صفحة الكاتب : كفاح محمود كريم

لا أغلبية في العراق؟
كفاح محمود كريم

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
     ربما يعتقد البعض إن مبدأ الأغلبية المعمول به في كثير من دول العالم ذات التكوين الواحد دينيا وعرقيا يمكن استخدامه في بلدان متعددة التكوينات الدينية والمذهبية والعرقية والقومية، كما في العراق وسوريا وتركيا وايران والكثير من البلدان الأخرى، حيث يمكن استخدامه فقط حينما يتم إلغاء الآخر تحت نظام أحادي شمولي مستبد كما كان في العراق وما يزال في كل من ايران وسوريا، أو تحت مضلة نظام ديمقراطي بصبغة عنصرية لا تعترف بالمكونات الأخرى، إلا حينما تتخلى عن خصوصياتها القومية والثقافية والسياسية، كما هو الحال في تركيا وإسرائيل، بحجة المواطنة التي تنصهر في كل الخصوصيات لصالح الخصوصية الأكبر!؟ 
 
     في العراق وبعد انهيار نظام صدام حسين الدكتاتوري وسقوط تلك الصيغة الأحادية التي حكمت البلاد ما يقرب من ثمانين عاما منذ تأسيس الدولة العراقية، بدأت مرحلة جديدة لوضع أسس نظام يعتمد في تكوينه على مشاركة كل المكونات القومية والدينية والمذهبية والعرقية، بما يؤسس تدريجيا لدولة المواطنة في ظل دستور يضمن حقوق كل المكونات ويحقق بقاء البلاد اتحادا اختياريا بين كل هذه الأطراف في نظام فيدرالي يمنحها حقوقها في الإدارة الذاتية وبتوافق اتخاذ القرار الاتحادي بما لا يدع مجالا لأي انفراد أو تفرد على حساب الآخرين، ولأجل ذلك كانت التوافقية التي ميزت طبيعة الحكم طيلة السنوات المنصرمة وحافظت على وحدة البلاد وعدم تجزئتها.
 
     ان طبيعة تكوين العراق وشكل نظامه السياسي طيلة ثمانين عاما وما تخللها من حروب وإقصاء وظلم كارثي كبير ترك آثارا بالغة، لا يسمح بأي شكل من الأشكال قيام أغلبية تتفرد بالحكم،  سياسية كانت أم قومية أو دينية مذهبية، حتى وان كانت من الناحية العددية تتفوق أو تتجاوز المكونات الأخرى، فالعراق يتكون وواقع حاله منذ تأسيسه من الناحية الدينية بأكثرية عددية مسلمة يعقبها المسيحيون والايزيديون والصابئة واليهود، ينتمون في أصولهم وقومياتهم إلى أكثرية عربية يشاركها الكورد ومكونات أخرى من الآشوريين والتركمان والكلدان والسريان والأرمن، حيث أظهرت السنوات الماضية ونتائج الانتخابات العامة الأخيرة ثلاث اصطفافات واضحة جدا تكثفت فيها ثلاث تكتلات مذهبية وقومية هي: 
     التحالف الوطني والقائمة العراقية والتحالف الكوردستاني، التي تمثل مكونات العراق الرئيسية؛ الشيعة والسنة والكورد، ورغم وجود تداخلات في المكونات الثلاث كوجود كوادر شيعية في الكتلة العراقية، وبعض الكورد والتركمان في كلا القائمتين التحالف الوطني والعراقية وكذا الحال في التحالف الكوردستاني الذي يضم مكونات غير كوردية مثل الاشوريين والتركمان والكلدان والسريان والعرب، إلا أن واقع الحال وما يجري من تجاذبات وصراعات يمثل حقيقة المكونات الرئيسية للبلاد التي تتوزع جغرافيا ايضا حول العاصمة بغداد، في الجنوب والفرات الأوسط، والغرب وبعض من الشمال والشرق، والشمال مع بعض من الغرب والشرق لتكون اقاليما جغرافية وتاريخية متناسقة ومتجانسة، تتوحد جميعها حول عاصمة تاريخية لا تقبل ثقافتها الا أن تكون ملكا لكل المكونات والأديان والمذاهب، تلك هي بغداد التي تتقاسم فيها اليوم  المكونات الرئيسية والأخرى مواقعها الاتحادية في السلطات الثلاث بطواقم مترهلة ومتداخلة بغياب إعلان الفيدراليتين الاخريتين في كل من الجنوب والفرات الأوسط والغرب مع التلكؤ في حل مسألة المناطق المتداخلة بين إقليم كوردستان ومحافظات نينوى وديالى وصلاح الدين.
 
     ولنقرأ معا ما ذهب اليه الدكتور حامد العطية في مقال نشره مؤخرا تحت عنوان: 
في العراق ثلاث فيدراليات لا واحدة!
 
    ( فدرالية المناطق الجغرافية مطلب لجمهرة من العراقيين، البعض منهم يدعوا لإقليم للوسط والجنوب، وهنالك من ينادي بإقليم لمحافظة البصرة فقط، لتمكين سكانها من الاستفادة من مواردها وموقعها الجغرافي، وبالأمس القريب قرأنا عن مشاريع لإنشاء إقليم في محافظة صلاح الدين وآخر في الأنبار وثالث في ديالى، واصحاب هذه الدعوات والمطالب يؤمنون بشرعيتها وتطابقها مع أحكام الدستور، لذا فإن فدرالية المناطق الجغرافية موجودة، وإن كانت على الورق وفي عقول الناس، وليس من المستبعد أن نشهد ولادتها في القريب العاجل ).
 
