صفحة الكاتب : د . آمال كاشف الغطاء

حكم الطغاة في القرآن الكريم (2)
د . آمال كاشف الغطاء

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
أن الطغاة في القرآن الكريم أما أن يكونوا أفراد أو أمم والأمم هي التي تمهد لظهور الطاغية حيث أن سلوكها باباحة القتل وسلب الاموال وانتهاك الحريات والعبث باجساد الموتى والغش في البيع والشراء  يؤدي بالضرورة إلى ظهور طاغية يحاول السيطرة عليها وكبح جماحها فالطغاة في القرآن الكريم ظهروا بعد هلاك قوم نوح ففي الآيات التاليه من  سورة نوح (وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ﴿26﴾ إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا ( . فقوم نوح كانوا كفاراً وهم مرادفين للطغاة في الآيات الاولى من سورة البقرة (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ﴿9﴾ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴿10﴾ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ﴿11﴾ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِنْ لَا يَشْعُرُونَ ﴿12﴾ .الكفار هم المخادعون المفسدون والكذابون في الأرض وينتهي بهم الأمر الى الطغيان الذي يصيبهم بالعمى فيفقدون القدره على سلوك الطريق القويم فقوم نوح تعطلت لديهم مصادر المعرفة فرفضوا فكرة بناء السفينة لاعتقادهم أن لهم القدرة بالتغلب على الفيضان كما قال أبنه سآوى إلى جبل لايصل اليه الماء  . لقد رفضوا جدال النبي نوح (ع) وأعتبروه هراء لا معنى له فالظلم والطغيان يموه الأمور ويرفض الفكر العلمي للتغلب على المحنة  ويمنح شعور زائف بالقوة . 
في الآية الكريمة من سورة الاسراء (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ﴿16﴾ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ ۗ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ﴿17﴾) . نجد هنالك تسلسل زمني وأحداث يعقب بعضها بعضاً فالقوم إذا كانوا طغاة في سلوكهم باباحة الامور في الموازين والمكيال و الفواحش والسرقة وأكل مال اليتيم أدى بالضرورة الى أن مترفيها سايروا القوم في فسقهم وفجورهم وهنا يظهر الطاغية الذي يحاول أن يستعمل كل الأساليب ليكبح جماح القوم الظالمين باساليب اكثر قسوة وعنف فيستعمل السجن والتعذيب وتنتهي العدالة وتموت الرحمة ويصبح القوم وكأنهم خارجين من سفينة غارقة في لجة بحر كل يسعي إلى النجاة بنفسه وتنتهي كل قيم المودة والإخاء والتواصل وينهار المجتمع بفعل الأوبئة والحروب والكوارث. كل فرد تهمه مشكلته ومصيره والاخرين لاشئ بالنسبة له. 
يذكر القرآن الكريم  أمم تتصف بالظلم وتتخذه منهاجاً لها مثل قوم نوح  ولوط وصالح. فقوم لوط ظنوا ان رغباتهم السيئه ستخلصهم من الهلاك  وقوم صالح تمادوا في نقضهم العهد المبرم مع النبى صالح وهذا يعني انهم قوم ينقضون العهود فيما بينهم.ففي آية 117 سورة هود (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ ﴿117﴾لا يمكن أهلاك القرى وأهلها مصلحون) وهذا الإصلاح يأتي من تعامل الناس في ما بينهم على أساس الصدق والأمانة والوفاء بالعهد وعمل الخير ورعاية اليتيم أما إذا كانت الأمة تعطي شرعية للقتل وسلب الأموال وانتهاك الحرمات والكذب لتبرير الأفعال الدنيئة فلا بد أن يخرج من بينهم من هو أشد منهم ظلما وقسوة ليسيطر على مقدراتهم ويعاملهم أكثر قسوة مما هم عليه وبدلاً من أن يتجه إلى أصلاح النفوس يقوم بإظهار قوته وجبروته في تطويع المادة حسب أرادته فهو غير قادر على التعامل مع البشر أما المادة فهي طوع أمره فيبني الأبراج والقصور يساعده في ذلك الأموال والسلطة التي يتمتع بها.
 إن الطاغية يحتاج إلى أمرين السلطة والمال ليتسلط على مقدرات الأمة فالطاغية بالسلطة الممنوحة له يتصرف بالمال دون قيد أو شرط ويعتبر القوانين الكونية مسخرة لصالحه ولذا نرى في سورة البقرة آية 258 ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴿258﴾) يقول لإبراهيم أنا أحيي وأميت فهو يتصرف بالسلطة المطلقة التي تجعله يهب الحياة ويمنعها وبالمال الذي يشتري به الضمائر وينفقه على مظاهر الثراء التي تحيط  به وتوقع الهيبة في النفوس ولكن النبي إبراهيم (ع) رد عليه أن الله يأت بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فالنبي إبراهيم (ع) يتكلم بمنطق النظام والتنسيق والطغاة هم المفسدون في الأرض من حيث الحرب والتدمير والقتل والطاغيه لم يعد لديه حجة يقارع بها سوى قتل إبراهيم ليحسم الأمر فليس هنالك من يحاججه من القوم ويرده الى طريق الصواب ويوضح له خطأ منهاجه. فالقتل وسيلة الطاغية للتفاهم .وفي سورة الحج آية 35 الظالمين يتصفون بقسوة القلب. والرحمة لا تجد طريقها إلى قلوبهم وهذه القسوة والظلم تؤدي إلى هلاكهم ودمار عروشهم  ومدنهم وقلاعهم كما في  سورة الحج (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ ﴿42﴾ وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ ﴿43﴾ وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ ۖ وَكُذِّبَ مُوسَىٰ فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ ۖ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ﴿44﴾ فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ ﴿45﴾).
أن الطاغية يعيش في وهم القوة والخلود فهو يملك حق الموت والحياة والعيش ففرعون يقول أنا لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري لي فهو أكبر قوة وحجم من الآخرين والزينة والأموال أفقدته صوابه كما في آية 88 سورة يونس (وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ ۖ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ﴿88﴾)  لقد ضللته قوته الوهمية فاستعان بالسحر ليقهر موسى. 
أن الظلم يؤدي إلى هلاك الطغاة لأنهم يقتلون ويسلبون الأموال ويحطمون العلاقات التي تربط بين أفراد المجتمع ليحطمون ما يملكه الضعفاء من قوة عددية وتكاتف وتغلغل في أركان الحياة فعندما قرر اليهود في مصر ترك العمل هاجم المصريون القمل والضفادع والجراد لأن الأيدي العاملة التي تقضي على الآفات توقفت عن العمل. أن أسوأ ما في حكم الطغاة أن المحكومين تمسح عقولهم وأفكارهم ويأخذون بالاعتقاد بأن سلوك الطغاة هو الأمثل للتعامل فيما بينهم و يوفر السيطرة على مقدرات الأمور فيتحول كل منهم الى طاغيه في مجال حياته. 
أن سكوت الناس على الظلم يوفر بيئة صالحة للطغيان ففرعون عندما قال (أنا ربكم الأعلى) لم يعترض عليه أحد فالطغيان أعلى درجة في سلم السلوك البشري من حيث السوء والقبح وقبول الناس وخضوعهم للطاغية دليل على تدني مستوى الإنسانية والتحول الى العبوديه وفي سورة العلق آية 6       ( كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ ليَطغى﴾  فهو يتوهم القوة وأنه مالك للثروات وبمنأى عن غدر الزمان             ولذا الأقوام التي سارت في طريق الطغيان  كان مصيرهم الى الفناء كما جاء في سورة الفجر (أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ ٱلۡعِمَادِ (7) ٱلَّتِى لَمۡ يُخۡلَقۡ مِثۡلُهَا فِى ٱلۡبِلَـٰدِ (8) وَثَمُودَ ٱلَّذِينَ جَابُواْ ٱلصَّخۡرَ بِٱلۡوَادِ (9) وَفِرۡعَوۡنَ ذِى ٱلۡأَوۡتَادِ (10) ٱلَّذِينَ طَغَوۡاْ فِى ٱلۡبِلَـٰدِ (11) فَأَكۡثَرُواْ فِيہَا ٱلۡفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيۡهِمۡ رَبُّكَ سَوۡطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِٱلۡمِرۡصَادِ (14( فقوم عاد اعتقدوا أن الأبنية العملاقة تحميهم وأن عاد مخلد في ملكه ولكن كل شيء آل إلى زوال لأن الطغيان يؤدي الى فساد النفوس في قضاء حوائج الناس ولا مبالاة في العمل .
أن طغيان الأمة لا يقل خطراً عن طغيان الحاكم وهو الذي يؤدي بالضرورة إلى ظهور الطاغية الذي يقمعهم ويقض عليهم بلا رحمة .     

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . آمال كاشف الغطاء
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/12/27



كتابة تعليق لموضوع : حكم الطغاة في القرآن الكريم (2)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net