صفحة الكاتب : علي حسين الخباز

(تأملات في كتاب المصابيح سماحه السيد أحمد الصافي) 65
علي حسين الخباز

فاعلية التذكر سبيل من سبل الفطنة وتنمية القدرة واستنهاض الوعي من أجل خلق مساحة التبصر المدرك.
 فما الغاية من وراء التذكرة؟ وقد هيأ الله سبحانه وتعالى محطات ومورد هو من أهم العمليات المعرفية التي تكشف لنا خور الدنيا ورخصها ومعرفة هذا الرخص، ويرشدنا إلى هوان الدنيا عند الله سبحانه وتعالى، وراء هذا التذكر يكمن الحذر من التمسك بهذه الدنيا، والمسعى الدنيوي، ولا بد من تسخيرها كوسيلة لنيل الرضا الإلهي في الآخرة هذا الوعي ينفعنا في تبني الموقف.
السؤال الذي يمحص الإيمان وصدق المعرفة، هل نجح الحسين عليه السلام في واقعة الطف المباركة؟
مثل هذا السؤال يحتاج إلى الإيمان بالمعنى.
سماحة السيد أحمد الصافي يضع أمامنا سورة الحمد ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ توظيف هذه الآية لا بد أن يكون معنويا روحيا وليس كلمات على الشفتين، عند صلابة الموقف وخشونة المواجهة يظهر صدق الاستعانة، صدق العهد والالتزام ونيل المجد هو نجاح، وهناك مجد دنيوي له فاعلية الأثر والهداية والمحافظة على بقاء الصرح الشامخ، ومجد يوم القيامة ، نبحث عن الاستخدام الأمثل لمنظومة التذكرة الواعية، وهي ضرورية وترتبط بالأيمان، مناسبات عديدة تمر علينا، تقاويم الجراح كثيرة ولها دور بارز وبالغ الأهمية لمن يبحث عن وجوده الإنساني، عن العبرة والتذكر الذي هو قوام الوجود، ونتعلم منه كيف نحصن أنفسنا من التيه، وأن يكون من أجل العبرة والعبرة، وعملية التذكر هي ناتج وعي يستقيم به السلوك ودروس وعبر، وفهم الأمور بشكل صحيح يعطي منحة درسا كبيرا.
 لا بد من أن يتعلم الإنسان كل يوم، ويعي في كل يوم، ليطور نفسه وأفكاره عن طريق هذه الأشهر الحزينة لمصائب أهل البيت عليهم السلام.
وتفسير الوعي هو يقظة الضمير لرفض أساليب الشر، والتعاطف مع الحق، ونصرة أهله، هو من أهم ثمار الإنسانية والتحصيل الذاتي، ودرس من دروس الوفاء والوعي العاشورائي، يقربنا إلى الله تعالى من خلال محبة أهل البيت "سلام الله عليهم".
والتذكرة هي المحور الأساسي لكل العمليات الروحية التي احتفظت بامتداد واقعة الطف، لنتنفس ثورة الحسين "عليه السلام" ونهضته المباركة من خلال إمامنا السجاد "سلام الله عليه" ومن هذه الأنفاس العطرة كانت الصحيفة السجادية المباركة.
القدرة العقلية التي يحملها الإيمان تجعلنا أمام بعض الحقائق المهمة التي هي عماد فكر المولى زين العابدين عليه السلام، منها الشعور بأهمية الإنسان، ودناءة الدنيا، والتوفيق الإلهي عبر العبادة والدعاء.
نحن شيعة أهل البيت "عليهم السلام" صارت لدينا سليقة مزج الإدراك الحسي لأي موقف بذاكرة الموروث من أهل البيت "عليهم سلام الله"، يقول الإمام زين العابدين "صلوات الله عليه" (اللهم اجعلني أصول بك عند الضرورة)
طرح سماحة السيد أحمد الصافي أفكارا مهمة مصدرها هذا المنهل الدعائي فهو يرى أن مسالة الاعتماد على الله تبارك وتعالى ليست من الأمور السهلة وليست من الأمور الهينة التي يستطيع كل منا أن يعملها، الإدراك والتعلم والوعي له القدرة على معرفة إمكانية الدعوى حين تكون بلا واقع.
القضية لا تخضع لمزاج أو رأي وإنما على المحافظة على حالة التماسك والتمسك بالله تبارك وتعالى، وعدم ارتباك نفسيتها والسيطرة على حاله القلق عند الابتلاء، ويرى أن هذه المسالة لا تتيسر لكل أحد بل هي لمن يمتلك البصيرة العالية والفكر المتوقد والإيمان الصحيح، لأن الإنسان عرضة للتشويش الذهني بأمور كثيرة في حالات الشدة والرخاء، في كل جوانب الحياة المختلفة يدخل الوعي الإيماني كنشاط يساهم في تعويد الإنسان على أن يتمسك بالله سبحانه وتعالى،  فإن الكثير من المسائل البسيطة لها إمكانية أن تصرفه عن عبادته بشكل كبير، الوعي يجعلنا ندرك حجم المسؤولية، مسؤولية الصلاة على عاتقنا، وقد يقضي الإنسان عمره في عبادة لم يستفد منها ولم يتحسس طعمها، كونه يعدها فريضة، وأن كان لا يفهم معناها ومغزاها.
الوعي الإيماني عصب الإنسان، منزلقات الإغواء بما تعرض الدنيا لا يدنو لها، لأنه وضع الله نصب عينيه، فتوجه بالعبادة توجها حقيقيا، الوعي الإيماني هو سعة البصيرة، يسمو عنده الهدف في جميع حالات الضعف والشدة.
انتهت واقعة الطف بمقتل الحسين "عليه السلام" فكيف نجح القتيل وخسر القاتل؟
لان القتيل دافع من أجل أن يبقى الدين، والدين ينعم إثر تضحيات الحسين "عليه السلام" بالبقاء بقتله وقتل أهل بيته، لم يتزعزع له إيمان، صابرا محتسبا، هذا هو نجاح الحسين "عليه السلام" وفوز أمير المؤمنين والأئمة "عليهم السلام"، تختصر كل أعمالهم بجملة (فزت ورب الكعبة).
نعود لمعنى الضرورة، لا تحدد بشيء، وهي من حالات الاضطراب والاحتياج الحقيقي لله سبحانه، على الإنسان أن يجعل الله نصب عينيه، ويصول به، أي أن يحمل به في هذه الحالات، أسلوب تربوي حي يرسخ الاعتقاد بالله سبحانه وتعالى، بيديه كل شيء والإنسان لا حول ولا قوة له وإنما الحول والقوه لله تبارك وتعالى.
والتعود على الاستعانة به يمنح الإنسان ملكة السؤال في كل الأمور النفس إذا رات رزقها اطمأنت، والاستعانة بالله من الأمور المعالجة لظروف الحياة واستقرار النفس، وتمنح الإنسان أوسع معاني الإدراك، مثل معنى التفاوت بين الأرزاق، الوعي المؤمن يعرف معنى القيمة العليا للإنسان، قيمة الرزق ليست في المقياس وإنما المقياس طريقة الكسب.
فبيع الإنسان لوجهه خسارة مهما كان الكسب عاليا، بينما الرضا هو الاتكال على الله تبارك وتعالى، في المبعث الإلهي التوفيق للذات الإنسانية أن يلهم الإيمان والاقتدار على أن لا يقبل المسائل المادية لسوء الظن بالله تعالى، سوء الظن بالأرزاق هو سوء ظن بالله تبارك وتعالى، نجد هناك أمور اليقين، وأمور أخرى هي اليقين، بهذا اليقين جميع الناس على يقين بأن الموت يطلب الجميع، ولكن كيفية التعامل مع هذا اليقين هل سنتركه يقينا عابرا ونترك النتائج، أم سنتفاعل معه بيقظة  الإيمان بالله سبحانه وتعالى، ليصل بنا سماحة السيد أحمد الصافي إلى حالة التمحيص من يريد الله تعالى أن يوفقه لا يسأل إلا إياه، وأن يدرك الإنسان دائما أن لا وسيلة إلا الله تعالى، ويطلب منه المعونة، وهذا الأمر يوفق لأمرين، الاستغناء عن الخلق والاحتياج إلى الناس، حين يستعين بعضنا البعض، النتيجة هي استعانة بالله، ليس من تلقاء نفسه، كل أمور الاستعانة الإنسانية لقضاء الحاجة مرتبطا بأن ينتهي الأمر لله سبحانه وتعالى.
عندما يستعين بعضنا ببعض لا مشكلة في ذلك ولا يوجد شرك في الربوبية، عندما نستعين بالإمام "عليه السلام" نحن نعلم إنه باب من أبواب الله تعالى، وأن كل شيء يصدر عن الله تعالى، فالمعنى به تعالى، الإمام السجاد ينبهنا إلى مسالة مهمة إنه ينهي عن الاستعانة بغير الله تعالى من أمور يعتقد فيه أن الأسباب انحصرت في غير الله تعالى، هذا خلاف الإيمان الوعي يجعل الإنسان يؤمن بأن الله لا يترك عبده وهو مطلع عليه، وتؤخر الاستجابة هو الاعتقاد بضرورة تشديد التوجه إلى الله سبحانه وتعالى.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي حسين الخباز
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2025/03/04



كتابة تعليق لموضوع : (تأملات في كتاب المصابيح سماحه السيد أحمد الصافي) 65
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net