     وقبل ان ننهي مقالنا هذا دعونا نقرأ ما قاله الملك فيصل الاول قبل ثمانين عاما وهو يصف شكل بلادنا:
 
 " إن البلاد العراقية هي من جملة البلدان التي ينقصها أهم عنصر من عناصر الحياة الاجتماعية، ذلك هو الوحدة الفكرية والملّية والدينية، فهي والحالة هذه، مبعثرة القوى، مقسمة على بعضها، يحتاج ساستها أن يكونوا حكماء مدبرين، وفي عين الوقت، أقوياء مادة ومعنى، غير مجلوبين لحسيات أو أغراض شخصية، أو طائفية، أو متطرفة، يداومون على سياسة العدل، والموازنة، والقوة معا، وعلى جانب كبير من الاحترام لتقاليد الأهالي، لا ينقادون إلى تأثرات رجعية، أو إلى أفكار متطرفة، تستوجب الرد."*
 
     وللأسف الشديد لم يك حكام البلاد حكماء الى الدرجة التي يدركوا حقيقة مكونات العراق لكي يؤسسوا بموجبها دولتهم العتيدة، فاستولت مجموعة لكي تهمش الأخرى وتلغي وجودها أو تستعبدها طيلة عقود سوداء من التكوين الخطأ، دفعت البلاد والعباد الى الدمار والخراب في حروب عبثية في الداخل والخارج، حتى تعرضت البلاد الى الاحتلال الكامل طيلة ما يقرب من عقد من السنين، وها هي تترك البلاد ما زالت تأن تحت جراح الاحتراب غير المعلن والاختلاف الشديد حد التنازع بين مكوناتها الأساسية، التي ما زالت بعض النخب السياسية فيها تتغنى بعراق مركزي تنصهر فيه كل مكوناته لصالح ما يسمى بالأغلبية السياسية تارة والقومية تارة أخرى والمذهبية تارة ثالثة، وفي كل هذه الادعاءات يكون اتجاهها واحد بالتأكيد هو غير العراق الديمقراطي الاتحادي التعددي!؟ 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*عن الجزء الثالث من تاريخ الوزارات لعبد الرزاق الحسني، من ص 300 وما بعد.
kmkinfo@gmail.com

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


كفاح محمود كريم
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/12/27



كتابة تعليق لموضوع : لا أغلبية في العراق؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : سهل الحمداني ، في 2011/12/27 .

الحقائق لا تطمر في وادي سحيق


الأخ الأستاذ كمال المحترم
قرأت مقالك بتمعن ووجدته لا ينم عن حقيقة وغير منصف ومضحك في نفس الوقت لان الأغلبية والتي تقصدها هي الشيعة والتي مرت في تاريخها النضالي بأمر الظروف ، وافجعها خاصة في ظل حكم البعث ، فأنت تريد مساواة الكورد وهم ثلاث محافظات بالوسط والجنوب وبأكثر من عشر محافظات ،وكما تساوي سكان الجنوب والوسط وهم (20) مليون نسمة وهم مصدر الثروة ، وكما تساوي محافظات الانبار وتكريت ، والموصل وديالى ونصفهم من طوائف وأديان من غير
القومية العربية ، ومن غير المسلمين السنة ، وكذلك تساوي الإخوة التركمان والايزيدية ، مع الشيعة وإذا كنت صادقا ومنصفا ساوي الطائفة المسيحية والايزيدية في إقليم كرستان مع القومية الكردية أو على الأقل مع الحزبين الكرديين
وهنا أقول وبكل صراحة ، أن الكرد شركاء مرحلة ، يأخذون من ثروة العراق بلا حق ولا يعطون ( فلس ) وسياستهم منتعشة للخلاف بين الشيعة والسنة ، وان شراكة الكورد لا تغني ولا تسمن ، ولم نرى لشراكتهم موقف مشرف وأولهم جلال طلباني ،الذي تنصل من الدستور وكذلك مسعود الذي تبدو تصريحاته ملهبة تنطلق منها رائحة الكبرياء والانفصال .
,انا أكون سعيدا ومعي الشيعة جميعا أن ينفصل الأكراد في دولة ، وستكون تحت رحمة تركيا وإيران ، وسوف لن تستطيع أمريكا واسرائيل أن تحمي شبرا واحدا من إقليم كردستان
وسوف تعرفون معنى الشراكة مع العراق وبالذات الشيعة ، أما شراكة ممثلي السنة معكم ألخصها بحدث واحد هو ( عدم انتخابهم جلال طلباني وخرجوا من القاعة مباشرة بعد انتخاب النجيفي ، في الانتخابات الأخيرة والذي أنتخبه نحن الشيعة أما شراكة ممثلي السنة مع الشيعة شراكتهم تتلخص جعل القرار بيدهم ، ونحن وأنتم نسمع ونطيع .
أما من تستشهد به للعراق ثلاث فدراليات ، فأنت تهرب من الحقيقة ، وتريد أن تساوي الجبل بالتل ، وتذهب في الحقيقة وتطمرها في وادي سحيق ، أي بمعنى أخر أن تريد أن تساوي ( القرعة وأم الشعر ) عيب إنكار الحقائق واللف والدوران والضحك على طائفة تعدادها أكثر من (20) أي 70 / بالمائه من سكان العراق ، ونهب أموالهم وحقوقهم وتزوير هذه الحقائق
والخلل هو في قياداتنا وليس فيكم .







حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net