الدينيات المتطرفة ... أشد خطورة من الاباحيات
راسم المرواني
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
راسم المرواني
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
مما لا تنتطح فيه عنزان ، إن وشائل النشر المرئية - كالفضائيات والمواقع الانترنيتية والمطبوعات - (الاباحية) الـ (Porno) تشكل خطراً على الأفراد وسلوكهم ، ولكنها ، وبموجب التزاحم و (المساوءة) ، فإنها تعتبر أقل وأخف وطأة وخطورة على المجتمعات من وسائل النشر(الدينية) المسيسة والمتطرفة والتكفيرية ، بأشكالها المتعددة كالمرئية أو المسموعة أو المقروءة - وسواء كانت مسيحية أو يهودية أو شيعية أو سنية أو بوذية أو غيرها .
والمقارنة هنا ليست من باب (المفاضلة) ، وإنما من باب (المساوءة) ، لأن المقصود من هذه المقارنة ليس إثبات (أفضلية) الإباحيات على (الدينيات) المتطرفة والمسيسة ، وإنما هي من باب إثبات أن وسائل الاعلام الدينية المتطرفة والمسيسة هي (أسوأ) من الاباحيات ، إذ المقارنة تدور بين (السئ والأسوأ) ، وليس بين (الفاضل والمفضول) ، وهذا قريب من خطأ شائع يقع فيه البعض حين يفاضل بين (السلطة الديكتاتورية السابقة) والسلطة (الحالية) في العراق ، حيث المفترض أن هناك (سئ وأسوأ) وليس (فاضل وأفضل) أو (جيد وأجود) .
وهذا كله استباقٌ للفهم المتوقع من قبل (البعض) ، والذي سيتحفنا بمقولة أن (كاتب المقال يفضل الاباحة على الدين) أو أن (كاتب المقال يبرر لوجود الاباحيات في المجتمع) .
إن المقارنة بين خطورة الاباحيات ، وخطورة الدينيات المتطرفة تقودنا إلى مجموعة من النقاط المهمة التي من خلالها يمكن أن نبرر لعنوان المقالة أعلاه ، والتي يمكن حصر (أهمها) في ما يلي :-
1/ إن الغريزة الجنسية ولدت مع الانسان كغريزة (مغطاة) ومخفية وتميل نحو (السرية) ، ولذا ، فإن مشاهدة (الاباحيات) غالباً ما تكون فردية وشخصية ، و (سرية) ، وخلف الأبواب المغلقة ، خصوصاً في المجتمعات الشرقية والاسلامية ، وغالباً ما يحرص (المشاهد) على حماية نفسه من إمكانية وجود من يراه ويسمعه أو يتلصص عليه حين يشاهد هذه الاباحيات ، بيد أن مشاهدة (الدينيات) عموماً تعتبر مشاعة ومحببة أو طبيعية أو مفضلة لدى الأفراد ، ومن هنا فوسائل الاعلام الدينية تمتلك القدرة الأكبر على الانتشار .
2/ إن رب الأسرة أو المتسلط عليها أو الأخ الأكبر - وإن كان ممن يشاهد الاباحيات - فهو ينتفض ويمنع ويحاسب ويعاقب أي فرد من أفراد الأسرة حين يجد بأنه يتابع هذه الاباحيات ، بيد أن الكثير من أرباب العوائل والأسر يدفعون أسرهم - بصرف النظر عن فئاتهم العمرية - على مشاهدة القنوات والمواقع الدينية ، وبالتالي ، فهذه الدينيات ضامنة لدخولها إلى البيوت بشكل انسيابي وطبيعي .
3/ إن الاباحيات تتعامل مع (غرائز) الانسان ، وهذه الغرائز تتفاوت قوتها وشدتها حسب إختلاف الأعمار وإمكانية السيطرة عليها ، ولها روادعها الدينية والبيئية والأسرية ، بيد أن الدينيات تتعامل مع علاقة الانسان بالقوة الخفية التي يشعر بقدسيتها وأهميتها في تحديد حياته وآخرته ، وبالتالي فالدينيات تكتسب أهمية كبيرة في نفسية الانسان ، أكثر مما تكتسبه الاباحيات في حياة الانسان ، وهذا يمنحها التأصيل في المعتقدات والفكر .
4/ إن الاباحيات على خطورتها قد لا تتعدى إصابة الانسان بأمراض نفسية تتعلق باضعاف غريزته الجنسية ، أو تقويتها لتكون دافعاً للتلصص أو التحرش الجنسي ، أو ربما كانت سبباً لزيادة ثقافته الجنسية ، بيد أن (الدينيات) يمكن أن تحدد سلوك الانسان وتعامله مع الآخر ، وبالتالي في تشكل جزءاً من سلوك الانسان .
5/ إن الاباحيات غالباً ما تكون وسيلة (إفراغ) في لحظات هياج الرغبة الجنسية ، بيد أن (الدينيات) هي عكس ذلك ، حيث تكون دائماً وسيلة (إملاء وامتلاء) ، ولذلك ، فالدينيات تمتلك القدرة على توجيه و (قيادة) الانسان وتحديد سلوكه ، وبسبب قدسية محتواها فمخالفتها يعتبر خرقاً للقيم والمبادئ والمتبنيات .
مما ورد في النقاط السابقة يمكن أن نفهم تأثير وسائل الاعلام والنشر الدينية على حياة الانسان ، وبالتالي ، فحين تتحول هذه الوسائل إلى أدوات لنشر التكفير والتطرف والشحن الطائفي ، فيمكن أن تتحول إلى أسلحة دمار شامل داخل المجتمع ، ويمكن من خلالها إيجاد أفراد ومجتمعات تمتلك الشهوة والقدرة والقابلية والاستعداد على تغييب ومصادرة وقمع وقتل الآخر ، وحتى (الانتحار) بحزام ناسف ، تحت غطاء مقدس ، يصبح فيه القاتل المجرم (مؤمناً) تقياً يستحق تناول وجبة (طعام) مجانية ، مع أحد الأنبياء في عليين .
العراق - عاصمة العالم المحتلة
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat