قصة قصيرة ليتني كنتُ بليداً
رزاق عزيز مسلم الحسيني

ناداني صارخاً من بعيد وكنت ساهماً شارد الذهن فصخب الأفكار يدوّي في رأسي كأمواج بحر مضطرب وامشي في الشارع ولا أرى أمامي شيئاً حين التقيتُ به صدفة في الشارع سألني أين أنت يارجل لم ارك منذ شهرٍ كأنك معتكف هل عزلت نفسك عنّا ؟!!! أرجو ان تكون بخير ثم أخذ يتحدث عن نفسه مثرثرا معجبا بها وعن سفراته الكثيرة ومغامراته العاطفية ومشاكساته مع الأصدقاء وأخذ صوته يعلو بالضحك وأنا أحاول أن أتماسكَ مختنقا وأشعر بالغثيان ويخيّل إليَّ جبل أحد قد ثوى على صدري مما اسمعه منه وارى حركاته التي تشمئزُّ نفسي منها وتنمُّ عن مخلوقٍ صار مألوفاً في حياتنا ويدعى إنساناً وان كنت غير مقتنع أنّه إنسان وانبرى يعاتبني في عزلتي وخلوتي صارخا في وجهي كن مثلي جذلا فرحا ناعم البال خليّ القلب فأنا لا اترك يوما دون ان أتمتع به في الحياة فقلت له :

 

لأنّي أحسُّ وأنتَ بليدْ

تراني شقيّاً وأنتَ سعيدْ

تظنّ الحياة كما تشتهي

وإنّي أراها بعقلٍ رشيدْ

أراها كفخٍ لنا وُضعتْ

وكان التناسل فيها القيودْ

أراها كعبءٍ ثقيلٍ على

فؤادي ونحنُ بها كالعبيدْ

فأنتَ الغباءُ وإنّي الحجا

وإنّي لهيبٌ وأنتَ جليدْ

فروقٌ بعدِّ الحصى بيننا

فبيني وبينك بونٌ بعيدْ

وكيف تقارنُ ما بيننا

فإني الثريّا وأنتَ الصعيدْ ؟!!!( 1)

 

( 1)جمع صعد من صعد ، وجه الأرض ، ترابا كان أو غير تراب

الموضوع السابق سبع طرقات عظيمة للرئيس!  قصة قصيرة

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat