الرحمة تنشأ من رحم الألم !
فوزي صادق
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
نحن ضيوف الله في هذا الشهر ، ونحن مقبلين على رب كريم ، فأعطانا وأكرمنا ، حتى وقعنا على أيامه المباركة ، شهر تهذيب النفوس وترويضها كي تقـف على الجادة ، فالنفس في طياته مهذبة ، وسهلة الانصياع والخنوع ، إنه شهر مراجعة الحسابات السنوية ، إنه بحق شهر الاطمئنان والمساواة بين طبقات المجتمع ، ففيه حكمة وفلسفة عظيمة يعم خيرها ونفعها علينا بالاستدامة طيلة العام .
من قواعد النفس أن الرحمة تنشأ من رحم الألم ، وهذا السر العظيم في فلسفة الصوم، إذ يدقق المشرع كل التدقيق في منع الغذاء وشبه الغذاء عن البطن وحواشيه ، ويمنع الشهوات الجسدية والحيوانية خلالها ، حتى آخر رمق من الطاقة ، وهذه طريقة عملية وفعالة لنقل النفس من حالة الاستعباد إلى الحرية ، لتمر بمراحل وأدوار من التهذيب والتربية ، وهي بدوحة الرحمة والسكينة .
متى تحقـقت رحمة الجائع الغني للجائع الفقير أصبح للكلمة الإنسانية الداخلية سلطانها النافذ ، وحكم الوازع النفسي على المادة ، فيسمع الغني في ضميره صوت الفقير يقول أعطني ، ثم لا يسمع منه طلبا من الرجاء، بل طلبا من الأمر لا مفر من تلبيته والاستجابة لمعانيه ، كما يواسي المبتلى من كان في مثل بلائه ، إنها حالة فقر إجباري يراد به إشعار النفس الإنسانية بطريقة عملية واضحة كل الوضوح ، أن الحياة الصحيحة والسعادة المريحة تكون على أتمها حين يتساوى الناس في الشعور لا حين يختلفون ، وحين يتعاطون بإحساس الألم الواحد ، لا حين يتنازعون بإحساس الأهواء المتعددة ، ولو حقـقت رأيت الناس لا يختلفون في الإنسانية بعقولهم ، ولا بأنسابهم ، ولا بمراتبهم ، ولا بما ملكوا، وإنما يختلفون ببطونهم ، وأحكام هذه البطون على العقل والعاطفة ، فمن البطن نكبة الإنسانية .
رمضان أحبتي ربيع النفوس وأنيس القلوب نحو العلو الروحي والتواضع الجسدي ، فالنفس في هذا الشهر محتسبة في فكرة الخير بعيداً عن الذائد الفانية التي تستعبد النفس وتكبلها ، فهي تبني بناءها من داخلها فيكون لديها نوع من الولادة لحياة جديدة من قاع الداخل إلى قمة الخارج ، إنها تعيش حالة انتقال من غرفة الظلام إلى غرفة النور في أجواء ملؤها قناعة ، حينها سيكون اتخاذ القرار نحو الخلاص .
إعلامي وروائي @fawzisadeq
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
فوزي صادق

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat