صفحة الكاتب : مصطفى الهادي

بين الحجر الأسود وحجر القدر.
مصطفى الهادي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

دينيا اقترن الحجر الأسود بالسلطة والزعامة ، فهو حجر العهد ، وكل نبي يبعثهُ الله تعالى لابد له ان يمس الحجر الأسود ويطوف بالبيت ، ويأمر أتباعه بفعل ذلك ، وذلك لقوله تعالى : (جعل اللهُ الكعبة البيت الحرام قياما للناس).(1) ناهيك عن كم كبير من الأحاديث التي تحث على حج البيت واستلام الحجر الأسود وأن ذلك من السنّة. (وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى، وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود).(2)

إبراهيم وإسماعيل أقاما قواعد البيت، وساهم إسماعيل في وضع الحجر، فجرت السنّة على أن من يضع الحجر نبي أو وصي نبي ولكن بنو إسرائيل كرهوا إسماعيل وذريته لأن إسماعيل ابن الجارية هاجر ، واحبوا إسحاق لأنه ابن الحرة سارة . ولذلك عمدوا إلى تغيير كل ما يتعلق بإسماعيل، ولعل اخطر عملية محو لإنجازات إسماعيل هي تلفيقهم لقصة (الذبيح) فجعلوه إسحاق بدلا من إسماعيل كما نقرأ في نصوص التوراة : (أن الله امتحن إبراهيم، فقال له: خذ ابنك وحيدك، الذي تحبه، إسحاق، وأصعده هناك محرقة فأخذ إبراهيم بيده السكين ليذبح ابنه. فناداه ملاك الرب من السماء وقال: لا تمد يدك إلى الغلام ولا تفعل به شيئا، فرفع إبراهيم عينيه ونظر وإذا كبش وراءه ممسكا في الغابة بقرنيه، فذهب إبراهيم وأخذ الكبش وأصعده محرقة عوضا عن ابنه).(3)

في هذا النص كذبٌ كثير، الأول : ان النص يقول بأن لإبراهيم ولد واحد هو إسحاق (خذ ابنك وحيدك). بينما إسماعيل ولد قبل إسحاق وهو المولود البكر لإبراهيم (عند فطام إسحق، كان إسماعيل في السادسة عشرة من عمره).(4) فقد كان إسماعيل في عمر السادسة عشر عندما ولد إسحاق.

الثاني أن بني إسرائيل زعموا أن الله أعطى بشارة لإبراهيم بأن نسل إسحاق سيكون عظيما جدا كعدد رمل البحر وتراب الأرض؟ أين ذلك أين هم أولاد إسحاق وذريته في إي مكان هاهم نراهم اليوم أمة قليلة اقل الأمم في الأرض والعن الأمم مجرمون غاصبون محتالون مرابون، يُهيمنون على كل تجارة المخدرات والدعارة والإجرام في العالم، مكروهين من كل الأمم ، يحسبون كل صيحة عليهم ، لا زالت فلسطين تئن من إجرامهم.

الثالث: حرّفوا قصة اشتراك إسماعيل في بناء بيت الله مع أبيه إبراهيم، فقلبوا القصة واختلقوا قصة أخرى تنسب (الحجر) إلى يعقوب لأنه ابن إسحاق ابن الحرة وليس ابن الجارية كما سنقرأ.

كان بنو إسرائيل لا يُطيقون ذكر اسم إسماعيل، فقد كانوا يُلقبونه بـ (ابن الجارية). وحاولوا كثيرا ان يوقعوا بين نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل فكانت زوجته تحرضه على طرده كما نقرأ (فقالت لإبراهيم: اطرد هذه الجارية وابنها، لأن ابن هذه الجارية لا يرث مع ابني إسحاق).(5) وهكذا تكرر اطلاق لقب (ابن الجارية) على إسماعيل عشرات المرات في الكتاب المقدس ، فلم يكن ينطق باسم إسماعيل إلا الله تعالى وإبراهيم. ولذلك عمد بني إسرائيل إلى اختلاق قصة حجر يعقوب لتكون بديلا عن قصة الحجر الأسود الذي رفعهُ إسماعيل مع أبيه النبي إبراهيم. لقد تأذى بني إسرائيل كثيرا وهم يرون إكرام الله تعالى لإسماعيل، فقال الله لإبراهيم)ابن الجارية سأجعله أمة لأنه نسلك).(6)

وقوله تعالى (ابن الجارية) تعريضا لبني إسرائيل وإهانة لهم. وهذا ما حصل وتحقق وعد الله لإبراهيم حيث نرى اليوم قلّة عدد بني إسرائيل المنحدرين من إسحاق، وكثرة أبناء إسماعيل. (وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه. ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيرا جدا. اثني عشر رئيسا يلد، وأجعله أمة كبيرة).(7)

هذا الاهتمام الإلهي ازعج بني إسرائيل كثيرا فنسبوا بناء بيت الله ووضع الحجر فيه إلى يعقوب ابن إسحاق كما نقرأ (وأخذ يعقوب من حجارة المكان ووضعه تحت رأسه، ورأى حلما، وإذا سُلّم منصوبة على الأرض ورأسها يمس السماء، وملائكة الله صاعدة ونازلة عليها. والرب واقف عليها، فاستيقظ يعقوب من نومه وقال: ما هذا إلا بيت الله، وهذا باب السماء. ثم أخذ الحجر الذي وضعهُ تحت رأسه وأقامه عمودا، وصب زيتا عليه. ونذر يعقوب نذرا وقال هذا الحجر الذي أقمته عمودا يكون بيت الله).(😎 وكأن التوراة تورطت بهذه الكذبة، حيث أن بيت بهذا الحجم يُعتبر(بيت الله) لا تجد له على أرض الواقع أي وجود، أين بيت الله هذا في أي مكان وأين عموده ؟ هل هو الفاتيكان ، او كنيسة القيامة، فهما من الأبنية المسيحية المتأخرة، فبينهما وبين بيت الله الذي وضعه يعقوب بزعمهم أكثر من ألفين عام. وعلى ضوء ذلك فإن بيت الله هو الذي رفع قواعده نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل عليهم السلام في هذه البقعة من الجزيرة العربية (مكة).

تجري اليوم محاولات كثيرة لإحياء أسطورة (حجر يعقوب) وذلك عبر تحويل كعبة المسلمين إلى أور العراق ، أو إلى اليمن حيث يقوم مجموعة من شيوخ سوء ومن يزعم الثقافة بالترويج لذلك يقف معهم إعلام مشبوه، حيث يزعم هؤلاء بأن هذا الحجر هو الذي اختاره يعقوب ووضعهُ وسادة له وأنه حجر مقدس يُمثل الزعامة والرئاسة ويُعرف أيضا باسم (حجر القدر) أو حجر (سكون) وتقول المراجع الغربية أن هذه الحجر مستطيل الشكل من الحجر الرملي الأحمر استولى عليه عام 1296، الملك إدوارد الأول ملك إنكلترا من الاسكتلنديين الذي كان عندهم علامة على تتويج الملوك. وأن إدوارد الأول وضع عرشه على الحجر أيضا، وكذلك لدى البريطانيين حيث يضعون الحجر في احتفالات التتويج، كما حصل هذا العام في تتويج الملك تشارلز (2023) حيث يظهر هذا الحجر تحت كرسيه. فهم يؤمنون بوجود حجر إلهي مقدس كعلامة على زعامة من يستلمه. ولكن في الواقع فإن حجر يعقوب هو تقليد ماسوني حيث أشاعوا بأن هذا الحجر وضعهُ أنبياء بني إسرائيل في أساسات قصر الملك داود في أورشليم. وأن أي ملك يتم تنصيبه لابد ان يجلس عليه ويتعهد ببناء دولة إسرائيل وإعادة مجد معبد سليمان (الهيكل) وإرجاع هذه الحجر إلى أساسات معبد أو هيكل أورشليم.

لعل الأغرب من ذلك ان تكثر الأحجار في روايات بني إسرائيل بشكل اربك كذبة وضع يعقوب للحجر ، ففي رواية أخرى زعموا أن هذا الحجر وضعهُ يشوع وليس يعقوب كما نقرأ : (وكتب يشوع هذا الكلام في سفر شريعة الله. وأخذ حجرا كبيرا ونصبه هناك عند مقدس الرب. ثم قال يشوع لجميع الشعب: إن هذا الحجر يكون شاهدا علينا، لأنه قد سمع كل كلام الرب الذي كلمنا به، فيكون شاهدا عليكم لئلا تجحدوا إلهكم).(9) ثم غيروا رأيهم فنسبوا وضع الحجر إلى صموئيل وأنهُ كان يطوف حوله في بيت الله والصفا والمروة في كل عام كما نقرأ ) فأخذ صموئيل حجرا ونصبه بين المصفاة والسن، ودعا اسمه حجر المعونة وكان يذهب من سنة إلى سنة ويدور في بيت الله والجلجال والمصفاة(.(10)

أما الحجر الأسود فهو كما يصفهُ الإمام الصادق عليه السلام بقوله : (الحجر الأسود وهي جوهرة أخرجت من الجنة إلى آدم (عليه السلام) فوضعت في ذلك الركن لعلة الميثاق وذلك أنه لما اخذ من بني آدم من ظهورهم ذريتهم حين أخذ الله عليهم الميثاق في ذلك المكان وفي ذلك المكان تراءى لهم ومن ذلك المكان يهبط جبرئيل (عليه السلام) وإلى ذلك المقام يسند القائم ظهره وهو الحجة والدليل على القائم وهو الشاهد لمن وافاه في ذلك المكان والشاهد على من أدى إليه الميثاق والعهد الذي أخذ الله عز وجل على العباد) .(11)

ويبقى الحجر الأسود سرا من الأسرار الإلهية، فقد تركه تعالى ولم يُبين فيه شيء. وأمر نبيه بأن لا يُحدث منه ذكرا فكان النبي (ص) لا يُجيب على الأسئلة التي تدور حول هذا الحجر إلا بما يرد به السائل كقوله : إنه حجر من الجنة ، او أنه حجر الميثاق، كان ابيضا مثل الثلج فسودته خطايا البشر ، وإنه يشهد لمن أستلمهُ ، وأنه يمين الله في الأرض. وكذلك سكت الإمام علي عليه السلام عن كشف أي سر من أسرار الحجر الأسود، فعندما حاول عمر بن الخطاب إشاعة ان الحجر لا ينفع ولا يضر، أجابه الإمام علي عليه السلام (يا عمر أن هذا الحجر ينفع ويضر).(12) أما كيف ينفع ويضر، فهذا ما سكت عنه الإمام كما سكت عنه رسول الله (ص) أيضا، لأن شعار رسول الله (ص) كان : (إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نُكلم الناس على قدر عقولهم).(13)

المصادر :

1- سورة المائدة آية : 97.

2- سورة البقرة آية : 125.

3- سفر التكوين 22 : 1 ـ 13.

4- قاموس الكتاب المقدس ،دائرة المعارف الكتابية المسيحية ،شرح كلمة إِسْمَاعِيل ابْن إبراهيم.

5- سفر التكوين 21 : 10.

6- سفر التكوين 21 : 13.

7- سفر التكوين 17: 20.

8- سفر التكوين 28 : 10 ـ 22.

9- سفر يشوع 24 : 26.

10- سفر صموئيل الأول 7 : 12 ـ 16.

11- الكافي ج 4 - ص 184.

12- رواه الحاكم في المستدرك ، أول كتاب المناسك رقم الحديث : 1682.

13- الكافي - الشيخ الكليني - ج ١ - الصفحة ٢٣

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مصطفى الهادي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/06/04



كتابة تعليق لموضوع : بين الحجر الأسود وحجر القدر.
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net