صفحة الكاتب : علي محمد عباس

الإعـتـدالُ والتّطـرّفُ في المنظـورالإسـلامي
علي محمد عباس

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 المقـدمـــة : 
تواصلاً مع أصحاب الإختصاص من الأخـوة الذين أثـَرَوا الحيـاة الثقافيـة بنتاجاتهـم الغنيّـة بأبعادها  الإنسانية ، والتي جاءت كنتيجةٍ حتمية لحالة الضغط التي فُـرِضَتْ على الواقع العربي والإسلامي الجديد ، خاصةً وإنّ التطرف قد استطـال أمرُهُ واحتل مساحاتٍ واسعـةً من عقـول الشبـاب العربي وغير العربي  من جهة ، ومن جهةٍ أخـرى فإنّ المتطـرفين قد اتخـذوا من القـرآن شعـارا ، ومن السنّـة دثارا ، ومن  الإسلام شـرعةً ومنهاجا ، والإسلام منهم بـراء . وقـد استأنس هؤلاء المتطـرفون بفتاوى بعض رجال الدين المأجورين فكانت تلك الفتاوى زاداً شهيّـاً لعقولهم المتصحّـرةِ ونفوسهم المريضةِ المتعطشةِ للهـدم  والـدّم .
حيث اتخذ رجال الدين هؤلاء ، الدين مركباً لبلوغ مآربهم الدنيوية فأوّلوا ما استطاعوا تأويله من  النصوص ، واستنبطـوا من الأحكام ما ليس من جنـس الشـريعـة في شـيء . فهـم رجالُ ديـنٍ بلا ديـن ،  لا زالوا يعيشون في دهاليـز القـرون الوسطى وفي كهوفها المظلمة ، ويتبعـون أهواءهم متخذين من التراث العـربي الإسلامي الملطـخ بدماء المستضعفين ، مـادةً خصبـةً لفتاواهـم التي مـا أنـزل الله بهـا من سلطـان . 
وحسبنـا أنّهـم أصبحوا مصداقاً لقـولـه تعـالى : ( واتـلُ عليهـم نبـأ الذي آتينـاهُ آياتِنــا فانسلـخَ منهـا  فأتبعـهُ الشيطـانُ فكـانَ مـنَ الغاويـنَ # ولـو شئنـا لـرفعنـاهُ بهـا ولكنّـهُ أخلـدَ الى الأرضِ واتّبـعَ هـواهُ فمثلـهُ كمثـلِ الكلـبِ إنْ تحمـلْ عليـهِ يلهـثْ أو تتـركْـهُ يلهـثْ ذلك مَثَـلُ القـومِ الـذينَ كـذّبـوا بآياتنـا فاقصـصِ القصـصَ لعلهـمْ يتفكّـرون ) 175 و176 الأعـراف . 
. لـذا يقتضي الحال أن نحتج عليهم بالقـرآن الكـريم والسّنّـة الصحيحة التي تحظى بالإجماع ، وأن نحتـج عليهـم أيضاً بالعقـل والحكمـة والمنطـق ، مـا استطنـا الى ذلـك سبيـلا . ورغـم أنّ الأمـر شائـكُ ومعقّـدٌ فقد آثـرتُ الخوض فيه على أمل أن يدلـوا الآخـرون بدلوهم إغنـاءً لهذا الموضوع لما له من أهميةٍ 
 
وخطورةٍ بالغتين . ولا أدعي أنّني سأبلـغ الأسبـاب بهـذا البحث المتواضع ، ولكـن هو لبنـة تضـاف الى 
 
جهود الآخـرين لعلها تؤتي أكلهـا بعـد حين ، وما التوفيق إلاّ من عند الله ، عليه توكلت وإليه أنيب .
* * *
الفصــل الأول
 
قبل أن نلج عوالم هذا البحث ، لابدّ لنا من معـرفة ما هو الاعتدال وما هو التطرف ؟ الإعتدال : هو 
الوسط الذهبي كما سماه أرسطو في نظـريته . والوسط الذهبي عند أرسطو : هو حالةٌ بين حالتين متطرفتين 
متضادتين وهناك أمثلةً كثيـرة ننتقي منها مثالين فقط توضيحاً للصورة لعلنـا نـزيل الغشاوة عمّـن أعمى 
الجهـل بصـرهـم وبصيـرتهـم . ففي مثلنــا الأول نقــول ، أنّ ( الجبان والمتهـور ) حالتــان متطـرفتــان 
متضادتان ، فالجبان عنـد أرسطو يقع في أقصى اليمين ، ويقع المتهور في أقصى اليسار ، وما بينهما من 
مساحةٍ وسطيةٍ يحتلها ( الشجاع ) الذي يتميـز بالقوة الجسدية والعـزيمة وقوة الإرادة ورباطة الجأش كما 
يمتلك القدرة على اتخاذ القـرار الحاسم في اللحظة الحاسمة ، فهو في هذا الجانب يختلف عن الجبان . وهو 
يختلف أيضاً عن المتهـور في كون شجاعته محكومةً بالعقل والحكمة ومقيـدةً بقيـم الفـروسية كما يسميهـا 
العـرب . ومـن الأمثلـة الأخـرى نقول انّ ( البخيل والمبذر) هما أيضاً حالتـان متطـرفتـان متضادتـان ، 
فالبخيـل يقــع في أقصى اليمين والمبـذر يقع في أقصى اليسـار ، وما بينهمـا من مساحـةٍ وسطيـةٍ يحتلهــا 
( الكـريم ) الذي يتميز بحسن التدبير والقدرة على توجيه المال بالإتجاه الصحيح بحيث يؤدي المال وظيفته 
الإجتماعية ويؤدي دوره الإقتصادي والإنساني . فالكريمُ لا يحبس المال كما يفعل البخيل بحيث يعطل المال 
عن إداء الدور المناط به . وكذلك يختلف عن المبذر الـذي لا يحسن تدبيـر المال فيبعثـره يمينــاً وشمـالاً ، 
حيث يضع المال في مواضع يؤدي فيها المال دوراً سلبيـاً يلحق الأذى بصاحب المال أولاً وبالمجتمع ثانياً . 
لذلك عندما نقول أنّ فلاناً وسطي ، فمعنى ذلك أنّـهُ يتميّـز بالإعتدال والموضوعية والحيادية الكاملة ، 
لأنّه ينظـر الى الأشياء بعينين صحيحتين وعقلٍ رشيد ، بحيث يـرى الأشياء كما هي في طبيعتها ، الأبيض 
أبيضـاً والأسـود أسـوداً ، دون أن يقـوده الميل والهـوى ذات اليمين أو ذات الشمال ، فتختلـط عليه الأسنّـة 
وتتداخـل الألـوان ، كما يُقال . وعندما نقول أنّ الكيان السياسي الفلاني وسطـي ، فهو يتميـز أيضاً بالإعتدال 
والموضوعية والحيادية الكاملة ، فعندما ينظر الى الكيانات السياسية الأخـرى ، ينظر اليها بتعقّلٍ وبصيـرة ، 
فيضع يده على مواطن القوة فيها ومواطن الخلل .أي أنّه ينظـر الى إيجابياتها وسلبياتها معاً دونما مبالغةٍ في 
هذا الجانب أو ذاك ، وإلاّ إنتهى أن يكون موضوعيّـاً وحياديّـاً .. بعد هذا وذاك نقول أين تقع نظـرية الوسط 
الذهبي من شـريعتنـا الإسلامية ؟
وللجواب على هذا السؤال نقول انها من سنخ الشـريعة ومن جنسها وتمثل ركناً أساسياً من أركانها ودونك 
بعضاً من الآيات نستدلّ بها على وسطية الإسلام واعتداله ، قال تعالى ( وكـذلك جعلناكم أمّةً وسطاً لتكونوا
شهـداءَ على النّـاسِ ويكـونَ الـرّسـولُ عليكـم شهيـــدا ) البقرة 143 ، فقوله ( أمّـةً وسطـاً ) تعني عـدولاً أخياراً 
غيـر متطـرفين في منهجهـم وغيـر منحازين في الموقف أو الـرؤية عن وسطيتهم واعتدالهم ، وإنّما يـرون 
الأشياء كما هي في حقيقتها دونما حاجة الى المبالغة والإنحياز. وما ورد في سـورة الفاتحة هو الآخـر يدلّ 
هذه الدلالة ، قال تعالى ( صـراطَ الـذينَ أنْعمـتَ عليهـمْ غيـرِ المغضـوبِ عليهـمْ ولا الضّالين ) فقوله تعالى :
( أنْعمـتَ عليهـمْ ) يحتلّ الوسط الذهبـي ما بين ( المغضـوبِ عليهـمْ ) وهم اليهـود لقوله تعالى : ( مَـنْ
لعنـهُ اللهُ وغضـبَ عليـهِ ) الآية 60 المائدة . وما بين ( الضّـاليـن ) وهم النّصارى لقولـه تعالى : ( قـدْ ضلّـوا 
مـن قبـلُ وأضلّــوا كثيـراً وضلّــوا عـنْ سـواءِ السبيـلِ ) الآية 77 المائدة ، حيث وقــع أسلافهـم في الضّلالــة 
وابتعـدوا عن طـريـق الحـقّ وأضلّـوا غيـرهم عن الطّـريق المستقيم . 
