية , وما ينجم عنها من منتوجات وموجودات متنوعة الصفات.
 
وما أن تتحقق قوة في بقعة منها إلا وإنحدرت إلى المنخفضات المحيطة بها , ولا توجد قوة أرضية مستقرة أو ساكنة , لأن الأرض لا تعرف الإستقرار ولو للحظة واحدة , أي أن القوة طاقة متحركة ومندفعة بإتجاهات تحددها شدة المقاومة , فإن كانت الممانعة قوية إرتدعت وإستكانت , وإن كانت ضعيفة واهية إندفعت وتنامت.
 
وعلى مدى العصور فأن القوى الأرضية المتمترسة في بقاعها الوطنية تنبعج نحو ما يحيطها من الأوطان المجاورة وتتمدد على حسابها حتى تصل إلى مداها.
 
ومَن يقرأ التأريخ القديم والحديث يرى ذلك بوضوح , وقد عبّرت عن هذا القانون الدول الأوربية في القرن العشرين , والذي لا يزال ساريا وواضحا فيما يجري في بلاد العرب أوطاني , فعلى سبيل المثال , ما يحصل في العراق ناجم عن تخلخل موازين القوى , وإنهيار العمود الفقري التوازني أو مركز التوازن الإقتداري في المنطقة , ويمكن تشبيه ما حصل بتحطيم سدود عديدة كانت تمنع الإجتياحات والفيضانات , والتحصينات الكفيلة بالحفاظ على توازن التفاعلات ما بين القوى المتصاعدة , وبإنهيار هذه السدود تحوّل البلد إلى منخفض إنبعاجي تنحدر إليه القوى المحيط وفقا لقوانين القوة والحركة , والبعيدة وفقا لإستشعارها بالتهديد بسبب الإنهيارات التي ستسبب بإحلالات إقتدارية ذات نتائج مغايرة لما تريده , أو أنها وجدت من واجبها أن تنتهز الفرصة لتحقيق أكبر الأهداف والغايات , عندما تتعامل مع البلد المتهاوي بعقلية المُفترس الذي عليه أن يجني حصة الأسد.
 
والمشكلة التي لا يُمكن للعامة وعيها وإستيعابها أن الإرادة الأرضية لا تسمح بوجود فراغات وطنية , وهذا يعني أن الفراغات لابد لها تمتليئ فورا لكي لا تضطرب معادلة الحياة , وتتعثر مناهجها وتتعرقل قوانينها مما ستفضي لنتائج وخيمة ومرعبة , ذات تفاعلات عالمية الطباع وشاملة الضياع.
 
ووفقا لهذا تجد البلد بعد أن كان جبلا شامخا , قد تحوّل إلى منخفض تتجمع فيه مياه السيول والأمطار والفيضاننات والمطامع والتطلعات , وإلى مستنقع لجميع الآفات , التي صارت قوانين المستنقع دستورها المؤيَّد بكل مُفترس همّام.
 
وطن تتناهبه القِوى المجاورة والبعيدة , والناس تلهو في مواضيع تزيد من ضعفها وتسهيل إفتراسها ومصادرة حقوقها ومصيرها , وكأنها منوّمة بآليات التضليل والبهتان والإنقطاع عن الحاضر والمستقبل , فتتناسى أن قوة البلدان بوحدتها وتراصها وتمسكها برايتها الوطنية , وبإعلائها للمواطنة وكرامة المواطن وقيمة الإنسان.
 
فالوطن المُستباح يعم فيه الفساد وينتفي الصلاح والإصلاح , والمواطن فيه ضد المواطن يحمل السلاح , والجميع ضحايا وأهداف ووسائل لتحقيق مناهج الإنبطاح!!
 
ولن ينجوَ الوطنُ من المفترسين إلا بالإعتصام بالوطن الآمن الأمين , فهل يوجد الإستعداد الوطني الإنساني الحضاري المعاصر لوعي معاني دريئة الفتن , وقد أُطيحَ بما لا يُطاح؟!!

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . صادق السامرائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/12/13



كتابة تعليق لموضوع : الوطن المُستباح وكراسي الإنبطاح!!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net