صفحة الكاتب : علي بدوان

العلاقات السورية الأميركية.. تصعيد بعد هدوء مؤقت
علي بدوان

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
ـجاءت زيارة السفير الأميركي بدمشق روبرت فورد إلى مدينة حماه وسط سوريا لتزيد من اشتعال ملف العلاقات السورية الأميركية، بعد فترة من الهدوء تلت تعيين السفير قبل عدة اشهر، وقد باتت تلك العلاقات الآن في وضع صعب مع التصريحات الأخيرة لوزيرة الخارجية الأميركية والتي تناولت فيها الوضع الداخلي في سوريا.
وبعيدًا عن المحاكمات القانونية لزيارة السفير فورد لمدينة حماة وتجاوزها الحصول على الموافقة من الجهات السورية الرسمية والمعنية، فإن زيارته كانت مثيرة حقًا باعتبارها جاءت في صلب مسار الأزمة الداخلية السورية وتفاعلاتها اليومية شئنا أم أبينا، وبالتالي لم تكن بعيدة عن مناخات من الموقف الأميركي تجاه الأحداث السورية الداخلية.
والمثير أيضًا، أن السفير الأميركي روبرت فورد، هو سفير مستجد في سوريا، لم يتسن له بعد الإطلاع بما فيه الكفاية على الملفات الملقاة على عاتقه تجاه مسائل العلاقات الأميركية السورية، التي مرت بمراحل عديدة ومعقدة طوال السنوات الماضية. فالسفير روبرت فورد موجود في دمشق منذ أشهر قليلة فقط، بعد خمس سنوات من مغادرة آخر سفير أميركي لدمشق اثر اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، ولم يتسن له فرصة للانطلاق نحو إعادة بناء العلاقات السورية/الأميركية كما جاء في قرار تعيينه من قبل الرئيس باراك أوباما، الذي أعلن أن تعيين فورد كسفير للولايات المتحدة بدمشق يعبر عن التزام أميركي بـ "الانخراط في دعم المصالح الأميركية عن طريق تحسين التواصل مع الحكومة والشعب السوري" وذلك في سياق إعتراف الإدارة الأميركية بأهمية الدور الذي تلعبه سوريا في المنطقة، وكمؤشر على قلب صفحة جديدة في ملف العلاقات السورية الأميركية بعد سنوات طويلة من التباينات الحادة والواسعة خصوصًا منها التباينات التي نشأت عشية اغتيال الحريري في فبراير 2005، وما تلاها من تعقيدات مست الموقف الأميركي المناوئ لدمشق في الجانب المتعلق بدعمها وإسنادها السياسي لقوى المقاومة الفلسطينية، وتمسك سوريا بعلاقاتها وتحالفاتها الإقليمية. 
ومن الطبيعي القول بأن تعيين الرئيس باراك أوباما للدبلوماسي روبرت فورد في حينها سفيرًا للولايات المتحدة في سوريا كان إشارة انفتاح نوعية حيال دمشق في إطار سياسته المعلنة "لتشجيع جهود السلام في الشرق الأوسط" على حد تعبير الناطق باسم البيت الأبيض. حيث اتخذت الخطوة أهمية ملحوظة باعتبارها ترافقت مع زيارة وليام بيرنز المسؤول في وزارة الخارجية الأميركية إلى سوريا قبل أيام خلت، ولقاءه مع الرئيس بشار الأسد، في إطار "تعميق الحوار حول جميع أوجه العلاقات الثنائية بين البلدين" كما أعلن بيرنز عقب اجتماعه مع الرئيس بشار الأسد. ‏ 
وفي حقيقة الأمر، إن اختيار روبرت فورد سفيرًا للولايات المتحدة بدمشق كان مدروسًا بدقة ولم يكن اختيارًا سهلاً على الإدارة الأميركية التي كانت وما زالت ترى بدمشق موضعًا جغرافيًّا وسياسيًّا ليس سهلاً على الإطلاق، بل موضع استعصاء في برنامج التسوية الأميركية / الإسرائيلية.
كما أن فورد يعتبر من أفضل الدبلوماسيين في الخارجية الأميركية، فبصماته لا تزال واضحة على القوانين العراقية التي شارك في صياغتها أثناء وجوده في سفارة بلاده بعد الاجتياح الأميركي لبلاد ما بين النهرين، التي خدمت فيها زوجته الدبلوماسية أيضًا، مرتين. وهي حاليًا تعمل في البعثة الأميركية في الرياض. فضلاً عن خدماته المستديمة التي امتدت عبر عدد من البلدان العربية ومنها الجزائر على وجه الخصوص.
وإلى حين اشتعال الأزمة الداخلية السورية، لم يكن احد ليسمع بروبرت فورد في سوريا، ولم يكن له أي نشاط يذكر على السطح، إلا منذ أسبوعين تقريبًا، حين أعلنت وزارة الخارجية الأميركية، بعد مؤتمر المعارضة السورية في فندق (سميراميس) بدمشق، أن السفير التقى بعض المعارضين السوريين المشاركين في أعمال المؤتمر من كافة الألوان والأطياف السياسية، وبعد ذلك زيارته لمدينة حماة السورية بالرغم من توتر الأوضاع الداخلية فيها، وهو ما اعتبر بمثابة إعلان رسمي عن التدخل الأميركي في الوضع السوري الداخلي. 
المصادر المختلفة تشير إلى أن زيارة السفير روبرت فورد لمدينة حماة، ليست التدخل الأميركي الأول من نوعه في الشأن السوري الداخلي، ولن يكون الأخير في حياته الدبلوماسية، سواء بقي في سوريا أو انتقل إلى دولة أخرى. فوثائق (ويكيليكس) تقول بأن السفراء الأميركيين، أينما حلوا، نادرًا ما يهتمون بالشؤون الدبلوماسية فقط، بل يعمدون إلى التدخل المباشر وغير المباشر في كل شؤون الدولة المستضيفة خصوصًا منها دول العالم الثالث ومنها البلدان العربية.
وفي العودة إلى زيارة روبرت فورد إلى مدينة حماة السورية، فإن تلك الزيارة تركت ندبات واضحة على مسار العلاقات بين البلدين، وقد تحتاج عملية التخلص منها لجهد كبير ووقت طويل، خصوصًا في ظل تراكمات سابقة وارث صعب في ملف العلاقات بين البلدين، فضلاً عن وجود افتراقات (سورية/أميركية) واسعة بالنسبة لعملية التسوية في المنطقة وهي العملية المتوقفة فوق هضبة الجولان منذ العام 2000 بعد انهيار مفاوضات شبيرزداون بين الطرفين السوري و"الإسرائيلي".
من هنا، إن دمشق تنظر لزيارة السفير الأميركي بدمشق إلى مدينة حماة السورية ومن بعده السفير الفرنسي باعتبارها "تسللا" ومحاولة أميركية/فرنسية مشتركة، لـ "تدويل" الحالة السورية الداخلية، فضلاً عن تقديم دعم ولو معنوي أو سياسي للمجموعات التي تواجه النظام الرسمي، وقد ذهب البعض للقول بأن زيارة السفيرين الأميركي والفرنسي لمدينة حماة تحمل في طياتها انغراسًا واضحًا وتدخلاً في الشأن السوري الداخلي، ورغبة (أميركية/فرنسية) في جعل مدينة حماة، "بنغازي ثانية" بعد أن فشلت تلك الجهود في محافظة ادلب الشمالية المحاذية للحدود مع تركيا كما تشير التقديرات الرسمية السورية.
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي بدوان
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/07/23



كتابة تعليق لموضوع : العلاقات السورية الأميركية.. تصعيد بعد هدوء مؤقت
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net