صفحة الكاتب : علي حسين الخباز

استفزاز الذاكرة
علي حسين الخباز

 يرى النقاد إن ذكريات الزمن الماضي موجودة في الذاكرة ، كل شيء موجود في الذاكرة، زمن كامل يعيش فيها يقظًا، والاسترجاع في الكتابة عملية استحضار الماضي باعتباره خزين تلك الذاكرة،

تقوم بانتقاء أحداث سابقة، وتعتبر الذاكرة  جوهر الوجود الإنساني ، فهي التي تضمن إمتداد الماضي بالحاضر، الماضي البعيد يتداخل مع الحاضر عبر استحضار الذاكرة، ( مجموعة صحفيات كربلائيات في رحلة عمل إلى البصرة ، حدث حادث مروع جعل الإعلاميات يتجمعن حول النافذة ليشاهدن الحادث، تبين أن فتاة صغيرة تعرضت للدهس وحملت إلى المستشفى، وانتهى الموقف ما أن جلسن على مقاعدهن، ظهر أثر الحادث على الإعلاميات، كل واحدة منهن راحت تستذكر حادثًا ما مر عليها ،واحدة استذكرت أخاها حين تعرض لحادث، والأخرى جارتها  وقريبتها، وهذا يعني أن حادث الطفلة استفز ذاكرة الإعلاميات ، ولو لم يكن الحادث لما دار في ذاكرة إحداهن أي حكاية من تلك الحكايات،
وكان هناك ترابط ما بين حدث الواقع الحاضر مع أحداث الماضي المروي على لسانهن، تحرك الفضاء الناقل بين الحدث والذاكرة بين ما شاهدته العين وما استرجعت الذاكرة من خزين،
أي تنشيط الذاكرة، وتم توظيف هذا الحدث لاسترجاع صور الماضي وإعادة تنضيدها في الدماغ، ، ولا نعرف هل كل الأحاديث التي ذكرت كانت واقعية ؟ وما هي مزايا واقعيتها أو مقدار المتخيل فيها لتضخيم الحدث أو تغيير بعض نمطيات السرد لخلق الدهشة، وكل استرجاع شكل نصًا لوحده ، وجميع هذه الأحداث والصور التي أفرزتها الذاكرة، هي قرين للحادث، مثير للعقل حفز الذاكرة.
أنها مفارقة زمنية تعيد الماضي لأنها لا تختفي، وتعرض الماضي بكل تفاصيله ومشاعره وأحاسيسه،
الحواس تلعب دورًا اساسيًا في تحفيز الذاكرة شعوريًا ، وهي ظاهرة عقلية تثير العلاقة بين الذاكرة والعالم. ما الذي يحتم دخول المشهد إلى حالة الذاكرة؟ الإنسان يرى المناظر من نافذة السيارة : مستشفى ، مركز شرطة، مدرسة إبتدائية لحظة انصراف الطلاب يحدث تفطين الذاكرة ، سعة الذاكرة تستوعب أكثر من صورة، ومشهد تعززه بتلك الثواني، وهكذا بينما تمر نجد استفزازات الذاكرة في كل طريق، العملية هنا عملية صدفة، صار علينا أن ننتظر ما تصيده العين في شباك الكاتب من تأثير وهو وقت محدد ومعين. وأما البحث عن استفزازات قصدية نستطيع من خلالها استحضار صور الذاكرة متى نريد نستحضر القرين و محاولة تكريس الذات في مكان وزمان معين ، بدأت فكرة الحداثة باستلهام القرين، والتنوع في استخداماته الموجودة  في الذاكرة يحافظ
على النشاط الذهني ، إن استفزاز القرين في القراءة مثلًا سيعيد لكل مفردة شبكة من التراكيب القادرة على إثارة الأفكار والآراء وخلق وظائف جديدة لكل مفردة ،
تحرير المفردة من القيد لكسر مفهومها النمطي، الإتجاه نحو التغريب وكسر حدود الرتابة، لتشكيل أسلوب جديد عبارة عن تراكيب تتلاعب في المتعلقات، لكل مفردة مقدرة التلاحم الغير منسجم، لأدراك أثر فني غرائبي عبر التجريب ولتحمل السمات معاني مبتكرة معتمدة على تحرير مساحات التأويل، ورسم معالم أثر فني بالتحديث والتغريب، وتداخل غريب بين علاقة كل تركيب جملي من خلال الإنزياح القادر على منح تأويلات متعددة، وظاهرة الإنزياح، هو انحراف الكلام عن نسقه المألوف من خلال تحريك أكثر من قرين ،مثلا مفردة ( رأس) تمثل رأس إنسان أو حيوان، لكن عندما تستفز الذاكرة بوجود أكثر من قرين ،مثل مفردة ( الشارع) يحدث الانزياح عبر اتحاد مفردتين أو أكثر  فبدل راس الإنسان قلنا ( راس الشارع) وممكن  أعادة صياغة الجملة عبر البحث عن أي مفردة في قصة ، في كتاب في قول نجد لها قرين في الذاكرة، ممكن استحضاره  لتشكيل نسق خارج إطار المعنى بهذا سيشكل هذا الاستفزاز استحضار خرق في نظام الطبيعة
لرسم علائق بعضها غرائبي ،واستفزاز الذاكرة أثر الفرجة ، إن كان في الواقع أو في كتاب يمنحنا قدرًا أكبر للتجريد وفهما آخر لمعنى الجملة ، تجاوز العرف الشائع إلى الإبداع من خلال تركيب المفردات والتنسيق لتكون الفحوى أعمق ، القراءة توازي جمالية الكتابة وجمالية التأويل ،المهم في الأمر إننا لا نستطيع بهذه الشعرية العالية أن نعبر عن الواقع، بل سنعتمد لخلق واقع آخر تؤسسه رؤية تبتعد عن الوضوح والتقريرية  والمباشرة ، والبحث عن الدلالات والإشارات والبحث عن إقامة علاقات جديدة لخلق لغة تعبيرية ورؤى جديدة توحي ولا تصرح تتجاوز المنطق المألوف لأنها أداة خارقة ما وراء الواقع المحسوس هناك ذاكرة سرديه للكاتب والمتلقي وذاكرة للنص، و المتلقي يقرأ رؤاه أفكاره ، يستمتع بجمالية اللغة ، نقرأ قوله تعالى 
( اشتعل الرأس شيبًا )كم مفردة تحركت لهذا الإنزياح  لها قراءة في الذاكرة( النار/ الرأس/ الشيب) البياض ناتج الاشتعال لتعميق الصورة، ملخص القول إننا نعمل لجمع المفردات المتناثرة من أجل تكوين رؤية متكاملة وهذه هي جمالية الإبداع.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي حسين الخباز
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/03/03



كتابة تعليق لموضوع : استفزاز الذاكرة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net