صفحة الكاتب : حيدر عاشور

قصة قصيرة قرار مؤجل
حيدر عاشور
كلنا نلهو بأحلامنا وماكنا نعلم أننا نعيش بأرواحنا فقط وما الحلم إلا تمني لمستقبل نخطط له بحلم ويتحقق غير الذي نفكر ونخطط ،لم يكن بخلدي أن  ارجع الى بلدي مع قوات تحمل السلام كما افهمونا وتدربنا  من اجل ساعة الصفر هذه.... هكذا كنا نستمع الى النقيب الأمريكي حجي طالب في فندق فلسطين مرديان بعد احتلال العراق بتسعة أيام ،وكنا نبحث عن فرصة نخدم بها بغدادنا الجريحة، وهو القادم مع القوات الأمريكية ويدعي العراقية والحرص... تسلل الشك في داخلي بأن هذا الشخص يجيد العراقية بطلاقة وهو ليس بعراقي،تفحصت عيني جميع الحضور ممن على شاكلتي وهم فاغري افواههم يستمعون الى مسلسل ادرامي جديد بطله هذا الأمريكي العراقي ... ولحظات نتبادل النظرات متعجبين لقدرته على الكلام بصراحة ،تارة يدين أمريكا وأخرى يؤكد وجودها من اجل سلام المنطقة والقضاء على بقايا نظام انهار تماما ... كان الحضور أغلبيتهم من المثقفين والإعلاميين أثارتهم طريقته في التلون بالحديث فلم يصبروا على ذلك ظنا منهم انه يلعب بعواطفهم واندفاعهم لخدمة الوطن فلم يعطوه فرصة لتكملت حديثه بدأ القال والقيل بينهم ،واثارت مناقشات بصوت عال، وبشكل عشوائي .. لا وجود  مركزية للحديث .. هو يتحدث والجميع يتحدثون مع بعضهم البعض حتى وصل الى مسمعه بعض الشتائم ونعته بالعمالة والخيانة وبيع الوطن فوقف حجي طالب بزيه العسكري الأمريكي الكامل وهو يرفع صوته :
ـ انتم العراقيون تبقون تعيشون في وهم الإخلاص للعراق، واليوم جاء الدور الأمريكي في المنطقة فالإخلاص لامريكا يعني الإخلاص للعراق.
جاءه صوت أعلى من صوته :مبارك لك إخلاصك لأمريكا أيها الخائن المرتزق ..
ضحك حجي طالب وبدأ الحضور ينعتونه بالمرتزق وهم يخرجون نادمين على حضورهم بهذا الشكل المهين ... كنت أيضا من الخارجين المتذمرين الحائرين بشكل العراقي الأمريكي حجي طالب ، وبقيت في صالة الفندق ابحث عن أي شخص اعرفه ،وكان الفندق يعج بالامريكان واغلبهم يتحدثون العربية منهم القطري والإماراتي والسعودي والأردني إضافة الى قادة أمريكيين وعراقيين .... جلست أراقب الوضع عن كثب وتدور عيني بشكل دائري وتستمع أذناي لتشكيلات من الحديث الغريب ضد المواطن والوطن ... فضائيات تراقب وأجهزة مراقبة في كل مكان ... تدخل الى القاعة جماعات وتخرج أخرى والكل يبحث عن فرصة للسيطرة،في هذا الجو الملتهب بالمراقبة والحذر وجاهزية الاسلحة .. دخلت جماعة يترأسها رجل دين وقور هيبته تثير من يراه وتأخرت في الانتظار وارتفع صوته يطلب من طلبه للحضور إن يلقيه على الموعد الذي أعطاه له : أليست أمريكا تحترم الزمن ... آذا أمريكا لا تحترم المواعيد والزمن فعلى الدنيا السلام ... وبسرعة البرق جاءت مجموعة مسلحة يتوسطها رجل كبير وهم بالترحيب برجل الدين واحتضنه مقبلا وهم يتبادلون الابتسامات وساروا باتجاه المصعد وآخرين باتجاه السلم .... ماهذه المتناقضات التي أشاهدها غريب كل ما يحصل...انسابت الدموع بشكل لا إرادي من عيني وهذه المرة الأولى التي ابكي بها على وطن أو إنسان ... توفيت والدتي كنت الوحيد الذي لا يبكي عليها لان الموت حق السماء وشيئا مكتوبا ليس منه فرار .. أما بكائي الآن هو موت العراق بشكل كامل وجاء غير العراقيين ليكونوا عراقيين .... آه: على بلد ستتغير أحواله .. هل سنكون بعد ذلك عراقيين أم سنتحول بالتدريج الى صناعة جديدة بمسميات متعددة؟
بقيت جالسا كالميت أتنفس رائحة القبر من كل اتجاهاتي أيقنت إنني ميت آذا ما بقيت هنا الكل في هذه القاعة واضعا دمه في قنينة زجاجية .... ها هو حجي طالب مرة أخرى يدنو مني .
ـ أنت هنا لماذا لم ترحل ؟وما هذه الحسرة وعلامات الحزن ... أنت يأبني  كزملائك  لا تفهم  شيئا .
ـ ما الذي لا افهمه ؟
ـ تتصورون أن أمريكا محتلة... وانتم أنفسكم طلبتم تخليص العراق من طاغية العصر وها هي أمريكا تلبي دعوتكم  .
ـ أمريكا جاءت ثائرة  لاحداث الحادي عشر من ديسمبر وانفجار برجي التجارة العالمي ... حجي أنت تتكلم مع إنسان عراقي واعي وليس من الذين استقبلوكم بالورود ،وما حضوري إلا من باب الفضول .
ابتسم حجي طالب وجلس بقربي وهو يتفحصني بعينيه العسليتين آلتان  تحملان قسوة ظاهرة مرتكزتان على سحنة سمراء تمثل الحنان والعطف ليقول :
ـ سأروي لك قصتي التي تشبه جميع قصص العراقيين والعرب الذين قدموا مع أمريكا للعراق، بكل صراحة إكراما لهذه الدموع ... اسمع حينما فتحت عيني كنت في مدرسة داخلية في أمريكا ومعي من أطفال العرب والأجانب الكثير  .. عرفت أن أبي جاء الى أمريكا منذ أكثر من أربعين سنة بصفة لاجئ من الظلم الذي عاشه من النظام الحاكم في العراق ، وتزوج وهو في أمريكا بعد أن أرسل جدي حبيبته التي تركها حينما كان في الجامعة ببغداد والتي هي أمي الآن... أكملت الدراسات جميعها ولم أرى أبي وأمي إلا أسبوعا في كل نهاية  موسم دراسي...تعلمت النظام الأمريكي ، وهذا النظام كان يشمل جميع أحوال العراق اقتصاديا واجتماعيا ... وهذا ما تعمل عليه أمريكا بشكل خاص مع كل المستوطنين في الدول والمحافظات التابعة للوصايا الأمريكية  تدربهم لهذه الساعات الحرجة في انهيار أي كيان مؤسساتي شمولي يعمل ضد أمريكا كما حصل في العراق من انهيار عملت لاجله أمريكا من فشل البريطانيين في احتلال العراق وخروجهم بثورة العشرين ... أعادة أمريكا حساباتها وجهزت لذلك عدتها وصنعت مؤسسة كاملة من أبناء العراقيين ليقودوا العراق في هذه الأوقات وأنا احدهم من الجناح العسكري ألاستخباري الأمريكي  اشرف على الأعلام في العراق الجديد .
ـ يعني أن العراق بدأ بصناعة أمريكية وسينتهي بصناعة أمريكية .
ـ صحيح وهذه الصناعة ليس في العراق كما قلت لك هناك في أمريكا عرب من كل الجنسيات ومستعدة لخوض نفس التجربة فيما آذا انتهت ورقتها في قيادة الحكومة .. اغلب حكام العرب هم تحت السيطرة الأمريكية وقوتها في المنطقة بل الشرق الأوسط كله ولا أمريكا نفوذ في تركيا وإيران وروسيا وغيرها من الدول التي تدعي القوة وقوتها ورائها أمريكا .
ـ يعني هناك دول عربية ستلحق العراق بنفس النغمة السياسية التي تتبعها أمريكيا في شقيها التدمير الشامل والمعالجة الشاملة ،توجد المشكلة فتحرق المكان ،وتجد الحل لبناء المكان .
وقبل أن يجيبني بنعم أو لا سحب حجي طالب نفسه مني بذات الابتسامة وبقيت وحدي ابحث عن قرار مؤجل في خيالي منتظرا فارسا عراقيا من رحم العراق يقنعني بالصبر على أن لا أكون عراقي أمريكي أو أمريكي عراقي  

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر عاشور
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/05/06



كتابة تعليق لموضوع : قصة قصيرة قرار مؤجل
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net