صفحة الكاتب : د . صادق السامرائي

"فأكله الذئب"!!
د . صادق السامرائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

"قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما أنت بمؤمنٍ لنا ولو كنا صادقين " 12:17

تعبير سلوكي بشري غائر في القِدم ومنغرس بجوهر الظلمات النفسية , المحشوة بالمطمورات الوحشية والرعبات والنوازع السيئة.

إنه الكذب بما تجمّع حوله من آليات ومعتقدات وتصورات وتطلعات , ودوافع ومحفزات تعزز تكراره وتمجد دوره في أروقة الحياة.

والكذب في جوهره وسيلة دفاعية أولية مضى على نهجها البشر منذ أن صار قادرا على التفاعل مع غيره من البشر , فترسخ السلوك وتطور وإنغرس في نويّات خلاياه , وأصبح من الموروثات الفاعلة والمؤثرة في صناعة وصياغة خارطة سلوكه.

ولا يمكن الجزم بوجود بشر لم يمارس الكذب , ويمكن الجزم بأن البعض من البشر قد برع بالكذب وأوهم الأجيال بأكاذيبه وآليات تسويقها , وترسيخها في أذهان الناس الذين أخذوا يتوارثونها ويقدسونها ويؤسرون بها.

والمسيرة البشرية على مر العصور تُظهر أن الكذب هو السيد والسلطان , والبضاعة الأكثر رواجا وربحا وقدرة على الإستحواذ على مصير الناس.

وفي الزمن المعاصر بتوفر وسائل الإتصال والتفاعل السريع , فأن الكذب تحول إلى إمبراطورية فتاكة وقوة ساطية على الآخرين , بترويعهم وتدمير وجودهم وما عندهم من القدرات والطاقات والثروات , ومضت وسائل الكذب بالتطور والتنامي والإنتشار حتى غاب الصدق , وأصبح مستضعفا محجورا في زوايا العزلة والشك والنكران.

ويبدو أن الطبيعة البشرية راغبة بالكذب ورافضة للصدق , ولهذا تنامت أسواق الكذب وإنحسرت أسواق الصدق , وصار الكذب رائجا والصدق خارجا , وتعممت وتلحّت الأكاذيب , وتمرّست بالنفاق والخداع والتضليل والتمرير والتغرير والتجهيل , وإستعباد المغفلين وأخذهم إلى ميادين أنين.

والأهمية التي تبرز بكذبة "أكله الذئب" , أنها موجهة لنبي من قبل أولاده , الذين غدروا بأخيهم المحبب لأبيهم وأنه من زوجة غير أمهم , مما يعني أن الكذب سلوك مطلق لا يُعفى منه أتقى واصدق البشر , مهما بلغ من درجات النزاهة والتعبير الأنقى عن الحالات.

وفي حقيقة السلوك البشري إنعدام الصدق المطلق وكذلك الكذب المطلق , ففي الحالتين تشابك وتفاعل وتداخل إنسباكي قد تنطق به لغات اللسان والبدن معا , لكن القدرة على إثبات الوجهين يتطلب الدلائل والحقائق , فالذي يبدو صدقا قد يصبح كذبا بعد حين , والعكس صحيح.

لكن الأمر الواضح أن الكذب له دوره في التغرير بالبشر وأخذهم إلى حيث يريد الكاذبون , ومعظم الأحداث المهمة في التأريخ مرهونة بالأكاذيب بأنواعها , ولولاها لما تمكنت القوى من النيل من الآخرين وإفتراسهم , وفي القرن الحادي والعشرين كان للكذب دور أساسي في تدمير البلدان وتهجير الناس من ديارهم والإستحواذ على ثرواتهم وممتلكاتهم.

ويبدو أن البشرية لن تشفى من هذه العاهة السلوكية المتمترسة في أعماقها , والقاضية بضرورة الكذب للوصول إلى ما هو دفين ويسعى للتتعبير المبين.

فهل أن الكذب سيّد وسلطان؟!

وهل صرنا نجتنب قول الصدق وكأن الكذب من الإيمان!!


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . صادق السامرائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/08/23



كتابة تعليق لموضوع : "فأكله الذئب"!!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net