أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّادِسَةُ (٢٧)
نزار حيدر
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
نزار حيدر
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}.
إِذا كانت النَّتيجة الطبيعيَّة أَنَّ النَّاسَ لا تتَّفق على كلِّ شَيْءٍ مهما بذلُوا من جُهدٍ معرفيٍّ وسخَّروا أَدوات الحِوار الحضاري، كما يَقُولُ تعالى {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} فما هو الحلُّ للخِلافات إِذن؟!.
أَولاً وقبلَ كلِّ شَيْءٍ يَجِبُ أَن نعترفَ بالخِلافِ لنتعايش معهُ، فلا نحاولُ إِلغاءهُ فجهودنا ستذهب أَدراجُ الرِّياح!.
ثمَّ؛ فلقد رسمَ لنا القرآن الكريم خارطةَ طريقٍ لتجاوز الخِلاف في الرَّأي وحصرهِ في حدودهِ المعقولة والحيلولةِ دون أَن يأخُذَ مدياتهِ الأَوسع فيتحوَّل إِلى قنابلَ مَوقوتةٍ يُفجِّر ويدمِّر كلَّ مشاريعنا وحِواراتنا، أَو على الأَقلِّ يَكُونُ سبباً لضعفِنا وخسارتِنا لإرادتِنا، كما يصفهُ القرآن الكريم {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}.
هَذِهِ الخارطةُ تعتمد ثلاثةَ أُسُسٍ أَساسيَّةٍ؛
١/ تبنِّي الإِستراتيجيَّات والإِتِّفاق عليها وحمايتها على طولِ الطَّريق، أَمَّا التَّكتيكات فلا بأسَ بالإِختلافِ فيها وعليها.
يَقُولُ تعالى {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}.
وقولهُ تعالى {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ تَهْتَدُوا ۗ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۖ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}.
٢/ إِحترام الرَّأي الآخر وعدم الإِستهزاء بهِ وبصاحبهِ أَو معاداتهِ حتَّى إِذا لم أَفهمهُ أَو أَقبلهُ {أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} من دون عداواتٍ ولا تشنُّجٍ، فكما أَنَّكَ تحبُّ أَن يحترمَ الآخرُ رأيكَ مهما كانَ تافهاً! كذلك ينبغي عليكَ أَن تحترم رأيَ الآخر فلا تستنقصَ مِنْهُ أَو تستهزئ بهِ.
يَقُولُ تعالى {فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} وقولهُ {قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} وقولهُ تعالى {إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ* فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّىٰ أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ}.
إِنَّ إِحتكار الحقيقة هو الذي يُثير كلَّ هذه الخِلافات القاتِلة والمُدمِّرة، ولذلكَ يجب أَن نبتعدَ عنها فلا نقولُ كقولهِم {وَقَالُوا لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ ۗ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ۗ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ}.
وبسببِها يُصِرُّونَ على الخطأ والإِنحرافِ، لأَنَّهم يميلونَ مَعَ أَهوائهم ولا يميلونَ للحقِّ! ولذلكَ يكرهونَ ويُحبُّونَ أَولاً! فإِذا كرِهوا كفرُوا حتى إِذا كانَ مُرسلاً كما في قولهِ تعالى {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ ۖ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ ۗ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ}.
إِنَّ الخُلق القرآني يختلف جذريّاً عن هَذِهِ النظريَّة، فلقد قَالَ تعالى {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِ* فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُم مِّن دُونِهِ ۗ}.
لماذا؟! لأَنَّ القاعدة القُرآنيَّة تقول {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ۖ إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ ۗ} وقولهُ تعالى {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ}.
٣/ الإِتِّفاق دائماً على آليَّاتٍ عقليَّةٍ ومنطقيَّةٍ تحكم الحِوار يتمُّ الرُّجوع إِليها عند الإِختلاف للتوصُّل إِلى نتائجة مُرضية.
وإِنَّ من أَعظم هذه الآليَّات هي الشُّورى التي يجب أَن تكونَ ثقافةً في المُجتمع لأَبسطِ المواضيع وأَعقدها.
انظرُوا إِلى المُشرِّع الذي حثَّ على الشُّورى في موضوع [فِطام الرَّضيع] كما في قولهِ تعالى {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ۗ} وهي قضيَّة شخصيَّة جدّاً ومحدودة التَّأثير تخصُّ الأَبوَين، كما أَنَّهُ يحثُّ على الشُّورى في القضايا المصيريَّة والإِستراتيجيَّة التي تخصُّ الأُمَّة كما في قولهِ تعالى {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} بعد أَن حثَّ المُشرِّع الرَّسول الكريم (ص) على التَّشاور مع الأُمَّة في قولهِ تعالى {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}.
كما حثَّ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) الأُمَّة على تقديمِ المشورةِ لَهُ بقولهِ {فَلاَ تَكُفُّوا عَنْ مَقَالٍ بِحَقٍّ، أَوْ مَشُورَةٍ بِعَدْلٍ}.
كما أَنَّهُ (ع) كان يحثُّ على المشوَرة عِنْدَ إِختيار المسؤُولين، ليكونَ الإِختيارُ سليماً، فكتبَ في عهدهِ للأَشتر لمَّا ولَّاهُ مِصر {ثُمَّ انْظُرْ فِي أُمُورِ عُمَّالِكَ، فَاسْتَعْمِلْهُمُ اخْتِبَاراً، وَلاَ تُوَلِّهِمْ مُحَابَاةً وأَثَرَةً، فَإِنَّهُمَا جِمَاعٌ مِنْ شُعَبِ الْجَوْرِ وَالْخِيَانَةِ}.
لِلتَّواصُل؛
E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat