وقفة مع ام المؤمنين السيدة عائشة القسم الثالث والاخير
حميد آل جويبر
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
قلنا في القسمين السابقين ان ام المؤمنين السيدة عائشة عمرت طويلا نسبيا فهي على اقل الروايات ناهزت السبعين او نحو ذلك من العمر وقد روي انها لم تسمح بدفن الامام الحسن بن علي عليهما السلام الى جوار جده رسول الله لاسباب لعل بعضها يعود الى حالة النفور التي كانت تشوب علاقتها بالامام ابي الحسن عليهما السلام. ولا أظن احدا اكثر من السيدة عائشة كان يعرف بتفاصيل علاقة النبي النموذجية بسبطيه الحسن والحسين وامهما. واذا ما تذكرنا صفة الغيرة التي كانت تتميز بها السيدة عائشة نستطيع ان نفهم جانبا من اسباب النفور. بعد وفاة الخليفة الاول ابي بكر اغدق الخليفة الثاني عمر بن الخطاب العطاء على أمه عائشة وفاء لها ولزوجها وابيها ولمكانتها بين الكثير من المسلمين . حتى لتكاد الروايات ان تجمع على ان الخليفة الثاني مايز كثيرا في العطاء بين عائشة وسائر ازواج الرسول الكريم. وبعد وفات الخليفة الثاني مقتولا، يجمع المؤرخون على ان الخليفة الثالث عثمان قلص من عطاء السيدة عائشة ما اثار موجدتها وغضبها عليه . شخصيا لا ارى في ذلك سببا كافيا لان يصل الغضب بالسيدة عائشة حدا ان تامر بقتل عثمان في غير مناسبة . حيث ينقل الرواة عنها قولها في اكثر من مرة : اقتلوا نعثلا فقد كفر . وفي رواية مشابهة : اقتلوا نعثلا فقد كفر نعثل . لكنها عندما تناهى الى سمعها نبا مقتل عثمان واجتماع المسلمين على علي بن ابي طالب عليه السلام رفعت مع آخرين شعار : يا لثارات عثمان . وثمة مؤرخون من الطرفين من يعتبر السيدة عائشة احد المؤلبين الفعليين على قتل الخليفة الثالث . وهناك من لا يذهب الى هذا الراي، ولكلا الطرفين ما يحتج به على الاخر . لكن ما هو ثابت ان السيدة عائشة كانت لا تكف عن الدعوة باللسان - على الاقل - الى قتل عثمان مع الصاق تهمة كبيرة به وهي الكفر الذي يستحق القتل . لا يخفى على متتبع ماجرى من تفاصيل محزنة بعد مقتل الخليفة عثمان وانضمام ام المؤمنين الى فريق كان يلصق بعلي بن ابي طالب تهمة التهاون في القبض على القتلة وانزال القصاص بهم . وكان على راس هؤلاء معاوية بن سفيان الذي لم تكن تربطه علاقة وثيقة بالسيدة عائشة بسبب الحاقه زيادا . وينقل الرواة ان معاوية حاول بشتى اساليبه الثعلبية ان يستدرج عائشة الى اعتراف - ولو ضمني - بهذا الالحاق الا ان السيدة عائشة كانت ليست اقل منه تدبيرا . البعض يعزو توتر العلاقة بين علي وعائشة الى حادثة الافك وبالضبط عندما استشار الرسول الكريم عليا لتجاوز تلك المحنة . يقال ان عليا اشار عليه بالتطليق " النساء غيرها كثير " فسمعت عائشة براي علي فنقمت عليه وعلى زوجه الزهراء وذريته . لا استطيع الركون الى ان يكون هذا السبب كافيا لاعلان حرب ضد الخليفة الوحيد المنتخب . حرب قتل فيها الحافظ ُالحافظ َوالتقي ُالتقي َوالورع ُالورع َ، وعندما وضعت تلك الكارثة اوزارها كان نحو 15 الف مسلم او اكثر بكثير تغطي اشلاؤهم تراب البصرة . ما يُجمع عليه ثقاة المؤرخين المتقدمين منهم والمتاخرين ان عليا لم يترك سبيلا لتجنب تلك الحرب الا سلكه . وبلغ الحد بصحابه ان يسيئوا الظن بذلك الحلم الخرافي الذي مارسه ، مع وجود استفزازات متكررة من الجانب الاخر بلغت حد قتل موفد ٍ من علي حمل القران لاصحاب الجمل للاحتكام اليه . ومن يريد ان يقف على تفاصيل تلك المجزرة المؤلمة فحسبه كتاب "علي بن ابي طالب " لعبد الفتاح عبد المقصود الذي اشرت اليه في المقدمة وهو عالم مصري ازهري جليل توسع بشكل ملفت في ذكر تفاصيل ماقبل واثناء وبعد المعركة دون ان يجعل من ذلك التوسع مملا خاصة بالنسبة لطلاب الحقيقة . ايضا الاديب الكبير طه حسين تطرق الى هذه الحرب بالسرد والتحليل لكنه لم يتوسع كما توسع عبد المقصود . ولعل البعض عدّ صفين والنهروان "نغلي الناقة" حسب وصفهم . قلنا في سطور سابقة ان السيدة عائشة كانت تحمل في صدرها شيئا من الضغينة او قل الشحناء تجاه امير المؤمنين علي . ترى هل قابلها علي بن ابي طالب بنفس المشاعر عندما وصل الى هودج جملها المعقور منتصرا. واجزم ان عليا لو فعل غير ما فعل لم يكن عليا الذي نعرف. لكان اي شخص آخر سوى علي بن ابي طالب. اترك تفاصيل ذلك الى مؤرخين اغدقوا علينا بالكثير ، حتى اولئك الذين مازالوا حتى يومنا هذا يلتمسون شيئا من العذر لام المؤمنين عائشة في خوض هذه الحرب الجائرة وغير المبررة. الحديث ذو شجون والعبارة تجر الى العبارة والفكرة تجر الى اختها ولابد من الوقوف عند حد . وساختم اجزائي الثلاثة هذه بالقول اننا كعرب اولا وكمسلمين ثانيا امة دأبت على تقديس الالقاب حتى من دون تجشم عناء التأمل فيها ، لو كان في ذلك عناء. فكما ان كلمة خليفة لا تضفي اية قدسية انما هي مسؤولية بثقل الجبال . وكما ان لقب امير المؤمنين ليس تشريفا يستحق التقديس بل تكليف بثقل الجبال ، فان لقب ام المؤمنين لا ينطوي اطلاقا على قدسية تحصن حاملته من الحساب ، بل هو لا يعدو كونه لقبا قرانيا جمع لنا ازواج الرسول في تسمية موحدة . وكل ما عدا ذلك فهو حديث خرافة. ختاما احيل قارئي الكريم الى اخر خطب العلامة الجليل الشيخ عدنان ابراهيم وهو من مواليد غزة الفلسطينية التي يكاد ينعدم فيها الوجود الشيعي ، واظن الشيخ يتعبد على مذهب الامام الشافعي "رحمه الله" وقد اجرى الله ينابيع الحكمة على صدره واسالها على لسانه. في هذه الخطبة الخالدة يتناول الشيخ ابراهيم فضائل محبة اهل البيت عليهم السلام ورذائل النصب لهم ، وازاح - أو أوشك - بكل ما اوتي من قوة البيان ،عن عيوننا غشاوة التقديس الاعمى الذي يلزمنا تحويل جناة التاريخ الى اولياء صالحين والترضي على القتيل والقاتل الذي سيكافئه الله على اجر الاجتهاد في القتل حتى وان كان القتيل الحسين بن علي ريحانة رسول الله
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
حميد آل جويبر
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat