صفحة الكاتب : د . صادق السامرائي

أللهم إحفظ تونس!!
د . صادق السامرائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

من عجائب الديمقراطيات العربية أنها تشترك بسلوك متميز مفاده , أن الأحزاب الإسلامية تستحوذ على السلطة وتفشل في التعبير الديمقراطي,  وإرضاء طموحات الجماهير التي ثارت , وأن جميع الأحزاب التي تسمي نفسها معارضة وعاشت في المنفى , قد فشلت في حكم البلاد التي تسنمت السلطة فيها , وقدمت أوضح الأمثلة على ذلك الفشل المروّع.

وفي تجربة تونس الديمقراطية , توجهت إرادة الشعب نحو البحث عن الأمان والثقة بالسلطة , فأدركت بحس لا وعيها أن لا بد من التواصل مع تلك الروح الوطنية البورقيبية , حتى يتحقق النضج الديمقراطي بخبراته ومهاراته اللازمة لصناعة المستقبل الأفضل.

وهذا يعني أن الجماهير التونسية قد أدركت ما يلوح في أفق الأيام , وإختارت ما هو أهون رغم ما عندها عليه من تحفظات ووجهات نظر , لكنها تعرف بالفطرة أن الذي تعرفه خير من الذي لا تعرفه , وأصحاب الخبرات والتجارب أفضل من العقائديين المؤزرين بالأمية السياسية والقيادية.

وما تحقق في تونس عين العقل , وقد حذت حذو عدد من دول أوربا الشرقية بعد سقوط الإتحاد السوفياتي , حيث تواصل في عدد منها قادة الحزب الشيوعي في بناء الدولة وقيادة الإنتقال الديمقراطي , حتى تأهلت أحزاب شبابية وإمتلكت الخبرات والقدرات القيادية اللازمة , ففازت في الإنتخابات وحكمت البلاد وفقا لتطلعات الشعب ومنطلقاته , بعد أن وثق بالجيل الديمقراطي الجديد , وبهذا تم المضي في مسيرة الدولة القوية وفقا لتفاعل الأجيال وتواصلها الصحيح.

وما يجري في تونس يقع ضمن هذا المفهوم , الذي قد يتصوره البعض بأنه ضربة قاصمة للديمقراطية وعودة إلى المربع الأول , وهذا خطأ في الفهم , لأن الشعوب الحية لا يمكنها أن تقدِم على الإنتحار كما حصل في عدد من دول الربيع العربي , التي حطمت حاضرها ومستقبلها ودمّرت بلادها وهجّرت أبناءها , وحوّلت أوطانها لسوح خراب ونكوص حضاري فظيع.

الشعب التونسي الواعي الحي يسير في الدرب الصحيح , وربما يحتاج لفترة حضانة ديمقراطية تساهم في ولادة الصورة الوطنية التي قامت من أجلها الثورة , وما هذه الخطوة إلا مرحلة راجحة وتدريبية لصناعة المهارات والكفاءات والقدرات الديمقراطية المؤهلة للقيادة الوطنية الطامحة.

وتجربة تونس تؤكد بوضوح أن الديمقراطية لا يمكنها أن تلد قادة مستوردين من الخارج , مهما توهموا وإدّعوا النضال والكفاح , لأنهم قد إنقطعوا عن الشعب والحياة المتواصلة في ميادين البلاد , والحق للإنسان الذي بقي في بلاده , فهو الأدرى والأعرف بها , وجميع القادمين من الخارج في البلدان العربية التي ثارت فشلوا فشلا ذريعا.

ولا تشذ عن ذلك تونس , التي وضعت رئيسا في الحكم على مدى ثلاثة سنوات , ولم يقدم ما هو متميز ومعبر عن حنكة قيادية وطاقات إلهامية للجموع الثائرة , وإنما بذر فيها الخوف والتوجس وعدم الثقة بالحاضر والمستقبل , وكان من الصواب الرجوع إلى الذين خبرهم وعرفهم , لعله يجد ضالته , ويصل إلى أهدافه.

ويبدو أن الخيار التونسي سيعطي ثماره ونتائجه الباهرة في السنوات القادمة , وأملنا أن لا ينزلق بعض الأخوة في متاهات الصراعات والتوهم بأن الثورة قد فشلت أو ضاعت , فهذه خطيئة كبيرة.

ومن المعروف أن الشعوب تحتاج لفترة مراجعة وتأمّل وتفاعل آمن لكي تنطلق قدراتها الأصيلة ذات المردودات الحضارية المتميزة , وإنشاء الله يصل الشعب التونسي موحدا إلى سوح تحقيق إرادته الوطنية الرفيعة.

تحية عربية عراقية لشعب تونس الواعي , الذي أيقظنا من رقدة العدم , ومضى قدوة ثورية ديمقراطية متوهجة بالسؤدد والرجاح!!


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . صادق السامرائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2014/12/24



كتابة تعليق لموضوع : أللهم إحفظ تونس!!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net