صفحة الكاتب : محمد علي آل مسيري

تحركات اقتصادية تدق طبول الحرب
محمد علي آل مسيري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 في يوم الخميس الماضي 13 سبتمبر  فاجأ رئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي السيد بن برنانكي الاقتصاديين حول العالم بإعلان تسهيل كمي ثالث QE3 بواقع 40 مليار دولار شهرياً لشراء السندات والأوراق المالية للرهون العقارية دون تحديد وقت زمني معين ، وهو أمر فريد من نوعه لم نره في التسهيل الكمي الأول QE1 والتسهيل الكمي الثاني QE2 على الرغم من تصريحات سابقة لرئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراجي صرح فيها بإمكانية اتخاذ الاحتياطي الفدرالي في الولايات المتحدة تسهيلاً كمياً ثالثاً في وقت قريب وتوقعات لبنك جولدمان ساكس بذلك.

 
 
التسهيل الكمي ( Quantitative Easing ) هو سياسة نقدية تنتهجها البنوك المركزية من أجل تنشيط اقتصاد البلاد من خلال شراء الأصول المالية من البنوك والمؤسسات المالية لزيادة كمية الأموال الفائضة لديها بحيث تستطيع الاستفادة منها لتقديم القروض للشركات والأفراد الأمر الذي يرافقه أسعار فائدة منخفضة من قبل البنك المركزي لإقراض البنوك التجارية.
 
 
 توقعات الاقتصاديين بعدم إقرار تسهيل كمي ثالث تعززت بعد كلمة السيد بن برنانكي في مؤتمر محافظي البنوك المركزية الذي عُقد في جاكسون هول قبل إقرار التسهيل الكمي الثالث بقترة قصيرة خصوصاً وأن مبررات إقرار التسهيل الكمي الثالث لم تكن عاجلة وضرورية وكان بالإمكان تحملها  لفترة أطول ، أحد أبرز الأسباب التي كانت تعوق التسهيل الكمي كان ارتفاع أسعار المواد الغذائية عموماً وأسعار الذرة والصويا خصوصاً لأسعار تاريخية بسبب أسوء موجة جفاف تضرب الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1956 م وتلف جزء كبير من المحاصيل الزراعية وارتفاع أسواق المال الأمريكية لمستويات قياسية لم تحققها منذ أربع سنوات ، وارتفاع أسعار النفط والطاقة حيث وصل سعر الغاز إلى أعلى مستوى له على مدار 22 عاماً  ، بالإضافة إلى أن إقرار التسهيل الكمي الثالث سوف يعزز من شهية المخاطرة في الأسواق الأمر الذي يعني مزيداً من الارتفاع في الأسعار وازدياد التضخم واشتعاله مرة أخرى ليس في الولايات المتحدة الأمريكية فقط وإنما في العالم بأكمله وحينما لا تقتنع بالأسباب الاقتصادية فإن عليك أن تفتش عن الأسباب السياسية الكامنة وراء هذا القرار ، فلا اقتصاد بدون سياسية ولا سياسة بدون اقتصاد.
 
 
يتداول الساسة بعض المؤثرات وراء هذا القرار وهو حال الاقتصاد الأوروبي المتدهور الذي وصل إلى مرحلة حرجة جعلت القادة الأوروبيين يوافقون على أكثر القوانين والتشريعات التي كانوا يعارضونها بشراسة مقدمين التنازلات تلو التنازلات حيث وافقت المحكمة الألمانية الدستورية على ألية الاستقرار الأوروبي بعد تصريحات عديدة للمستشارة الألمانية انجيلا مريكل صرحت فيها بأن ألمانيا لا تستطيع تحمل تكاليف خطة الإنقاذ الأوروبي وإنها لا تريد الإضرار باقتصاد بلادها ، بالإضافة إلى تصريحات مرشح الحزب الجمهوري في الانتخابات الأمريكية ميت رومني بأنه لا يرغب ببقاء السيد بن برنانكي في منصبه حال فوزه في الانتخابات ، كل تلك الأسباب لا تشكل سبباً جوهرياً كافياً لهذا القرار.
 
 
لكن الخبر الذي نشرته جريدة صنداي تلغراف مؤخراً يشكل رابطاً مقلقاً حيث  قالت فيه إن سفن حربية وحاملات طائرات وكاسحات ألغام وغواصات من 25 دولة بدأت تجتمع معاً في مضيق هرمز في مناورات عسكرية غير مسبوقة تستمر لمدة 12 يوم في ظل ترقب لأي مواجهة محتملة بين إيران والكيان الغاصب بعد أيام من تصريح وزارة الخزانة الأمريكية بأن العقوبات الاقتصادية الأخيرة على النفط الإيراني تُكبد حكومة طهران 5 مليارات دولار شهرياً وبعد أيام من إقرار السيد بن برنانكي لحزمة التسهيل الكمي الثالث غير المحددة وتصريح بعض الجهات من داخل الكيان الصهيوني بأن الحرب على ايران سوف تكلف 42 مليار دولار . 
 
 
تصرفات رجال الاقتصاد بهذه الكيفية المُستعجلة في فترة زمنية قصيرة لا يتناسب مع سياسة التدرج التي ينتهجها  رجال الاقتصاد في الغرب حتى في ظل الأزمة المالية العالمية الحالية ، مثل هذه التصرفات توحي للمتابع أن هناك استعدادات اقتصادية  مبكرة  لمواجهة تأثيرات أي نزاعات عسكرية يمكن أن تنشب في المنطقة ، الأمر الذي يعرف الاقتصاديون الغربيون جيداً أن الدخول فيه كطرف بأي صورة كانت هو انتحار اقتصادي في  ظل الأزمة الاقتصادية الحالية ووأد لآمال تحسن ونمو الاقتصاد العالمي ، لكن القرار النهائي بيد الساسة الذين تختلف أولوياتهم وحساباتهم عن حسابات رجال الاقتصاد الذين يقدمون الآن نفس النصائح التي قالوها قبل شن الحرب على أفغانستان والعراق والتي حَمَلت بلدانهم فاتورة حرب باهظة ما زالوا يدفعون ثمنها حتى اليوم ، ورغم معرفة الساسة بصعوبة الوضع الاقتصادي وعدم تحمسهم للذهاب في طريق الحرب كما رأينا في العديد من  تصريحاتهم   إلا أننا لا يمكن أن نكون متأكدين تماماً من عدم احتمالية وقوع حرب كالتي نتحدث عنها في ظل هذه التحركات الاقتصادية الملفتة ، كما أن أحداً من الساسة لن يخبر الناس بموعد قرار حرب يريد دخولها بطبيعة الحال بالإضافة إلى أن الأفعال السياسية العملية على أرض الواقع هي الفيصل وليست التصريحات الإعلامية مدروسة الأثر.
 
 
الحرب التي يبدو البعض متحمساً لها أكثر من أطرافها المحتملين بات صوت قرع طبولها أكثر ارتفاعاً ويبدو أننا تجاوزنا أكثر من أي وقت مضى مرحلة تهيئة الرأي العام الدولي لمسألة خوضها ، فهل تكون هذه التحركات الاقتصادية السريعة صحيحة في توصيفها لهذه الاعتقادات أم أن الساسة يدركون جيداً حجم الدمار الشامل الذي سوف تخلفه مغامرة من هذا النوع على الاقتصاد العالمي ؟
 
الاثنين 17-9-2012
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد علي آل مسيري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/09/17



كتابة تعليق لموضوع : تحركات اقتصادية تدق طبول الحرب
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net