صفحة الكاتب : ابو تراب مولاي

#في_الميزان_العلمي  ( فتوى جواز التعبّد بجميع الأديان والمذاهب استناداً لحُجّية القطع والأدلة )
ابو تراب مولاي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 لتكن مناقشتنا للموضوع على شكل نقاط :

#أولاً - ما معنى القطع وما معنى حجّيّته ؟

القطع هو اليقين ووصول الاعتقاد إلى درجة ١٠٠% بحيث لا يكون هناك احتمالٌ للمخالفة أبداً .
ويُعنى بحجيّة القطع : أنّ الإنسان إذا تجمّعت لديه الأدلّة والقرائن ووصل باعتقاده إلى درجة اليقين ، فسوف يكون هذا اليقين ( القطع ) حجّةً بينه وبين ربِّه ، بحيث يجب عليه أن يعمل بمؤدّى هذا اليقين ، وهو معذورٌ أمام الله تعالى لو كان يقينُهُ مخطئاً وليس في محلّه .
مثال ذلك :
إنّك تقطع بأنّ مافي الكأس ماءً ، فحينئذٍ تعمل بمؤدّى قطعك ويجوز لك شرب مافي الكاس ، ولو كان قطعه مخطئاً وتبيّن أنّ مافي الكأس خمراً ، كان معذوراً أمام الله تعالى ، وهذا ما يسمّى بمعذرية القطع ، وهو - بهذا المقدار - محلُّ وفاقٍ بين الأعلام .

#ثانياً - متى يكون القطع (وهو العلم واليقين) حجة ؟

يكون القطعُ حجةً إذا كان ناشئاً عن مبرّرات موضوعيّة ومقدّمات عقلائية بحيث تُنتج العلمَ لدى الإنسان الطبيعي .
فمثلاً ... لو شاهدتَ على شاشة التلفاز خبراً مفاده : اقتراب كويكب إلى الأرض سيؤدّي - لو اصطدم بها - إلى كارثة .
فإنّك لا تقتنع بهذا الخبر بمجرّد سماعه ، وتحاول أن تحصل على الخبر من قنوات ومصادرَ أخرى ... فإذا اجتمع عندك عدد من المصادر لهذا الخبر أيقنت به ... وهذا اليقين يسمّى ب (القطع) ، ومثلُ هذا في الأحكام والعقائد يكون حجّة ، لأنّه جاء نتيجةً لمبرّرات موضوعية يقبلها العقلاء .
أما لو اقتنعتَ بمجرد أن شاهدتَ الخبر على شاشة التلفاز من دون تحصيل مصادر أخرى للخبر وأيقنتَ به ، فيسمى يقينك هذا ب (قطع القطّاع) .

#ثالثاً - ماذا يُعنى بقطع القطّاع ؟

قطع القطّاع هو ذلك اليقين الذي يحصل لدى الإنسان من دون مبرّرات موضوعيّة كما تبيّن في المثال السابق .
قال السيد الخوئي (رض) في مصباح الأصول ج٢ ص ٥٧ :
وليُعلم أنه ليس المراد من القطّاع مَن يحصل له القطع كثيراً لكونه عالماً بالملازمات في غالب الأشياء بالفراسة الفطرية أو بالاكتساب ........ بل المراد من القطّاع مَن يحصل له القطع كثيراً من الأسباب غير العادية ، بحيث لو اطّلع غيرُه عليها لا يحصل له القطع منها .

#رابعاً - هل قطع القطاع حجة وهل يُعاقَب لو كان قطعه خلاف الواقع ؟ 

هذا السؤال هو محور بحثنا ، وفي جوابه تكمن الفائدة ، وفيه تفصيل :
إعلم أنّ القاطع مطلقاً لا يمكن توجيه الخطاب الشرعي له على خلاف قطعه ، سواءٌ القاطع الطبيعي أو القاطع القطّاع ، فلا يمكن تشريعاً أن يقال له : إشرب هذا السائل وهو يقطع بأنه خمر ويعتقد بأنه حرام ، فسوف يرى بأن هذا الخطاب لا يعنيه ، وذلك لأنه يرى نفسه أنها واقفةٌ على الحقيقة ومنكشفةٌ له الصورة تمام الانكشاف ، وعليه فلا يمكن للشارع المقدّس أن يأمره بخلاف ما قطع به وتيقّنه . 
وهذا هو معنى قول الأصوليين ( إنّ الحُجيّة لا يمكن سلبُها عن القطع ) . ولا يُعاقَب القاطع والمتيقّن على الفعل الذي يأتي به نتيجةَ قطعه ولو كان على خلاف الواقع !!!
و #لكن الفرق بين القطع الناتج عن مبرّرات موضوعيّة وقطع القطّاع هو أنّ صاحب القطع المبَرَّر لا يُعاقب أبداً حتى لو كان قطعه وعلمه مخالف للواقع ، بينما صاحب القطع الثاني (قطع القاطع) يُعاقَب لو خالف قطعه الواقع ، ولكن يكون العقاب لا على نفس الفعل المقطوع به ، لكون هذا الفعل لا يمكن أن يخاطبَه الشارع بتركه ، لكونه قاطعاً به ، بل يُعاقَب على المقدّمات غير الموضوعيّة التي أدّت به الى القطع .
فهو قبل أن تحصل له حالة القطع ملتفتٌ إلى أنّ هذه المقدّمات مقدّماتٌ غير تامّة وغير منطقية للحصول على نتيجة جزمية ، ومع ذلك فهو منساقٌ معها إلى أن تورّط بهذا القطع المضلّل ، فيُعاقب على انسياقه خلف تلك المقدّمات المضلّلة .
وهذا يعني أنّ قطع القطّاع ليس معذّراً ، بمعنى أنّه ليس مؤمِّناً عن العقاب . 
وهذا ما ذكره الشهيد السيد محمد باقر الصدر (رض) في حلقاته ٣ ص٥٤ .

وقد أجاد المحقق العراقي (رض) في وصفه لقطع القطّاع حيث قال :
" ثم اعلم أنّ مجرّد حكم العقل بوجوب موافقة القطع حين حصوله بكل واحد من المعنَيَيْن السابقَين لا يقتضي "معذّريّته" عند المخالفة على الإطلاق ، إذ ربما يقصّر في تحصيله ولو من جهة علمه سابقاً بأكثريّة مخالفته للواقع ، بالإضافة إلى الطرق المجعولة ، ففي هذه الصورة لا يرى العقل معذوريّة به ، مع أنه في فرض تحصّله بتقصير منه العقل يلزمه بالموافقة ، فكان المقام من قبيل إلقاء النفس من الشاهق من كونه معاقباً بتقصيره السابق وإن لم يكن فعلاً قادراً على مخالفة أمره وجداناً ... " مقالات الأُصول ج٢ ص٢٤ - ٢٥ .

بل سألتُ سيدي الأُستاذ ( دامت فيوضاته ) فقال ( حفظه الله ) : هذا - يعني عدم معذريّة قطع القطّاع - ما أجمع عليه كلُّ الأصوليين .

#خامساً - هل كلُّ اعتقادٍ حجّة ؟
بعد أن تبيّنت لك بعض المقدّمات ، سيخطر ببالك السؤال التالي ، وهو : ما هو حال الاعتقادات الباطلة ، هل هي حجّة بين أتباعها وبين الله تعالى أم لا ؟
الجواب : 
إنّ اعتقاداتهم مبنية 👇
أ . إما على أدلّة ظنيّة ، والظن ليس بحجّة جزماً ، قال تعالى في سورة النجم ٢٨ (وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ ۖ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا) .

ب . وإما على أدلّة من قبيل قطع القطّاع ، وقد عرفتَ الحالَ فيه ، إذ يُعاقَب على المقدّمات .
وإلا فإن الخوارج الذين قاتلوا علياً (ع) وقتلهم وقتلوه كانوا قاطعين بصحة اعتقاداتهم رغم نصح الإمام (ع) مما جعلهم يقاتلون حتى الموت دون معتقدهم ، فهل قطعهم هذا حجّة ؟ وسيدخلون الجنّة مثلاً ؟!!!
وهكذا المجاميع المسلّحة التي تفتك بالأبرياء اليوم ، هم قاطعون بصحة منهجهم ، فهل يعني ذلك حُجيّة ومعذريّة قطعهم وأنهم سيدخلون الجنّة من أوسع أبوابها ؟؟؟!!!
أي عاقلٍ يقبل بذلك ؟

ج . وإما بناءً على الإهمال في أمر الدين !
فليس هناك تفسيرٌ منصف لسبب اتّباع بعض الديانات والطرق التي يمجّها الذوق ويرفضها العقل إلا الإهمال من قِبَلِ أتباعها للجانب العقائدي والديني في حياتهم ، وإلا فهل يُعقل أنّ شعوباً صنعت عقولُها المعاجزَ في التكنلوجيا والصناعات والاكتشافات العلمية الباهرة تعجز عن كشف بطلان عبادة البقر والوثن وغيرهما ؟! 
قال المرجع السيد محمد سعيد الحكيم (دام ظلّه) في كتابه أُصول العقيدة - الذي أُوصي اُخوتي الشباب بقراءته جيداً - ص ٢٢ تعقيباً على قصّةٍ عن تمسّك البعض بالعقائد الفاسدة التي نقلها عن بعض المؤمنين الذين سافروا إلى اليابان : " وليس هذا ( يعني عبادة الصنم الذي له ١٦ يد ! ويزعمون أنّ كل يد تدبّر شأناً من شؤون الحياة ! ) لانحطاط هؤلاء عقلياً أو ضعف مستواهم الفكري والثقافي ، بل لعدم اهتمامهم بالوصول للحقيقة ورضاهم بما عندهم من الدين جموداً على التقاليد الموروثة ... " .

و #في_النتيجة أنّه ليس كلُّ الاعتقادات والأدلة تكون حجّة حتى الناتجة عن بعض أنواع القطع كما عرفت .

#سادساً - قول القرآن الكريم وأهل البيت (ع) في اعتقادات أهل الباطل :

لم يرتضِ أهل البيت (ع) حصول القطع والعلم العقلائي في نفوس أصحاب العقائد المنحرفة ، بل لا بدّ أن يكون هناك شكٌ يخالج نفوسُهم فيما هم به يعتقدون ! ليكون هذا الشك والريب في عقائدهم حجّة لله تعالى عليهم ، وهذا ما يشهد به القرآن الكريم أيضاً ، وقد وردت روايات مستفيضة في ذلك نقتصر على الميسور منها ، وهو معتبرة المحاسن للشيخ البرقي (رض) ٣٩٤ قال : عنه ، عن ابن محبوب ، عن سيف بن عميرة وعبد العزيز العبدي وعبد الله بن أبي يعفور ، عن أبي عبدالله (ع) قال : ( ....... وأبى الله أن يجعل الباطلَ في قلب الكافر المخالف حقاً لا شك فيه ، ولو لم يجعل هذا هكذا ما عُرف حقٌ من باطل ) بمعنى أن الله تعالى لا بدّ أن يُشكّك الكافرَ والمخالفَ في اعتقاده لكي يُعرف الحقُّ من الباطل .
وعلى ذلك شاهد من القرآن الكريم قال تعالى في سورة التوبة ١١٥ : (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) .

#سابعاً - نتيجة البحث ... بالنسبة لدعوى جواز التعبّد بجميع الأديان والمذاهب والطرق :

وبعد كل ما تقدّم من كون :
١ . القطع ليس حجة دائماً ، بل يكون العقاب على مقدمات القطع غير المصيب .
٢ . الاعتقادات والأدلّة لا يمكن الإلتزام بحُجّيّتها دائماً .
٣ . حكم القرآن وأهل البيت (ع) بأن لا يمكن أن يقطع أهل الباطل بحقّانية باطلهم .
بعد هذا وغيره تُصبح فتوى جواز التعبّد بجميع المذاهب والأديان - التي تعتمد حُجيّة الدليل مطلقاً - لا معنى لها ، وتكشف عن الضحالة الفكريّة وقُصر الباع العلمي لدى قائلها .

وآخر القول : أنِ الحمدُ لله على نعمة الولاية ، التي ندعوا الله تعالى أن يميتنا وجميع المؤمنين عليها .. 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


ابو تراب مولاي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/01/18



كتابة تعليق لموضوع : #في_الميزان_العلمي  ( فتوى جواز التعبّد بجميع الأديان والمذاهب استناداً لحُجّية القطع والأدلة )
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : قنبر الموسوي ، في 2018/01/18 .

احسنتم بارك الله فيكم افاض الله عليكم بركاته صباصبا




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net