صفحة الكاتب : هاشم الصفار

التنمية الفكرية والإعداد العقائدي ليوم الغدير المبارك
هاشم الصفار

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

(بخٍ بخٍ لك ياعلي أصبحتْ مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة): لم تكن هذه الصيغة أو المشابهة لها والتي بُويع بها الإمامُ علي عليه السلام في يوم الغدير وصياً وخليفة وأميراً للمؤمنين أمراً طارئاً في عقلية الأمة الإسلامية، والتي هيّأها النبي صلى الله عليه وآله لتقبل هذه الفكرة بالإعداد الإلهي أولاً لشخصية الإمام عليه السلام المتكاملة ذات الأفق الرحب، والتي باستطاعتها حكم العالم بالعدل والمساواة مهما طال بها الأمد، فلا يعتريها الفتور ويصيبها الوهن؛ لأنها ليست وضعية تحكمها الأهواءُ والأمزجة المتقلبة، وإنما إعداد إلهي - كما أسلفنا - وإعداد نبوي ثانياً، احتضنه النبي صلى الله عليه وآله منذ أن كان صغيراً، فكان يقول عليه السلام في ذلك في بعض خطبه: (وقد علمتم موضعي من رسول الله صلى الله عليه وآله بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره، وأنا وليد يضمني إلى صدره، ويكنفني في فراشه، ويمسني جسده، ويشمني عرفه، وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه..). 
كذلك لم يكن يوم الغدير وليد صدفة حدثت على حين غرة، ثم تلاشت أو سُعي إلى تناسيها عبر الحقب المتعاقبة من حكام الهوى.. بيعة الغدير حلقة متسلسلة من حلقات المنظومة الإلهي لخلفائه في الأرض لقيادة العالم تحت قبعة دين واحد، ونظم محكمة ما شُرّعت إلا لرفاهية الإنسان وحفظ كرامته.. لذا كان يوم الغدير مكتمل الصيغة والمفهوم والتجسيد العملي في ذهنية الأمة؛ كيف ذاك؟ لأن النبي صلى الله عليه وآله كان دائماً وأبداً يحث الأمة الإسلامية على أهمية رعاية منصب الإمامة والخلافة بعد رحيله صلى الله عليه وآله، وأثناء حياته الشريفة لم يدخر جهداً في تهيئة المجتمع الإسلامي على تقبل فكرة الولاية، فكرة أن يكون هناك وصي يتبعه وصي، إلى آخر الأوصياء عليهم السلام.. أي حتى يأذن الله سبحانه بقيام دولة العدل الإلهي.. ولاتوجد فكرة عقيمة متلاشية كالتي تتبناها بعض التيارات المنبوذة من أن يوم الغدير كان مجرد وصية النبي بالإمام علي عليه السلام بضرورة محبته ومودته..، فيقف تحت الشمس المحرقة في تلك الهجيرة القائظة، أمام أكثر من مئة ألف مسلم ومسلمة ليقول لهم: أحبوا علياً فقط لاغير..! أعتقد أن أي أمة في العالم لا ترضى لنفسها هذا المستوى من التفكير، وقبالة أي شيء؟ قبالة مسألة مصيرية تترتب عليها نتائج وخيمة لاتُحمد عقباها كالتي حدثت بعد رحيل النبي صلى الله عليه وآله.
إذن، سلسلة الأحاديث التي قالها النبي صلى الله عليه وآله بحق علي عليه السلام والتي وضح فيها منزلته ومقامه الرفيع، ومواقفه الجهادية والسياسية والعلمية إلى ما شاء الله سبحانه من الصفات والمواقف النبيلة..، والتي لو امتلكت خمسها أية شخصية أخرى في أمة من الأمم لحكمت أمته العالم بذلك النور، وتلك الحكمة والحنكة والدراية..
هل تفاجأ الناس بيوم الغدير وبهذا التنصيب الإلهي للإمام وصياً وخليفة بعد النبي صلى الله عليه وآله، يحكم بشريعة السماء وسنة النبي صلى الله عليه وآله؟ أقول: إن عامة المسلمين كانوا على استعداد تام للإنقياد والإتباع لهذا الأمر، وكأن الأمرَ مفروغٌ منه، ومحصلة طبيعية لتاريخ حافل بالبطولات والمواقف المشرفة خدمة للإسلام والمسلمين؛ لولا تآمر فئة ضالة منهم، معروفة الغايات والأهداف وعلى أسس جاهلية، تعاهدوا على نكث البيعة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله مباشرة، وقبل أن يُوارى الثرى..؟
إذن، على الأمة الإسلامية بباحثيها ومفكريها أن يعدوا صيغة جديدة للإحتفال بعيد الغدير المبارك - والتي جاءت الروايات في كونه أعظم الأعياد – تلك الصيغة تكون هادفة ومثمرة، من شأنها إيقاد شمعة على الدرب الصحيح، والرؤية الجلية الواضحة لمسار الأمة.. خاصة بعد سلسلة تهاوي الأنظمة الفاسدة إلى درك الجحيم، والتي كانت تمنع إنارة العقل الإسلامي بنور البحث العلمي الرصين في دراسة رموزنا الإسلامية العظيمة، خصوصاً فيما يتعلق بإمامنا أمير المؤمنين عليه السلام.. تلك النظرة الجديدة تبدأ – وعلى أقل تقدير - بتعليم النشء أساسيات السلوك الحضاري نفسياً وإجتماعياً، بعد إشاعة أقوال الإمام عليه السلام بين الناس كدستور وتعاليم مقدسة، خاصة في الأماكن العامة كدوائر الدولة مثلاً، والتي تعد الواجهة التي نحكم بواسطتها على مدى رقي أو إنحطاط المجتمعات، والتي هي بتماس مباشر مع المواطن، فيُصار بهذه المناسبة إلى حملة ملصقات فكرية وثقافية حول أقواله وخطبه عليه السلام، فيما يخص التعامل الإنساني مع المواطن، والسعي في قضاء حاجته، وتأدية الواجب، وإيثار المصلحة العامة على المصالح الشخصية والمحسوبية.. لنرى الإنعكاس والتجسيد الحقيقي لتلك النفحات والشذرات العظيمة من حياته الشريفة.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


هاشم الصفار
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/07/27



كتابة تعليق لموضوع : التنمية الفكرية والإعداد العقائدي ليوم الغدير المبارك
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net