صفحة الكاتب : د . عبد الخالق حسين

فوز ماكرون انتصار للاعتدال والوسطية والعقلانية
د . عبد الخالق حسين

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

هناك صراع مجتمعي حاد في الشعوب الغربية (الأوربية وأمريكا الشمالية)، وذلك بسبب التطور السريع في مختلف المجالات، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية. وهذه بدورها من ثمار التطور المذهل في العلوم والتكنولوجية، وخاصة في وسائل الإتصال (IT)، والمواصلات (النقل السريع)، والعولمة، وتنشيط السياحة، والاختلاط والتقارب بين الشعوب، وتكوين اتحادات اقتصادية وسياسية. 

وإلى جانب النتائج الإيجابية المذكورة أعلاه لهذه التطورات، فهناك نتائج سلبية أيضاً، منها: الهجرات المليونية من العالم الثالث إلى العالم الأول، والتطرف في الإسلام السياسي، وما جلب من إرهاب يهدد الحضارة البشرية، والخوف على الهوية القومية، وفقدان السيادة الوطنية، وضياع الثقافة والأعراف والتقاليد المتوارثة من الأجداد. 

 

هذه السلبيات والمخاوف أدت إلى ردود أفعال عنيفة وعلى رأسها صعود مد اليمين القومي في الغرب، والذي من نتائجه، التصويت للخروج من الوحدة الأوربية في الاستفتاء البريطاني، و فوز ترامب في أمريكا، وهجومه على العولمة، وبرنامجه ضد الهجرة، ورفعه شعار (أمريكا أولاً)..الخ. وهذه المشاعر دفعت إلى تصعيد حصة التصويت في الانتخابات البرلمانية والرئاسية لمرشحي الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوربا، مثل حزب الجبهة الوطنية في فرنسا بزعامة مارين لوبان، وحزب الحرية في النمسا، وحزب الحرية في هولندا، وأحزاب يمينية متطرفة أخرى في إيطاليا وألمانيا وغيرها، إلا إن المفرح أن صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة لم يصل بعد إلى حد وصولها للسلطة، ولا أعتقد أنها ستحقق هذه الغاية. وهذا دليل على أن معدل العقل الجمعي للشعوب الأوربية قد بلغ حداً من النضج بحيث لم يسمح لفوز أي تطرف بالسلطة، يميني أو يساري، وفوز إيمانويل ماكرون، مرشح الوسط هو أفضل دليل على ما نقول. 

 

وهذا لا يعني أن خطر صعود اليمين قد توقف، بل مازال في صعود، وخاصة في فرنسا. فقد تضاعفت نسبة الأصوات لزعيمة حزب الجبهة الوطنية، مارين لوبان في الانتخابات الرئاسية الأخيرة حيث بلغت نحو 22% النسبة في الجولة الأولى و 33.9% في الحولة الثانية، وهذه ضعف ما حصل عليه والدها جان ماري لوبان (18 بالمئة) في عام 2010. كذلك لم يصوت للسيد إيمانويل ماكرون في الجولة الأولى أكثر من 25%، بينما صوت له في الجولة الثانية 66.1%، وهذا يعني أن 41% من الذين صوتوا له في الجولة الثانية كان بدافع كرههم لليمين المتطرف وليس لبرنامجه الانتخابي. ومع ذلك هذا دليل على انتصار العقلانية على التطرف.

 

وقد أقر ماكرون، الذي فاز بثلثي الأصوات الصحيحة للناخبين، بأن المهمة التي تواجهه شاقة، وأنه يتفهم مشاعر الفرنسيين الذين صوتوا لليمين المتطرف، وسيبذل قصارى جهوده لمعالجة المشكلة كي لا تتكرر هذه الحالة مستقبلاً.

 

وفي مقابلة إذاعية لراديو في الشرق الأوسط، سألني محاوري أن البعض يعتقد أن صغر سن الرئيس المنتخب، وكونه حديث العهد في السياسة، ومن خارجة المؤسسة الحاكمة، هي صفات سلبية ضده. فأجبته بأن هذه الصفات هي ليست سلبية، بل إيجابية وفي صالحه. أولاً، أن الرجل ليس حديث العهد بالسياسة إذ كان وزيراً للاقتصاد في حكومة فرانسوا هولاند، كوزير مستقل، وهو ذو خبرة في الاقتصاد، أما كون عمره (39 سنة) فهو في صالحه أيضاً حيث في أوج نشاطه الحيوي و العقلي والفكري، وأقرب إلى الشباب والتحسس بمشاكلهم المعيشية، إضافة إلى كونه مع الوحدة الأوربية وإصلاحها وليس ضدها. 

والشباب الفرنسي متجاوب معه، ومع الحركة السياسية الوسطية المستقلة التي أسسها حديثا، (إلى الأمام)، وأنه يسعى الآن لتحويل الزخم السياسي الذي تتمتع به الحركة إلى مقاعد في البرلمان (الجمعية الوطنية)، تساعده في تحقيق أجندته التشريعية. فالانتخابات التشريعية القادمة على الأبواب يومي 11 و18 حزيران/يونيو القادم. وعلى الأغلب سيحقق فوزاً بنسبة مريحة تساعده على تحقيق برنامجه الإصلاحي.

خلاصة القول، مهما بلغ ضجيج التطرف، يميناً ويساراً، فالعقل الجمعي الأوربي مع الاعتدال والوسطية، والزمن في صالحه. فالشباب هم مع العولمة والتقدمية، والوحدة الأوربية، والتقارب بين الشعوب، وهذا ما ظهر في الاستفتاء البريطاني في شهر حزيران 2016، حيث أظهر تحليل النسب العمرية للمصوتين أن الشباب تقدميون، ومع البقاء في الوحدة الأوربية. و أتوقع أن تكون نفس النسبة هي في أوربا ضد الفاشية، والعزل وغيرها من المشاعر والمواقف الشوفينية. ولكل هذه الأسباب، أرى أن فوز ماكرون هو انتصار للإعتدال والوسطية والعقلانية. فالمستقبل للتقدم والتقارب بين الشعوب، وليس للفاشية بشتى أشكالها، العنصرية والدينية.

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com  

http://www.abdulkhaliqhussein.nl/ 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . عبد الخالق حسين
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/05/11



كتابة تعليق لموضوع : فوز ماكرون انتصار للاعتدال والوسطية والعقلانية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net