فالإسلام لايـريد للمسلم أن يكون غليظ الطّباع قاسي القلب كاليهود فيكـون في دائـرة المغضوب 
عليهم . ولايـريد له أن يكون ضالاًّ مضلاً عن طـريق الحق ، بل مهتدياً وهادياً لغيـره بعد أنْ أنعـم الله عليه 
بنعمة الإيمان . وأن يتخلّق بأخلاق الإسلام ويتأدّب بآدابه ويحتـرم العهــود والمواثيق وأن يتخذ من الإسلام 
منهاجاً في حياتهِ اليوميةِ المبنيةِ على أساس التسامح واحتـرام الآخر وعدم الغائه ، فهو إمّـا اخٌ له في الدين 
أو نظيـرٌ له في الخلــق . وأنْ يكون عزيزاً مهابَ الجانب ، لا يبدأ بالإعتداء إلاّ أن يُعتَدى عليه وأن يلجأ 
الى السلــم إذا طلب العــدو منه ذلك وإلاّ أصبـح معتديـاً .
ومن الأمثلة الأخرى على ذلك قولـهُ تعالى : ( ولا تجعـلْ يـدَكَ مغلـولـةً الى عُـنُقِـكَ ولا تبسطْهـا كـلّ
البسـطِ فتقعُـدَ ملومـاً محسـوراً ) 29 الإسـراء ، هنـا تلميـحٌ الى الوسطيـة مابين البخـل ومابين الإسـراف 
والتبذيـر ، فالنهـيُ واضــحٌ في شطـريِّ الآية بقولــه تعــالى ( ولا تجعـلْ ) حيث نهى عن البخـل ، وقولـه 
تعــالى : ( ولا تبسطْهـا ) وفي هذا نهيٌ آخر عن الإسـراف والتبذير . وهو بهذا يريـد حالة الوسـط مـا بين 
البخـل والإسـراف . وبعد هذا التلميح باشر القرآن بالتصريح : قال تعالى ( والـذينَ إذا أنفقـوا لـمْ يُسـرفـوا 
ولـمْ يَقتـروا وكـانَ بيـنَ ذلـكَ قوامـا ) 67 الفـرقـان فقوله تعالى ( وكـانَ بيـنَ ذلـكَ قوامـا ) إشارةٌ واضحةٌ الى 
الوسط الذهبي مابين التّقتيـر والإسراف ، حيث أوجـب أنْ يكون الإنفـاق وفقـاً للضوابـط والقواعـد الشـرعية 
بحيث يــؤدي الإنفـاق مقاصـده الشـرعية والإنسانية . ورداً على بعض المفاهيم التي كانت سائدةً عند عـرب 
الجاهلية والتي جسّـدها عمـر بن كلثوم في بيتٍ من معلّقتــه : 
{ ألا لا يجهلنْ أحـدٌ علينـا فنجهـلَ فوق جهلِ الجاهلينا } 
( فالجهلُ ) في صدر البيت هو فعلٌ متطـرفٌ ، وردُّ الفعل في عجـز البيت ( فنجهلَ فوق جهلِ الجاهلينا ) هو 
الآخـر ردُّ فعلٍ متطـرفٍ ، وقد سلك القـرآن الكـريم طـريقـه ما بيـن المتطـرِفَيْـنِ حيث قال تعالى : ( وعبـادُ 
الـرحمـنِ الـذينَ يمشـونَ على الأرضِ هـونـاً وإذا خاطبهُـمُ الجاهلـونَ قالـوا سـلامـا ) 63 الفـرقـان ، نعــم 
( قالـوا سـلامـا ) ولم يقولـوا : ( فنجهل فوق جهل الجاهلينـا ) وهذه إشارةٌ واضحةٌ الى الإعتدال المهذّب 
والمتأني في ردّ الفعــل . 
وما ورد في الآية 89 من المائدة هو الآخـرُ تعبيـرٌ صادقٌ عن الإعتدال والوسطية ، قال تعالى ( لا يُؤاخـذكـمُ 
اللهُ باللّغـوِ في أيمانِكـم ولكـنْ يُؤاخـذُكـم بمـا عقّـدتّـمُ الأيمـانَ فكفّارتـهُ إطعـامُ عَشَرَةِ مساكينَ مـنْ أوسـطِ مـا 
تُطعمـونَ بـهِ أهليكُـم أو كسوتُهـم أو تحـريـرُ رقبـةٍ فمَـنْ لـمْ يجـدْ فصيـامُ ثـلاثـةِ أيّـامٍ ) ، فقوله تعالى ( مـن 
أوسـطِ مـا تُطعمـونَ بـهِ أهليكـم ) أي لا أعـلاه ولا أدنـاه ، بل من أغلب ما تطعمونهم في العـادة. 
وتوخياً للإيجاز نقول أنّ الـرســول الكـريـم (ص) جسّـد لنا نظـرية الوسط الذهبي بقوله المشهور{ خيـرُ 
الأمور أوسطها } ، ومـا روي عـنه أيضـاً قولــه : { عليكم بالنمـط الأوسط فإليه يصعد النازل واليه ينـزل 
الصاعـد } وما أُثِـرَعن العـرب قولهم { لا تكن ليناً فتعصر ولا تكن صلباً فتكسر} . وفي ذلك إشارةٌ واضحةٌ 
الى الوسطية والإعتدال ما بين أمرَيـنِ متطـرّفَيـن . وخلاصة القـول أنّ الوسطية تعني الإعتدال والموضوعية 
والحيادية الكاملة . أمّـا ( التطـرف ) : فهو يعني باختصارٍ شديدٍ ، الإبتعاد عن دائـرة الوسط الذهبي ذات 
اليمين أو ذات الشمال ، أي الإبتعاد عن الموضوعية والحيادية الكاملة ، وللتطـرف أسبابُ كثيـرةٌ نذكـر منها :
1 ) العصبية القبلية : وهي أساس جميع العصبيات الدينيـة منها أو المذهبيـة أو الحـزبيـة ، بل هي من الأسباب 
الكامنة في النّفـس والتي لا تـزال تفعلُ فعلها في سلوك الكثيـرين حتى أصيبوا بالحَـوَلِ العقلي ، والمصاب 
بالحَـوَلِ العقلي لم يعـد يـرى الأشيـاء كما هي في طبيعتهـا ، بل ينظـر اليها من زاويتـه الخاصة ويقيسـها 
بمقاساته فيـرى المقابل وكأنّه كتلةٌ من السلبيات فيبدأ بإلغائه ، وإذا ألغاه ُكفّـرهُ وجـوّز قتلـه .
2 ) الخلل الواضح في المنظومة المعـرفية للفـرد المسلم وذلك بسبب :
أ : المـزاج السائد في الأسـرة والتغذية المعـرفية الخاطئة للطفل والتي تدفعه الى إلغاء الآخـر وتكفيـره .
ب : المناهج الدراسية في أغلب البـلاد الإسلامية تدفع الطالب الى الإستهتار بالآخـر وتكفيـره وجواز قتله 
لأنّه مـرتد كما يعتقدون .
جـ : الإعـلام المـرئي والمقـروء والمسموع وهو الأخطـر لأنّه يدخل الى كلّ بيت ، لاسيما وأنّه يعمل ضمن 
أجنداتٍ تنحو هي الأخـرى بنفس الإتجـاه التكفيـري .
د : الفتاوى الدينية التي يصدرها البعض من رجال الدين ممّن يرتبطون بأجنـداتٍ خارجية ، والتي تهدف 
الى تمـزيق العالم الإسلامي من خلال إثارة الفتن الطائفية ، والتي تعتمـد في أساسهــا على الإلغـــاء
والتكفيـر .
3 ) الإضطهاد السياسي وانعدام الحـريات في أغلب البلدان الإسلامية ، دفع الكثيـر من الشباب الى الإنخـراط
في منظماتٍ إرهابية متطـرفة للتعبيـر عن ذاتهم ونيل حـرياتهم ، بعيداً عن قيود هذا النّظـام أو ذاك .
4 ) السبب الإقتصادي كان هو الآخـر سبباً لاندفاع الكثيـر من الشباب تجاه المنظمات الإرهابية لسدّ حاجاتهم 
المادية من جهةٍ ، والثأر لأنفسهـم ممّـن ظلمهم وهضم حقوقهم من جهةٍ أخـرى ، كما هو الواقـعٌ بالفعل . 
خاصـةً وانّ أغلب بلداننـا الإسلامية تعاني من فوارق طبقيةٍ حادة ، وما يترتب على ذلك من ظلـمٍ وجور . 
5 ) والأخطـر من هـذه الأسباب التي ذُكِرَتْ ، هـو التـراث العـربي الإسلامي الموبوء الذي يتقاطع في أغلب 
مفـرداته وتفاصيله مـع القـرآن والسنّة الصحيحة . حيث سُخّـرَ الدّين لخدمة السياسة وزعمائها فغلبت قيـم 
السّياســة الميكافلية المتسافلـة على قيم الدّين ومبادئهِ السامية المتسامحة ، فتلطّـخ الدّين بدماء السّياسة التي 
ألغت الآخر وكفّـرته وجوّزت قتلـه ، كما أفصحت عن ذلك صفحات التأريخ التي كُـتـِبَـتْ بدماء الأبـرياء ، 
فدخل الى الدّين ما ليس من جنسه أصلاً . والأنكى من ذلك فأنّ القـرآن والسنّـة المشـرّفـة تـمّ استنبــاطُ 
الأحكام منهما وفقـاً لمفـردات هذا التـراث الـدّمـوي وبهِ قُيّـدت تلك الأحكـام . فأصبح هذا التـراث هــو 
الحَكَـــمُ ، بـهِ يُزكّـى المـرءُ وبهِ يُكَفّـرُ ويُقتَـلُ . لذلـك يجب أنْ يُحَـرَّرَ القرآن والسنّـة الصحيحـة من أسـرِ 
هذا التـراثِ وأنْ يكون القولُ الفصـلُ لهمـا وليس لغيرهما . فبهما تقـاس الأمور وليس بغيـرهمـا .
* * * 
الـفـصــلُ الثـانــــي
 
من المعروف أنّ الإسلام استطاع أنْ يغتصب العقل الجمعي للمجتمعات الأخرى ، بما يملك من مبادىء 
ساميةٍ ، ومُـثِـلٍ إنسانيةٍ عاليةٍ ، وقيـمٍ راقيـةٍ . وقـد كانت ( أدعُ الى سبيـلِ ربِّـكَ بالحكمـةِ والموعظـةِ الحسنـةِ 
وجادلهـم بالتي هي أحسـنُ إنّ ربّـكَ هـو أعلـمُ بمَـنْ ضـلَّ عـنْ سبيلـهِ وهـوَ أعلـمُ بالمهتـدين ) النحل: ١٢٥ هـي 
طريقته للوصول الى مكامن الخيـرِ في النفـوس التواقـة للخلاصِ وكسـر قيود الماضي . كما كان لقـلب رسول 
الله (ص) الكبيـر بإيمانـه ، وعقلـه المتفجّـر بأنـوار السمـاء ، وسيـرتـه واخـلاقـه الآسـرةُ للعقـولِ والأفئـدةِ ،
دورهـا في امتـلاكِ القلـوبِ واغتصـابِ العقـولِ . حيث كان عفوه يسبق غضبه ، ورحمتـه تتجلى بأبهـى 
صورهـا : ( فبما رحمـةٍ مـنَ اللهِ لنـتَ لهم ولـو كنـتَ فظـاً غليـظَ القلـبِ لانْفضـوا مـن حولِـكَ فاعْـفُ عنهم 
واستغفـرْ لهـم وشاورهـم في الأمـرِ فإذا عـزمـتَ فتوكّـلْ على اللهِ إنّ اللهَ يُحـبُّ المتوكلين ) آل عمران: ١٥٩ 
حيث كان لكلّ ذلك القـدرة على استنفـار أدوات المعـرفـة من عقـلٍ وعلـمٍ وتفكّـرٍ وتدبـّـرٍ لـدى المؤمنين 
بدعوتـه . 
وقـد هيـأ تعالى للإنسان ، الذي هـو أثمـن مـا موجـود في هـذه الطبيعـة ، كلّ عناصـر ومستلـزمـات 
النّهـوض لبنـاء حياتـهِ على أسـسٍ من العـدل والإمـن والـرّقي الحضـاري . ولأنّ الإنسان في نظـر السماء ،
هـو قطب الـرّحى في هـذه المنظومة الكونية فقـد أحاطـه تعالى بسياجٍ قيمـيٍّ وأخـلاقـيٍّ يعصـمُ دمـَهُ ومالَــهُ
وعـرضَـهُ ، أيّـاً كان لونُـه أو جنسُـه أو عقيـدتُـه . لذلك نهى تعالى عن قتل النفس المحتـرمة دون سببٍ 
يجوّز لنا ذلك كما هو ظاهـرٌ في قولـهِ تعالى ( مـنْ أجـلِ ذلـكَ كتبنـا على بنـي إسـرائيـلَ أنّـهُ مَـنْ قتـلَ نفسـاً 
بغيـرِ نفـسٍ أو فسـادٍ في الأرضِ فكأنّمـا قتـلَ النّاسَ جميعـاً ومَـنْ أحياهـا فكأنّمـا أحيـا النّاسَ جميعـاً ) 32 المائدة 
ومن أجل بنـاء مجتمـعٍ يمسكُ بأسباب التطور والـرّقي فـلا بـدّ من إشاعة الأمن والسّــلام بيـن أفــراده حتى 
يتسـنى لهــم المساهمـة في بنــاءه وإعمــاره . لذلـك حـرّم الباري سفـك الدمـاء والإعتــداء على ممتلكات 
الآخرين كما هو واضحٌ في قولـهِ تعالى ( وإذْ أخذنـا ميثاقَكُـمْ لا تسفكـونَ دماءَكـمْ ولا تُخـرجـونَ أنفسَكـمْ 
مـنْ ديارِكـمْ ثـمّ أقـررتـمْ وأنتـم تشهـدون ) 84 البقـرة . فكما حمى الإسـلام المسـلم وحرص على حياتـه ، 
حرص أيضاً على حياة غيـره من أهل الذمّـة وغيرهم ممـن يعيشون في كنف الدولة الإسلامية ، حيث قال 
الـرسول الكريم : { من قتـل ذميّــاً حـرّم الله عليـه الجنّــة } . فكيـف إذا قتـل مسلمـاً بلا جـريـرةٍ أو حجـةٍ 
شـرعيـة !
بعد كلّ هذا هل نجد مسوغاً شـرعياً في القـرآن أو السنّة يجوّز تكفيـر المسلم وقتله . فكتاب الله واضحُ 
يـزيل الإلتباس والغشاوة عمن أعمى الجهل قلوبهم ، فالآية 93 النساء : تمثل إطاراً عاماً يجـرّم فعل القتل 
المتعمّـد ويتوعّـد القاتل بالخلود الأبدي في النار، قال تعالى ( ومَـنْ يقتـلْ مؤمنـاً متعمّـداً فجـزاءُهُ جهنّـمَ خالـداً 
فيهـا وغضـبَ اللهُ عليـهِ ولعنـهُ وأعـدَّ لـهُ عـذابـاً عظيمـا ) . وفي الآية 94 من النساء قال تعالى ( يا أيّهـا 
الـذين آمنـوا إذا ضـربتـمْ في سبيـلِ اللهِ فتبيّنــوا ولا تقولــوا لِمَـنْ ألقـى إليكـمُ السّـلامَ لسـتَ مؤمنــاً تبتغــونَ 
عَـرَضَ الحيـاةِ الـدّنيـا فعنْـدَ اللهِ مغانـمُ كثيـرةٌ ) . وكما هو واضحٌ من سياق الآية فإنّه تعالى لا يجوّز لنا قتل 
من حيّانا بتحية الإسلام ونطق بالشهادة ليثبت لنا أنّه من ملتنــا فلا يحلّ لنا أن ننكـر عليه ذلك ، بحجـة أنّـه 
قالها خوفاً من القتل . وقولُ الـرسول الكـريم (ص) واضحٌ بهـذا الشأن { لا الـه إلاّ الله حصني ، ومن دخل 
حصني عصم دمه وماله وعـرضه } . كمـا وضـع لنـا تعالى أسـسـاً لحمايــة أفـراد المجتمع وممتلكاتهم من 
خلال تشـريعاته التي توفّـرغطاءً قانونيّـاً ينعمون في ظلّـه بالأمن والطمأنينة والسلام حيث بيّن الله تعالى 
حكماً مهماً من الأحكام الشـرعية وهوعقوبة قطّاع الطـرق والعابثين بأمن الناس وأرواحهم ، قال تعالى : 
( إنّمـا جـزاءُ الـذين يُحاربـونَ اللهَ ورسولَـهُ ويسعَـوْنَ في الأرضِ فسـاداً أنْ يُقتّلـوا أو يُصلّبـوا أوتُقطّـعَ
أيديهِـمْ وأرجلُهُـم مـنْ خـلافٍ أو يُنفَـوْا مـنَ الأرضِ ذلكَ لهـم خـزيٌ في الـدنيـا ولهـم في الآخـرةِ عـذابٌ 
عظيـمٌ ) 33 المائدة . وهذا هو حدُّ من يـرتكب جريمة السرقة الكبـرى ( الحـرابة ) . كمـا وضـع تعالى 
حدّاً للسـرقة الصغـرى وهو قطع اليد ، قال تعالى ( والسّـارقُ والسّـارقـةُ فاقطعـوا أيديَهمـا جـزاءً بمـا 
كسبـا نَكالاً مـنَ اللهِ واللهُ عـزيـزٌ حكيـم ) المائدة 38 
وأمّا الغصب ونقل حدود الأرض فمقتـرفها ملعونٌ ومحـرومٌ من رحمة الله . وقد أوجبت الشـريعة 
على الغاصب أن يـردّ الشيء المغصوب ، أو يـردّ قيمتـه إذا أتلفـه أو بـدده ، فإن كان المغصوب أرضـاً 
فغـرس فيهـا أو بنـى ، قلع الغـرس وهدم البناء وردّ الأرض الى صاحبها ، وتُوقِـعَ على الغاصب عقوبة 
(الحـرابة) أو عقوبة (التعزير) كالحبس أو الجلد ، حسب درجة الجـريمة وخطـرها . وقد أجاز الإسلام 
للمالك أن يدافع عن ملكه بجميع الوسائل حتى لو التجأ الى السلاح ، وفي هـذه الحالة لا قصاص عليـه إن 
قتل ، وإن مات فهو شهيد . قال الرسول (ص) { من قُـتِـلَ دون ماله فهو شهيد } . 
بعد كلّ هـذا نقول ما عقوبة من يعتـدي على ما هـو ملكٌ لله ؟ ونحن جميعاً نقـرّ له بالعبودية وأرواحنا 
هي ملكه ، وهو أولى بما يملك وقوله تعالى ( إنّـا للهِ وإنّـا اليـهِ راجعـون ) تعني أنّ أرواحنـا هي ملكٌ لله ، 
فاللام في لفظ الجلالة ( للهِ ) هي لام التملك ، كما هو معـروف . فهو مالك أرواحنا ونحن عبيـده سنرجع اليه 
كما تقتضي حكمته . بل انّ كلّ ما موجـود في هـذا الكـون هو ( ملك عين ) لـله تعالى ( للهِ ملـكُ السماواتِ 
والأرضِ ومـا فيهـنَّ وهـوَ على كـلِّ شـيءٍ قـديـر ) 120 المائدة ، وأنّ الإنسان يملكه ( ملك منفعة ) ، أي يملك 
حـقّ الإنتفـاع بـه . لذلك لا يجـوز العبـث بـه والإسـاءة اليـه أو تدميـره كما يفعـل التكفيـريون بحجة أنّ ذلك 
ضـربٌ من الجهاد يتقـربون به الى الله تعالى .
وأعتقد أنّ هذا اليسيـر ممّا ذكـرناه من آيات القـرآن الكـريم وما يتعلق بهذا الأمـرِ كفيــلٌ بتجـريم من يكفّــر 
مسلماُ ويسعى الى قتله أو يعتدي على ما يملك . ولمن يـريد البحث في هذا الأمـر، ففي القرآن الكثيـر الكثير. 
وفي السنّة النبوية من الأحاديث الكثير أيضاً ، ما يحـرّم تكفيـر المسلم ويجـرّم قتله ، وحسبنا قوله (ص)
{ من كفّـر مسلماً فقــد كفــر } وقوله أيضاً { كونوا عباد الله إخوانا ، المسلمُ أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا
يخذله ولا يكذبه ولا يحقـره ، التقوى ها هنا : ويشيـر الى صدره ( ثلاث مـرات ) بحسب امـريءٍ من الشّـر 
أن يحقـر أخاه المسلم ، كلُّ المسلم على المسلم حـرام . دمهُ ومالهُ وعـرضه } . بل أنّ سفك دم المؤمن أعظم 
وأعلى شأناً من الكعبة ، كما روي ذلك عنـه (ص) . لذلـك جعـل الـرسول الكـريم (ص) للقانـون سلطانــاً 
لحماية أرواح الناس وممتلكاتهم فقولـه { إنّمـا أهلك الذين من قبلكـم أنّهـم إذا سـرق فيهـم الشـريف تـركـوه وإذا 
سـرق فيهـم الضعيف أقاموا عليه الحـدّ وأيمُ الله لو سـرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها } وبهذا وفّـر الإسلام 
غطـاءً قانونيـاً يعيش النّـاس تحت ظلّــه بأمـن وسـلام . فالظالم فيه ضعيف حتى يؤخـذ الحـقّ منـه ، والمظلـوم 
فيـه قـوي حتى يُؤخذ الحـقّ لـه . كما أنّه رسم للمسلم طـريقاً لا يتعداه حيث قال (ص) { المسلم من سلم الناس 
من لسانه ويده } وخلاف ذلك فهو ليس بمسلم . وأعتقد أنّ هذا الحديث يمثل جوابـاً شافيـاً وكافيـاً لمن ساقتــه 
فتاوى علماء الفتنـة ممّن ينسـبون أنفسـهم الى الدين الحنيف ، وهـو منهـم بـراء . حيث اجتهدوا في تصديـر 
الفوضى وإشاعة القتل والتخـريب وتدميـر البنى التحتية والعبث بممتلكات المسلمين وغيـرالمسلمين ، اعتقـاداً 
منهـم أنّ ذلك هو الجهاد الذي يقـربهـم الى الله زلفى . ألا سـاء ما يفعلــون ، قال تعالى ( الـذينَ ضـلَّ سعيُهُــمْ 
في الحيـاةِ الـدّنيـا وهـمْ يَحسبـونَ أنّهـمْ يُحسِنُـونَ صُنعـاً ) الكهف 104 .
بعـد هذا الإيجاز كان لابـدّ لنا مـن أن نقف عنـد أمـريـن هـامـيـن تباينت فيهـما آراء الناس لنضـع أيدينـا 
على حقيقتهـمـا محتكمين في ذلك الى كتاب الله وسنّـة رسولـه الكـريم (ص) :
1 / حـريةُ المعتقــد : 
هي من أهــم أركان الدين الحنيف الذي جعل من الحـرية حقّـاً مكفـولاً للفـرد في اختيـار المعتقـد
الذي يشـاء ، قال تعالى ( لا إكـراهَ في الـدّينِ ) 256 البقرة . لأنّ حكمتـه تعالى اقتضـت أن تجـري الأمـور 
وفقــاً لسياقاتها الطبيعية وأن يُترك للإنسان الحرية وحقّ الإختيار بلا إكراه ، قال تعالى ( ولـوْ شاءَ ربُّـكَ 
لآمـنَ مَـنْ في الأرضِ كلُّهـمْ جميعـاً أفأنتَ تُكـرهُ النّاسَ حتى يكونـوا مؤمنين ) الآية 99 يونس ، لذلك حـدّد 
الباري مهمّـة الـرّسول الكـريم بالتّبشيـرِ والتّـذكيـر ، قال تعالى ( فـذكّـرْ إنّمـا أنتَ مـذكّـرٌ # لسـتَ عليهـمْ 
بمسيطـرٍ ) 21 و22 الغاشية ، فمَـنْ آمن بعد ذلك فلنفسه ومن كفـر فعليهـا وما الله بظلاّمٍ للعبيد ، قال تعالى :
( وقـلِ الحـقُّ مـنْ ربِّكـمْ فمَـنْ شـاءَ فلْيؤمـن ومَـن شـاءَ فلْيكفـرْ ) الكهف 29 ، لأنّ مـآل النّـاس اليـه تعـالى 
وسيحكم بينهم فيما اختلفوا فيه ، قال تعالى ( اللهُ يحكـمُ بينكـم يـومَ القيامـةِ فيمـا كنتـم فيـهِ تختلفـونَ ) 69الحج 
وسيجزي يوم القيامة كلّ نفـسٍ بما كسبت ، قال تعالى ( إنَّ علينا إيابهمْ # ثـمّ إنّ علينا حسابَهُم ) 25و26 الغاشية
وحتى أنّ المرتـدّ يـرجع أمره يوم القيامـة الى الله تعالى فلم نجد حــدّاً في القـرآن الكـريم يُعاقَـبُ بـهِ 
المـرتدُّ في الـدنيـا رغـم اعتقـاد البعـض خلاف ذلك ، وأعتقــد أنّ هـذه ألآيـة فيها من الدلالــة ما يكفــي ،
قال تعالى ( إنّ الـذينَ آمنـوا ثمّ كفـروا ثـمّ آمنـوا ثـمّ كفـروا ثـمّ ازدادوا كفـراً لم يكـنِ اللهُ ليغفـرَ لهـم ولا 
ليهـديَهُـم سبيـلا ) النساء 137 .
وضمن هذا السياق نقول ، إنّه بالرغم من ( إنّ الدّينَ عنـدَ اللهِ الإسـلامُ ) 19 آل عمران ، وهو دينــه
الذي ارتضى ( اليومَ أكملـتُ لكـم دينَكـمْ وأتممـتُ عليكـم نعمتي ورضيـتُ لكـمُ الإسـلامَ دينـاً ) 3 المائدة
وأمـر النّـاس جميعـاً الى الـدخـول فيـه والتّـعـبّـد به ( يا أيّهـا الـذينَ آمنـوا ادخلـوا في السّـلـمِ كافّـةً ولا 
تتبعـوا خُطُـواتِ الشيطـانِ إنّـهُ لكـمْ عـدوٌ مبينٌ ) 208 البقرة ، ومـن عصى أمره تعالى ولم يؤمن بنبـوة 
محمـد (ص) فقـد خسـر خسـرانـاً كبيـراً وما لـه في الآخـرة من ناصـرين ، ( ومَـنْ يبتـغِ غيـرَ الإسـلامِ 
دينــاً فلـنْ يُقبَــلَ منـهُ وهــوَ في الآخـرةِ منَ الخاسـرين ) 85 آل عمران . وبنــاءً على ذلك فقــد تعـامــل 
الرسول الكريم (ص) مع أهل الكتاب بالحسنى وتـرك لهم حـرية المعتقـد ، فمنهم من بقي على دينه وعاش 
بأمـنٍ وسـلامٍ ومـودةٍ مـع الذين آمنـوا بنبـوة محمدٍ ، ( ولَتَجِـدَنَّ أقـربهـم مـودةً للـذينَ آمنـوا الـذينَ قالـوا 
إنّـا نصـارى ذلكَ بأنّ منهـم قسّيسينَ ورُهبانـاً وأنّهـم لا يستكبـرون ) 82 المائدة ، ومنهم من استجاب لأمره 
تعالى واتخذ من الأسلام دينـا ، فكان لهـم مـا للمسلمين ، وعليهم مـا عليهم . وأمّـا من تآمرعلى الإسـلام 
وكان عينـاً وعونـاً لأعداءه فالـردّ : ( قاتلـوا الـذينَ لا يُؤمنـونَ باللهِ ولا باليـومِ الآخِـرِ ولا يُحـرّمـونَ مـا 
حـرّمَ اللهُ ورسـولُـهُ ولا يَـدينـونَ دينَ الحـقِّ منَ الـذينَ أُتـوا الكتـابَ حتّى يُعطـوا الجـزيـةَ عـنْ يـدٍ وهـمْ 
صاغـرون ) 29 التوبة . وهذا حـقٌّ كفلتـه السمـاء للمسلمين لحماية أنفسهـم ودينـهم ممّـن يـريـدون الشّـرّ 
بـهم والنيل منـهم ، لا لشيءٍ إلاّ حسداً من عنـد أنفسهم وانتصاراً لمصالحهـم .
2 / تـحــريــمُ الـتّـكـفـيــــر : 
قال رسول الله (ص) : { لا تعودوا بعـدي كفّـاراً يضـربُ بعضكـم رقاب بعض } ، وكأنّه يـرى 
المستقبـل مـن وراء حجـاب ، ولا غـرابة في ذلك ، ( عالِمُ الغيبِ فـلا يُظهِـرُ على غيبِـهِ أحـداً # إلاّ 
مَـنِ ارتضى مـن رسـولٍ ) 26 و27 الجن . والمهـم في الأمـر أنّ ما كان يخشـاه الرسول الكريم (ص) 
قـد وقــع وبأبشـعِ صـورهِ وعلى أيـدي الجهــلاء ممّـن يدّعــون الإسـلام زوراً وبهتـانـاً ويظنّــون أنهـم 
يُحسنــون صنعـاً . حيث اعتقد هؤلاء ، إنّهـم يُعيـدون للإسلام صـورتـه الحقيقيّــة كمـا كان في عهــد 
رســول الله (ص) .
وبسبب هذا الاعتقاد الخاطيء تمسّك علماءُ الفتنة { بآية السيف } ( فإذا انسلخَ الأشهُـرُ الحُـرُمُ فاقتلـوا 
المشـركينَ حيثُ وجـدتمـوهـم وخذوهـم واحصـروهـم واقعـدوا لهـم كلّ مـرصـدٍ فإنْ تابـوا وأقامـوا الصّـلاةَ 
وآتَـوُا الـزّكاةَ فخلّـوا سبيلَهـم إنّ اللهَ غفـورٌ رحيـمٌ ) وهي الآية الخامسة من سورة التوبة واعتبروها هي 
الآية الحاكمة لأنّها ناسخةٌ لغيـرهـا من آيات الكتاب الكريم رغم اختلافهم في عدد المنسوخ بها من الآيات . 
كما اتخذوا ممّـا نُسِـبَ الى رسولنا (ص) { جئتكـم بالـذّبـح } وغيره من النّصوص المتهمة والشـاذة أصلاً 
عنوانـأً لأعمالهـم الإجراميـة ، والرسول أعـفّ وأسمى ممّـا يُنسَبُ اليـه ، قال تعالى ( ومـا أرسلنـاكَ إلاّ 
رحمـةً للعالمين ) 107 الأنبياء . وما نعـرفه أنّ القـرآن الكـريم كدستورٍ للمسلمين لا يجوّز الإعتداء إلاّ بعد 
أن يُعتَدَى عليهـم وهو مـا يُسمى بجهـاد الـدّفـع ( وقاتلـوا في سبيـلِ اللهِ الـذينَ يُقاتلوكـم ولا تعتـدوا إنّ اللهَ 
لا يُحـبُّ المعتـدين ) 190 البقرة . كما كان للمسجد الحرام والأشهر الحرم قدسيتها لدى المسلمين فلا يجوز 
القتال فيها ، إلاّ أن يفرض عليهـم ( واقتلوهـم حيثُ ثقفتموهـم وأخـرجوهـم من حيثُ أخـرجوكـم والفتنـةُ 
أشـدُّ منَ القتـلِ ولا تقاتلـوهـم عنـدَ المسجـدِ الحـرامِ حتّى يُقاتلوكـم فيهِ فإنْ قاتلوكـم فاقتلوهـم كذلك جـزاءُ 
الكافـرين ) 191 البقرة . وقال تعالى أيضاً ( الشهـرُ الحـرامُ بالشهـرِ الحـرامِ والحُـرُماتُ قصـاصٌ ) .
وباختصارٍ شديـدٍ نقول انّ آية السيف لـو كانت هي الحاكمة ، كما يدّعي علماء الفتنةِ والتطـرف 
بحجـة أنّهـا ناسخــةٌ لغيـرهـا ، لكان أولــى بالرسـول الكريـم (ص) العمـل بهـا خاصـةً بعـد دخولــه 
الى مكـة ظافـراً منتصـراً ، وفي مكة من أعـداء الأمس ما فيها ، ممّـن نـال على أيديهـم أشـــدّ ألـــوان 
العذاب هـو ومَـنْ اتبعـهُ من المؤمنين ، فقُتِـلَ منهـم مَـنْ قُتِـلَ ، وعُــذِّبَ مَـنْ عُــذِّبَ ، ثمّ هاجروا مرغمين 
الى مأمنهـم من الأرض ، حتى فتـح الله لهـم بعد ذلك ودخلوا مكة وهـم الأعلـون . وحينهـا ذهبت الظنّـون 
بأهـل مكة مذاهـب شـتّى ، أيسـرُهـا أن تُقَطّـع الـرؤوسُ وتطيـح الأيـدي وتهتـك الحـرمات ولكن ( ولا 
تستوي الحسنةُ ولا السيئـةُ ادفـعْ بالّتي هي أحسـنُ فإذا الذي بينـكَ وبينـهُ عـداوةٌ كأنّـهُ وليٌّ حميـمٌ ) 34فصلت 
وهنـا تجلّـت أخــلاق محمـدٍ (ص) بأبهـى صـورةٍ وأروعهـا إنسانيـة ، في وقـتٍ كان أهـل مكـة في حالٍ 
لا يُحسدون عليـه ، خائفيـن مذعوريـن كأنّ على رؤوسهم الطيـر . قال { مـا تظنّـون أنّـي فاعـلٌ بكـم } ؟ 
قالـوا : خيـــراً أخٌ كريـمٌ وابـنُ أخٍ كـريـم . فقـال (ص) : { أقـول لكـم كمـا قـال أخـي يوسـف لإخوتـه : لا 
تثـريـب عليكـم اليــوم يغفـر الله لكـم . اذهبـوا فأنتـم الطّـلقــاء } . فأين هـذا الفعـل الإنساني الكبيـر من 
{ جئتكــم بالذّبــح } ؟
فبعـد هذه اللوحـة المشـرقة بكـلّ مـا تحملـه من مـروءةٍ ومعانٍ إنسانيـةٍ ساميـةٍ ، إليـك اللوحة الثانية
التي لا تقـلّ مـروءةً وإشـراقـاً عـن سابقتهـا ، فحين أُوقِـفَ عبـد الـرحمن بن ملجم مكتوفـاً أمـام علي بن
أبي طالـب (ع) ، وظـنّ مَـنْ ظـنّ أنّ علياً (ع) سيأمـر باعـدام الـرجـل مندفعـا بلحظـات الضغـط التي
كان يمـر بهـا ، لاسيمـا وأنّ الجميع أيقـنوا يقينـاً كاملاً أنّ ضـربـة ابن ملجـم ستكلف عليـاً حياتـه . وهنا
توقف الـزمن منبهـراً أمام عظمة هذا الـرجل الذي مـلأ الدنيـا وشغـل الناس بصبـره وحلمه وإنسانيته ،
حينما انساب القـرآن وسنّـة نبيّـنـا الكـريم على لسان بن أبي طالب كمـا ينساب المـاء الـزلال في فــم 
الظمـآن ، { بُنَـي حسـن : رفقـاً بأسيـركـم أطعمـوه ممّـا تأكلـون واسقـوه ممّـا تشـربون ، فإن أنا شفيـتُ 
فأنـا أولى بدمـي ، وإن أنـا مـتّ فضـربـةٌ بضـربـة ، وإيّـاكــم أن تمثلـوا بالـرّجل فإنّـي سمعتُ رسولَ الله 
يقول : إيّـاكــم والمثلـةُ حتى ولو كان بالكلب العقـور } . 
 
* * *
الفصــل الثـالــــث
 
لا يختلف إثـنــان ، انّ الأنبيـاء والحكمـاء وأصحـاب العقـول الفــذّة كانـوا في العـادة مـا يخاطبـون
العقـل الأعلى للأنسـان ، على اعتبـار أنّ للأنسـان ثلاثـة عقول ، عقـلٌ أعلى وعقـلٌ أوسط وعقـلٌ أسفـل .
فهم يسعون الى ايقاظ العقل الأعلى واستنهاضه حتى يؤدي وظيفته القيادية في قيادة العقلين الأوسط والأسفل
وبالتالي يتمكن من تـرويضهما وكبح جماحهمـا لأنّهمـا يمثـلان مـركـز الإنفجارات العاطفيـة ، التي لـو تُرِكَتْ
على حالها لهلك الحرث والنّسـل ولأُثقِلـت الأمّـة بمـا لا تُطيق من الأمـر . ولهذا نجـح الرسول الكريم (ص) 
نجاحـاً كبيـراً في إيقـاظِ العقـلِ الأعلى وتمكـنَ من تنظيـف وتهذيـب الفـرد من جاهليتـه وتحويل ولاءه من 
قبيلته الى الولاء للإسلام . وقد سارت الخلافة الـراشدة على هـديِّ الرسول الكـريم وتمكنـوا من بناء قاعـدةٍ 
رصينةٍ من الولاء للأمّـة الإسلاميــة ، حيث تحـوّل هذا الولاء الى طاقـةٍ ماديّـةٍ هائلـةٍ عبّـرت عـن نفسهـا 
بحركـة الفتوحـات التي اتجهت شرقـاً وغـربـاً حيث تمكن المسلمون من تحطيم امبـراطوريّـة بلاد فارس ، 
وهي العقبـة الكأداء التي كانت أمامهـم ، وبعدهـا انطلقـوا شـرقاً وغـربـاً .
ولكن بعـدمـا آلت الأمـور الى بني أميّـة وبني العباس من بعدهـم ، جعلـوا الشورى وراء ظهورهـم 
واصبح الحكم الوراثي هــو السّمـة السّائــدة ، حيث تـمّ الإعتمـاد على نظـريـة التّفويض الألاهـي ، أي أنّ 
الخليفـة هو ظلّ الله في الأرض وطاعتـهُ واجبـةٌ على كلّ مسـلمٍ ومسـلمةٍ ، حتى ولـو جـار وعطّـل الحـدود 
وحكـم بالهوى . وهكـذا أصبحت الخلافـة ملكاً عضوضـاً لبني أمية وبني العباس دون سائرالنّاس . وأصبح 
بيـت مـال المسلمين ، بيـت مالٍ للأموييـن والعباسييـن ومن ســار في ركابهـم ، بينمـا حُــرِمَ غيـرهــم من 
المستضعفين من حقهـم الطبيعي في خيرات بلادهـم .
وكما هـو معـروف فأنّ اكثـر المعارضيـن لبني أميّـة وبني العبـاس راح ضحيّــةً لسياسـة الخلافــة 
القائمـة على قاعـدة { مَـنْ قـال لنـا بـرأسـه هكـذا ، قلنـا لـه بأسيافنـا هكـذا } . فقُتِـلَ من قُتِـلَ منهـم ، وفـرّ 
الآخـرون الى مامنهـم من الأرض بعيـداً عن عيـون الخليفة ورجاله . وبالتأكيـد فإنّ هذه الأسباب وغيـرهـا 
أدت الى ردود فعـلٍ عنيفـةٍ عبـّرت عـن نفسهـا بثوراتٍ موضعيةٍ هنا وهناك . منها ما بـدأت وسطيّـةً ثـمّ 
انحدرت نحو التطرف ، كثـورة القـرامطـة مثـلاً . ومنهـا ما حافـظت على وسطيّتهـا واعتدالهـا ، كثورة 
الطّـفّ المباركـة .
 
1 / ثـورة القـرامطــة : 
بعـد أن تهيـأت الظّـروفُ الموضوعيةُ في النّصف الثّـاني من القـرن الثّالث الهجـري في العـراق
وجـدت الـدّعـوة القـرمطيـة قبـولاً كبيـراً بين العمال وصغار الفلاحين وأصحاب الحـرف ، خاصةً بعد
احتدام التّناقضات الاجتماعية فقد ازداد الأغنياء ثـراءً والفقـراء فاقةً ، وبلغ السخط مداه بين المستضعفين
فلم يجدوا بـداً من النّهوض من أجل تحقيق حالةٍ من العدل الاجتماعي . خاصةً وانّ الإقطـاع أصبـح هـو 
السّمة التي طبعت الاقتصاد العباسي في هذه الفترة . كما أنّ انعـدام الحـريات ومـلاحقة المعارضين 
وتعـريضهم الى القتـل والتّشـريـد قـد وصلت حـدّاً فـاق مـا فعلـه أقـرانهـم من بني أميّـة :
واللـــهِ مـا فعلـتْ أميّــةُ فيهــمُ ...... معشـارَ مـا فعلـتْ بنـي العبّـاسِ
والتزاماً منّـا بالعدل والإنصاف نقول ، أنّ القـرامطة استطاعـوا من بنـاء دولةٍ سادهـا الأمن والعـدل
وأصبحت محـطّ أنظار الآخرين من جيـرانهـم ، لأنّهـم اعتمدوا على بـرامج متطـورةٍ في مجـال السياسة
والإقتصاد وبناء المجتمع متأثرين بنظرية افلاطون . وبهـذا الخصـوص ذكـر الدكتـور محمـود اسماعيـل
في كتابـه ( الحـركات السرية في الإسلام ) { لذلك يمكن القول بأنّ القرامطة تأثـروا الى حــدٍّ بعيــدٍ بآراء
افلاطـون حين أقامـوا تجـربتهـم الإشتـراكيـة في العـراق والبحـرين بعـد تكييفهـا مع الواقـع الإجتماعي } .
وممّـا يؤكد نجاح القرامطة في تجربتهم ، نذكر بعضاً ممّـا قاله المؤرخ الفارسي ناصر خسرو في كتابه
( سفـر نامـه ) حيث زار هذه الدولة ومكث فيها عـدة شهور { إنّ زعيمهـم أبا سعيـد أوصى خلفـاءه واتباعه
أن يعامـلوا الشعب بالعـدل والشـرف } ، وقال في محـلٍ آخـر { إنّهـم لا يشـربون الخمـر لا لأنّـه كان محرماً
عندهـم بـل محافظـةً على النّظـام } ، وقال أيضـاً { إنّ الـزّنـا لم يكن معـروفـاً أو شائعـاً عند القـرامطة ، بل
لم يكـن شائعـاً عندهـم ، على الأرجح ، تعـدد الـزّوجـات } . بل انّهـم نجحـوا نجاحـاً كبيـراً في بنـاء اقتصادٍ
حـقق حالـةً من العـدل الاجتماعي الذي كان ينشـده الناس ، الأمـر الذي جعـل المجتمـع أكثـر تماسكـاً وأكثـر
أمنـاً واستقـراراً ، ممّـا جعل هذه الدولـة عصيـةً على بني العباس لسنواتٍ طويلـةٍ ، رغم الحملات العسكـرية 
المتواصلـة . إلاّ أن نجـاح القـرامطة في تجـربتهـم هذه لم يعطهـم حصانـةً من الوقوع في التّطـرف ، خاصةً 
بعـدما آلـت الأمـور ، في سنواتهـا الأخيـرة ، الى زعماء وقعـوا في مستنقـع التّطـرف ، حيث ذكـر البغـدادي 
في كتابـه ( الفَــرْقُ بين الفِــرَق ) { أنّهـم يُنكـرون الـرسـل والشـرائع كلهـا } . وهــذا واضـح فـي سلــوك 
زعيمهـم أبـي طاهـر سليمـان الذي مـا انفـك عن مهاجمـة الكعبـة الشريفـة أيّـام الحـج وقتـلِ مـن فيهـا من 
الحجـاج . ففي سنـة 312 هـ أغـار القـرامطـة على الكعبـة فقتلــوا ثلاثة آلاف من الحجاج ما عدا الذين 
ماتوا من الجوع في الفـلاة . وفي سنة 317 هـ ذكـر المستشـرق بندلي جوزي في كتابه ( الحـركات 
الفكـرية في الإسلام ) { أنّ أبا طاهـر سليمـان وأصحابه دخلوا مكـة وأخذوا يقتلون أهاليهـا ومن كان فيهـا 
من الحجاج من رجالٍ ونساء وهم متعلقون بالكعبة ، وقتـل في سكـك مكـة وشعابهـا مـن أهـل خـراســان 
والمغاربة وغيـرهم زهـاء 30 ألف ، وسبى من النّساء والصّبيان مثل ذلك . ثمّ طلـع أبو طاهـر الى باب 
الكعبـة وقلع بابها الشّـريف وصار يقول :
أنـــا باللــــه وباللــــهِ أنــــا ..... يخلـــقُ الخـلـــقَ وأفنيهــم أنــــا 
وكان في جملة ما نهبه القـرامطة من مكة ، الحجـر الأسود حيث بقي عندهـم الى سنة 339 هـ حين ردّه
القـرامطة بأمـرٍ من المنصـور أحد خلفاء الفاطميين الذين كانت القرامطة تأتمر بأمرهم في باديء الأمـر .
وهكـذا بدأت الدولة برجالٍ أقوياء يؤمنون بالوسطية والإعتـدال ، وانتهـت برجـالٍ أنهكـوا الدولة بتطرفهم 
ممّـا أدى الى اضمحلالهـا ونهايتهــا . 
2 / ثــورةُ الطّــف : 
بعـد هذه الـرحلـة في دهاليـز التّطـرف ، كان لا بدّ لنـا من أن نحـطّ الـرّحال في واحـات الوسطيـة
لننتقـي منهـا واحـدةً من الثـّورات التي فتـح لهـا التّأريــخ أبوابـه ، وكتـب تفاصيلهــا بمـدادٍ مـن ذهــب .
ولا أعتقـد أنّ هناك ثـورة حظيت بكلّ ذلك وكانت أكثـر وضوحاً في وسطيتهـا واعتدالها من ثـورة الطّـف ،
كمـا تـدلّ على ذلك تفاصيلهـا . وابتـداءً نقـول أنّ الإمام الحسين (ع) لـم يقتحـم التأريـخ أشـراً ولا بطـراً ولا 
مفسداً ولا ظالماً ، بحيث يتقاطـع مشـروعـه مـع السّيـر الموضوعي للتّاريـخ وبالتّالي يُسحَـقُ هذا المشروعُ 
ويصبـح نسيـاً منسيّـا . بل انّ الإمام الحسين (ع) مارس تكليفه الشـرعي فاستجاب لنداء ربّـِهِ : ( وما لكم 
لا تقاتلـون في سبيـلِ اللهِ والمستضعفينَ منَ الـرجــالِ والنّسـاءِ والولــدانِ الّـذينَ يقولــونَ ربّنـا أخـرجنـا 
من هذهِ القـريـةِ الظّالـمِ أهلُهـا واجعل لنـا من لدنكَ وليّـاً واجعل لنـا من لدنكَ نصيـرا ) 75 النساء ، لذلك 
كان مـن أولويـات المشـروع الحسيني هـو إيقـاظ الناس من غفلتهـم والعـودة بهـم الى الإسلام المحمدي 
الذي لا ينسجم أصلاً مع توريث الحكم الذي اتخذه بنو أميّـة سنّـةً يعملـون بها وكأنه حقٌ لهم من السماء 
دون غيرهـم من الناس . وبعـد أن ظهرت الطّبقة الإرستقراطية وهم المقـربون من بني أميّـة ، وتنعّـم 
أصحابهـا بخيـرات الدولة ، وفَـرَضَ الجانب المادي سلطانه عليهم ، فركنـوا الى الـدّنيـا ومالوا الى طلـب 
العافيـة وابتعـدوا عن الديـن وقيمـه . كان أيضاً من أولويــات الثـورة الحسينيـة ، إعـــادة الحياة الى 
المعادلـة القـرآنيـة القائمـة على أسـاس الموازنة المنظمة والـدّقيقة بين الجانب المادي في الحياة والجانب 
القيمي الـرّوحي فيها تحقيقــاً للعدل الإلاهي ( وابتـغِ فيمـا آتاكَ اللهُ الدّارَ الآخـرةَ ولا تنسَ نصيبَكَ منَ 
الدّنيـا وأحسنْ كمـا أحسنَ اللهُ اليكَ ولا تبـغِ الفسـادَ في الأرضِ إنّ اللهَ لا يُحِـبُّ المفسدين ) 77 القصص . 
وهكـذا يظهـر لنا كلا الجانبيـن المادي والـروحي في ذراعيـن متساوييـن كأنّهـما جناحـا طائـرٍ لا يدري 
بأيّهـما يطيـر. فكلاهما مقيّــد بوجـود الآخـر، وهـذه الموازنة هي التي تجعل حـركة المجتمع تسيـر على 
قاعـدةٍ أخلاقيّـةٍ لا ظلـم فيهـا ولا جـور ، وهـذا مـا كانت تسعى اليـه الثـورة المباركـة . 
كما كان لحالة الظّلـم الذي تعرض لها النّاس بسبب تحكّـم بني أميّـة ببيت مال المسلمين والتصرف به 
على قاعـدة معاوية { المال مالنـا نعطيـه من شئنـا ونمنعـه على من شئنـا } ومـا نجـم عـن ذلك من فـوارق 
طبقيّـةٍ حـادةٍ ، أثقلـت كاهــل المستضعفيـن من النّاس . حيث سُخِّــرَ بيـت مـال المسلميـن لخدمـة الأمويين 
وأذنابهــم مـن المنافقيـن والمتزلفيـن . لذلك كان من أولويــات المشـروع الحسـيني إعـــادة بيـت مـال 
المسلمين للمسلمين ، بحيث يُوظَّـفُ بالإتجـاه الصحيـح بمـا يحـقق الصالح العـام وفقـاً للضوابـط والقواعــد 
الشـرعيـة . كمـا أنّ الإضطهـاد الذي لحـق بالمعارضـين لبني أميّـة ، وتعـريض مـن عُـرِفَ بولاءه لعلـي
بن أبي طالب (ع) الى القتــل والتّشـريــد ، بـل أنّ ســبّ علي (ع) على المنابـر أصبـــح سنّــةً أمــرَ
بهـا معاويــة . ذلك كلّـه كان مدعـاةً للنّهـوض والثّـورة . ومن الأسباب الأخرى التي عجلـت بهـا هـو 
دعـوة معاويـة ولاة الأمصـار الى أخـذ البيعـة لولـده يـزيـد . وبهذا سـنّ معاويـة سنّـةً سيئـةً بعـد أن جعـل 
الشورى خلـف ظهـره وعمـل بالتوريـث حيث لا عهـد للمسلمين بذلك . ثـمّ أنّ يـزيـد لا يملك من المؤهلات 
مـا يسمح له بقيادة الأمـة ، الأمـر الذي أحـرج أصحاب الـرأي من علماء الأمة ودفع البعض من زعماءها 
الى الاعـلان عـن رفضهـم لهـذه البيعـة ومنهـم الحسيـن بن علـي بن أبي طالب (ع) . ولهـذه الاسبـاب 
وغيـرها ، كان لا بـدّ من نهضـةٍ تضع الأمـة على أعتـاب مـرحلة جديدةٍ تعيـد النّـاس الى مـا كان عليه 
الأمـر في عهـد رسول الله (ص) ، حيث الصّفـاء الـرّوحي والنّقـاوة العقائـديـة ، بمـا يعنيه ذلك من إشاعة 
العـدل وإنصاف النّاس في دينهـم ودنياهـم . 
فبعــد أن تهيّـأت كـلّ شــروط الثـورة ، حمل الإمـام الحسين (ع) مشـروعـه النّهضـوي ، آمـراً 
بالمعـروف ناهيـاً عن المنكـر، حيث واجهه القـوم بتطـرفٍ تجـاوز جميع المقاييس الشّـرعية وليـس فيـه 
من قيـم الفـروسيـة مـا يـدلّ على قيمهـم كعـرب . إلاّ أنّ الحسين (ع) قابلهـم باعتـدالـه المعهـود الذي جعله 
عنوانـاً لنهضتـه وجـرى في مفاصـل ثورتـه كمـا يجـري الـدّمُ في العـروق . بـل أنّـه بالـغ بوعظهـم حتى 
يُتـمّ الحجـة عليهـم ، ومن شاء بعـد ذلك فليـؤمـن ومن شـاء فليكفـر . ثـمّ انّ الحسين (ع) لـم يبــغِ من وراء 
نهضته سلطاناً ولا بناء مجـدٍ شخصيٍّ ، ولم يتهالـك في جمع الإنصار فيعـدهـم ويمنّيهـم بالمال أو الإمارة
كما يفعـل غيـره من طـلاّب السلطـة . وقـد تجلى اعتـدالــه وفـاضـت إنسانيتـه عنـدمـا عـرف أنّ القــوم 
يطلبـونـه لا يطلبـون غيـره ، وأنّ دمـه لوحـده كفيـلٌ بتحقيـق الأهــداف الساميـة لنهضتــه ، عــزّ عليـه
أن يُقتَـلَ اصحابـه فاجتمـع بهـم ليلـةَ العاشـر من محـرم خاطبـاً فيهـم { أنتــم في حـلٍّ من بيعتـي وهــذا
الليـل قـد غشيكـم فاتّخـذوه جمـلا } ، وطلـب منهـم أن يذهبـوا الى مأمنهـم من الأرض . فجـاءه الجـواب 
بليغــاً مـن رجـالٍ صـدقـوا مـا عاهـدوا الله عليـه { والله لـو كانـت لنـا الدنيـا باقيـة وكنّـا مخلــدين فيهـا
لآثـرنـا النّهــوض معـك على البقــاء فيهــا } ، فـأبــوا إلاّ أن يشـاركـوه بـدماءهـم وأن يستشهـدوا بيـن 
يـديــه ، فكان لهم ما أرادوا . وفـازوا والله فـوزاً عظيمـاً ونـزلـوا منـزل صـدقٍ عنـد مليـكٍ مقتـدر . 
وهكـذا مـنَّ اللهُ علـى الحسين واصحابـه بالخلـود الأبـدي ، فأصبحـوا مـدرسـةً ينهـل من سلسبيلهـا العـذب 
طـلاّب الحـريـة والساعـون الى المجـد . ( ونُـريـدُ أن نمـنَّ على الّذينَ استُضعِفـوا في الأرضِ ونجعلهـم 
أئمّـةً ونجعلهـمُ الوارثين ) 5 القصص ، فتـلك سنّـة الله في خلقـه ( ولـنْ تجـدَ لسنّـةِ اللهِ تبـديـلاً ) الفتح 23
 
* * *
الـخــاتـمــــــــة :
ممّـا لا شكّ فيـه أنّ التطـرف كظاهـرةٍ ، يتعـارض مـع السّيـر الموضوعـي للتّاريـخ وانّ عجلـة التّاريخ
كفيلـةٌ بسحقـه لأنّـه يتقاطـع مـع إرادة وقيـم السّـماء ، ويتقاطـع أيضـاً مـع فطـرة الإنسـان الذي يعتبـر 
نفسـه جـزءً مـن كـلٍّ اسمـهُ الجماعـة ، فلا يستطيع أن يعيش خارجهـا لأنّـه جـزءٌ منهـا ، ولا الجماعــة 
لهــا القــدرة على البقــاء بدون أجـزاءهـا المكونـة لهـا . لذلك تعاقــد الجميـع على العيـش بأمـنٍ وسـلامٍ 
لأنّ ذلك هـو أساس ديمومـة الحياة واستمـرارهـا ، وتحقيقـاً لهـذا الهـدف السامي ، ومـن أجـلِ أن يحيـا 
المسلمـون وغيـر المسلمين حيـاةً كـريمـةً لا يُظلَـمُ فيهـا أحـدٌ فـلابـدّ مـن :
1 / أن نعـود الى القـرآن الكـريم عـودةً صادقـةً وأن نـدور في فلكـه ، وأن نتعامـل مـع آياتـه وفقـاً لسياقاتهـا
الطبيعـة والظـروف التي نـزلت بهـا . وأن نتعامـل مـع السّنّـة الصّحيحـة التي تحظـى بالإجمــاع .
2 / أن لا نبقى أسـرى التّـراث المتخـم بالخطايـا والسّقطـات ، وأن لا نجعـل منـه صنمـاً نطـوف حولـه كأنّه
اليقيـن الذي لا يأتيـه الباطـل . 
3 / أن يكـون للأزهـر الشـريف والمؤسسات الدينية الأخـرى دوراً رياديـاً وحضوراً فاعــلاً ، وأن لا تُتـرَك
السّاحـة الـدّينيـة لرجـال الدّين المتطفلـين والمجنّـدين من قبـل هذا الطّـرف او ذاك .
4 / العمـل الجـاد على تجفيـف منابـع الإرهـاب من حيث التّمويـل والتّجنيـد ، ومن حيث الدّعـم الفكـري 
والإعلامي . والعمـل أيضـاً على تنظيف المناهـج المـدرسيـة التي تثيـرُ الكـراهيـة بين المذاهـب ، والتي
تدعـو الى تكفيـر الآخـر وجواز قتلـه .
5 / السّعي الى بنـاء دولـةٍ مدنيـةٍ على أسسٍ من الدّيمقـراطيـة الحقـة مع التّـداول السّـلمـي للسلطـة ، بحيث 
يعيـش فيهـا النّاس بأمـنٍ وسـلامٍ . فالوطـن يستوعب الجميع على اختلاف مشاربهم ومضاربهم ، وهـو 
العنـوان الجامـع والمانـع من الفـرقـة والتشـرذم .
ومن الله التوفيـق . 
علي محمد عباس

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي محمد عباس
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/10/21



كتابة تعليق لموضوع : الإعـتـدالُ والتّطـرّفُ في المنظـورالإسـلامي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net