يمثل البعد المعرفي المؤسس لجوهر القيم التربوية عند أدعية الإمام السجاد عليه السلام والتي هي عبارة عن خطابات سماوية ونبوية اتسعت فيها الرؤية المحمدية، فجاءت تحمل سمات العاطفة الإنسانية، وتبث روح الاطمئنان النفسي وطاعة الله سبحانه وتعالى، واثرها التربوي والإصلاحي، والطاعة هي النصر الإلهي والتمسك القويم، والكرامة هي مفهوم الطاعة.
يرشدنا سماحة السيد أحمد الصافي إلى قضية مهمة وهي إن الإنسان يستطيع أن يديم الطاعة ويجهد نفسه في ذلك، وينفق جهدا بدنيا وماديا لإدامة الطاعة لكن لا عن بصيرة في أمره أو نية صادقة في قلبه، فهو يعبد الله تعالى عن مصلحة فأن حصل عليها تواصل في العبادة، وأن لم يحصل عليها فأنه ينكص على عقبيه، والحياة لا تدوم على نمط واحد، والبصيرة تعني البنية، الإدراك نور في قلب الإنسان المؤمن، نافذة قادرة على رؤية الحقيقة، ملكة يحصل عليها الإنسان بفعل معنوي، وهذه البصيرة تدرك بتقلبات الزمن، حال الإنسان يتقلب، والدنيا هينة جدا، ومن هوان الدنيا على الله تبارك وتعالى أن يحرم الإمام الحسين (عليه السلام) من مائها في عرصات كربلاء، فهي لا تصفو لأحد، هي في تقلب دائم، فكانت أدعية المولى السجاد (عليه السلام) تحمل الكثير من تعاليم الدين في التربية والأخلاق، محاولة لنشر الوعي المجتمعي وتعليم معنى العبادة، وأن يبقى الإنسان ملتزما بالعبادة في حالة الشدة كما كان في حالة الرخاء.
الإمام السجاد عليه السلام يدعو الله سبحانه أن يوفقه الطاعة والاستمرار عليها في حياته.
قدم الإمام السجاد سلام الله عليه دستورا حياتيا متكاملا، يهدي المسلم ليكون على بصيرة من الانتماء الحقيقي للدين.
كانت كارثة المسلمين العظمى حينما فصلوا بين الحكم والحكمة، واستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، ولو كان الكثير من أحكامهم بعيدة عن الحكمة القرآنية والحكمة النبوية التطبيقية.
وتمثلت كارثة المسلمين في إعراضهم عن طاعة الإمام المنصوب من قبل الله سبحانه وتعالى، والمكلف باستكمال البناء الذي أرسى دعائمه الأنبياء والمرسلون وخاتمهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم، وعليهم أجمعين) والتميز بين المفاهيم الأصلية وتلك الدخيلة والمزيفة، وما زال القوم يصرون على نفي إطاعة الولاية عن أهل البيت (عليهم السلام) معتمدين على مكابرتهم، وعلى جماعة الحكماء المزيفين الذين جاء بهم الحظ والقرعة. وقامت أجهزة الدعاية والإعلام بإسباغ صفة القداسة الربانية من غير علم ولا هدى ولا كتاب منير.
لهذا يدعو الإمام السجاد (عليه السلام )إلى لزوم الجماعة، وما أهمية لزوم الجماعة التي يجب أن نلتزمها فالإسلام، فيه جماعات متعددة، فأي من الجماعات تكمن فيها قصدية الإمام (عليه السلام) وهم أئمة أهل البيت سلام الله عليهم، وفي خطبة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله والنصيحة لائمة المسلمين، واللزوم لجماعتهم) هذا موطن الشاهد اللزوم لجماعتهم، واللزوم من الالتصاق عندما يقول هذا الرأي لا أفارقه في شبهة ولا في غيرها، وللأئمة الأطهار عليهم سلام الله دور مهم في مواجهة البدع، ومحدثات الأمور، والضلالات التي نشأت منذ أول يوم ارتحل فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الملأ الأعلى، فقد كانوا خلال مختلف الأدوار التي مرت عليها الأمه الملاذ والمنهل، ولهم مواقف كبيرة وكثيرة تصدت للبدعة.
يقول للإمام السجاد عليه السلام في دعائه (ورفض أهل البدع ومستعمل الراي المخترع) والبدعة من الأمر كل شيء جديد، ثم استعمل هذا المصطلح في العلوم الدينية فصارت معناه نسبة إلى الدين وهو ليس منهم.
يرى سماحة السيد أحمد الصافي، عندما يبتدع الإنسان مسألة ولا ينسبها إلى الدين، بل يقول هذه طريقتي وهذا رايي ولا توجد في الدين مثل هذه المسالة، لكن القضية الخطيرة عندما يجعل هذه المسالة في صلب الدين، وعندنا روايات كثيرة تقول بأن بعضهم رد أكثر من 500 حديث للنبي صلى الله عليه وسلم لمجرد أن عقله لا يتقبل دلالات تلك الأحاديث، فجعل من عقله حاكما في قبول الحديث ورده، وهذا نوع من البدع التي توصل صاحبها في بعض الحالات إلى مقاربة الكفر، بل هي كفر بعينه، قال الله تعالى ﴿أمْ عَلى اللَّهِ تَفْتَرُونَ﴾ وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال (كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار).
هناك بعض الظواهر السلبية نتيجة الممارسات الخاطئة التي تنخر بالمجتمع، العقل الواعي هو رصيد المجتمع، وانتشار مثل هذه الظواهر يعود إلى قلة الوازع الديني، وضعف الإيمان في النفوس، واضطراب القيم والمفاهيم، ويرى سماحة السيد أحمد الصافي أن مسألة استعمال الهاتف النقال، هذا الجهاز الذي كان من الممكن أن يخدم الإنسان في أمور كثيرة، ولكن أغلب المآسي الاجتماعية اليوم سببها الهاتف النقال، بدءا من النغمات الموسيقية الباطلة، والرسائل الإباحية، والصور المخالفة للشرع، ولا يطالب المجتمع بمنع الهاتف، لكن الالتفاتة سلبيات الهاتف، ومنعها، وهنا يأتي دور الآباء والأمهات، ودور المربي الذي له صوت مسموع، أو سلطة نافدة، هناك لكثير من المساوئ التي سببها النقال، ولا يمكن أن نستهين بهذه المسألة، حيث أصبح الهاتف النقال هوية لصاحبه، لا بد أن تكون هويتنا حسينية، حسينية على طول مدار السنة، بعيدة عن المخالفات التي تؤلم، ولا يمكن غض البصر عنها، لأن غض البصر عنها سيزيد المشكلة، لا بد من تهذيب هذه المسائل بشكل صحيح، والحرص على توجيه الأبناء والبنات، وهناك مشاكل أخرى لها سلبيات خطيرة على المجتمع وخطورتها أنها سريعة الانتشار، جعلت من الشباب يفقدون رجولتهم، ويصبحون أقرب إلى التخنيث ومن الفتيات، فقد سلب الحياء منهم، وهذه من أخطر الأشياء التي يجب أن نتداركها، ومن الأمور التي يوجهنا إليها سماحته، إنه لا بد من أن نقنن استعمال هذه الأجهزة، وأن تخضع لتوجيه الآباء، لا يكفي أن نقرأ الأدعية في أوقات، ثم نتركها بعد مدة أو أن نكرر أقوال الإمام السجاد عليه السلام دون أن نترجمها إلى سلوك إنساني تربوي حسن، يكون هو القدوة للمجتمع وللناس .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat