صفحة الكاتب : د . مصطفى يوسف اللداوي

كلفةُ المقاومةِ وضريبةُ المهادنةِ في الميزانِ العربي
د . مصطفى يوسف اللداوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 يظن بعض العرب أن السلام مع العدو الصهيوني، والاعتراف بكيانه وتطبيع العلاقات معه، والقبول به جاراً في المنطقة وشريكاً في الإقليم، والتسليم باغتصابه الأرض العربية الفلسطينية، والكف عن المطالبة بتحرير فلسطين واستعادتها، وتعويض أهلها وعودتهم إليها، وإنهاء حالة العداء معه، وإعادة تصنيف العلاقة به على قاعدة الاحترام المتبادل والتعاون المشترك، وحفظ الأمن وسلامة الحدود، ووقف كافة الحملات العدائية ضده، ومحاربة كل الجهات التي تقاومه وتستهدف أمنه، وتسعى لتهديد سلامته وتعريض حياة مستوطنيه للخطر، والتضييق عليها وملاحقتها، ومحاصرتها وتجفيف منابعها، هو خيرٌ لهم ونفعٌ لبلادهم.

يظنون مخطئين وواهمين أنهم بهذا سيكونون في مأمنٍ من الخطر، وبعيداً عن الشر، وسيحفظون أمنهم وسلامة أنظمتهم، وسينعمون بالسلام والرخاء، والأمن والاطمئنان، ولن يهدد أوطانهم مستعمر، ولن يطمع فيها مستكبر، وستنتعش بلادهم اقتصادياً ،تجارياً وسياحياً، وسترتاح خزائنهم من النزف المالي المستمر منذ منتصف القرن الماضي على القضية الفلسطينية وفصائلها وشعبها، ولن يعودوا مضطرين لدعم الفلسطينيين ومساندنهم، بل سيجدون فرصاً جديدةً وكبيرةً للاستثمار مع الكيان الصهيوني الناهض اقتصادياً، والمتطور تكنولوجياً، والمتمكن من ناصية القرارات العالمية، والمتحكم في حركة رؤوس الأموال الدولية، ومدير كبريات البنوك والمصارف وبيوت المال الدولية.

لهذا تهرول الأنظمة العربية الخائفة على مستقبلها، والقلقة على مصيرها، نحو الكيان الصهيوني تريد مهادنته والسلام معه، وتسعى للاعتراف به والتعاون معه، والتحالف وإياه والاتفاق معه، وتعتقد أنه سيكون صادقاً معها ووفياً لها، وأنه لن يكون طامعاً فيها ولا متآمراً عليها، بل إن تحالفهم معه سينفعهم وسيفيدهم، وسينهض بهم وسيحميهم، وسيكون درعاً يحفظهم وقوةً تدافع عنهم، وسنداً يقويهم وحليفاً ينتصر لهم.

وما علمت الأنظمة العربية أن الكيان الصهيوني ذئبٌ غادرٌ، وعدوٌ ماكرٌ، وجارٌ خبيثٌ، فهو لن يبقي على بلادهم مستقلةً، ولن يقبل بخزائنهم عامرة، ولن يطمئن باله وشعوبهم متآخية، وطوائفهم متساوية، ومذاهبهم متعايشة، بل سيعمد كما عودنا على دس الفتن والاضطرابات، وإشعال الحرائق وخلق الفوضى بين شعوب بلادنا العربية، لعلمه أن بقاءه في فرقتهم، واستمراره في تمزقهم، وقوته في اختلافهم، وتفوقه في ضعفهم.

هكذا يظن سدنة العرب وحكامهم، ملوكاً وقادةً ورؤساءً، وما علموا أن كلفة السلام المزعوم والتسويات السراب أكثر بكثيرٍ من كلفة المقاومة والصمود، وأقل من ثمن الحرب والقتال، والتاريخ شاهدٌ على ذلك، فشعوبنا العربية في ظل المقاومة وأثناء الحروب تعطي بغدق، وتتبرع بسخاء، وتجود بلا حدود، وتقدم بلا حسابٍ، ورغم عظم ما تقدم إلا أنها تعتقد أنها مقصرة ولم تقم بما ينبغي عليها القيام به، ولم تعط كما تحب وتتمنى، ولولا ظروفها لأعطت المزيد وقدمت الأكثر.

ولعل أغلب البلاد العربية قد نعمت كثيراً خلال فترات دعمها للمقاومة الفلسطينية والعربية، ولم تشكُ من فقرٍ وفاقةٍ، ولا من عوزٍ وحاجةٍ، بل تعاظم اقتصادها، وتضخمت محافظها، وتزايد رخاء شعوبها، وكثرت خيراتها، وتضاعف إنتاجها من النفط والغاز، وتطورت عمرانياً ونهضت علمياً، وعم الخير أوطانها وشمل كل أطرافها، رغم أنها لم تكن تعطي المقاومة كل ما تريد، أو تفيها بكل ماتحتاج، أو تلتزم تجاهها بالواجب والمطلوب، ومع ذلك فقد بقيت الأنظمة آمنةً مستقرةً، لم يهدد وجودها أحد، ولم تعكر صفو حكمها معارضة، ولم تستطع الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها أن تفرض عليها أتاواتٍ أو ضرائب، أو أن تبتزها وتساومها، وتستولي على أموالها وتستحوذ على خيراتها.

لسنا بحاجةٍ إلى جهدٍ كبيرٍ ومنطقٍ رشيدٍ لنثبت أن أوهام السلام مع الكيان الصهيوني ستفقر البلاد العربية وستجوع شعوبها، وستجبر حكامها على التخلي عن كل ما يملكون لقاء بقائهم واستمرار حكم أنظمتهم، ولعل إدارة الرئيس الأمريكي ترامب تساعدنا كثيراً على إدراك هذه الحقيقة، إذ تمكن خلال أقل من ثلاثة سنواتٍ فقط من سحب أكثر من تريليون دولار من المملكة العربية السعودية ودول الخليج مجتمعةً، وما زال يصر على التزامها بالمزيد والدفع أكثر، حيث تنتظرهم صفقة القرن التي صممها بأموالهم، ونظم بنودها وفق خزائنهم،  حيث سيجبرهم على الدفع والأداء، دون أن تكون لهم القدرة على الرفض أو الاعتراض.

المقاومة تعز أهلها، وترفع رأس شعبها، وتكرم المؤمنين بها، وتصون كرامة المؤيدين لها، وتعلي راية المنتسبين إليها والداعمين لها، وهي وحدها التي تصنع الهوية وتحقق الكرامة، وتخلق العزة وتصون الأنفة، وتصد العدو وتؤدب المعتدي، وتمنع المتغول وتضرب المتهور، وهي التي تحفظ أموالنا، وتصون خيراتنا، وتعمر بلادنا، وتسور القوة حرماتنا، وصدق رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم إذ قال "ما ترك قومٌ الجهاد إلا عمهم الله بالعذاب" و"ما ترك قومٌ الجهاد إلا ذلوا".  


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . مصطفى يوسف اللداوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/05/22



كتابة تعليق لموضوع : كلفةُ المقاومةِ وضريبةُ المهادنةِ في الميزانِ العربي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net