صفحة الكاتب : الشيخ عبد الامير النجار

تجهيز الموتى في السعودية
الشيخ عبد الامير النجار

كتابات في الميزان / خاص
 ** مقدمة

بتاريخ عصر يوم الأربعاء، المصادف (29/جمادى الأولى/1437هـ)، الموافق (9/آذار ـ مارس/2016م) كنت قد ذهبت إلى مقبرة البقيع برفقة الحاج فارس عباس الحمداني (أبو سعد)، والتي لا تبعد عن المسجد النبوي الشريف كثيراً، فصادف دخولنا عملية تشييع أحد الموتى ـ امرأة ـ فأسرعت الخطى لألحق بالجنازة، وأشهد عملية التشييع والمواراة، بعدما تركت الحاج فارس الحمداني، كما التقطت بعض الصور لهذه العميلة.
 
تشييع الجنازة لدفنها في مقبرة البقيع
وهنا لابد من الإشارة إلى عملية تجهيز الموتى ودفنهم في السعودية، والتي لا تخلو من الفائدة.

** إدارة تجهيز الموتى
طبعاً تبدأ عملية تجهيز الميت من لحظة اتصال أهل المتوفى بـ "إدارة تجهيز الموتى" التابعة إلى وكالة الخدمات في أمانة كل منطقة من مناطق السعودية[1]، والتي بدورها توفر جميع متطلبات عملية التجهيز والدفن مجاناً، بما فيها:
1- نقل الموتى من أماكن الحوادث أو المنازل إلى المستشفيات, ومن ثم نقلها إلى المقابر حسب التعليمات التي تنظم ذلك.
2- إصدار شهادة وفاة، وإصدار شهادة دفن بموجب شهادة الوفاة.
3- مباشرة الإجراءات الشرعية لتجهيز وتغسيل وتكفين الميت، ونقله إلى المقابر، ومن ثم دفنه.
4- تسجيل الميت في سجلات المقبرة، ومنحه رقماً خاصاً؛ للاستدلال بهذا الرقم عليه.
5- توفير كمامات غازية للجثث المتعفنة، والقفازات، والملابس، وأكياساً خاصة لجمع الجثث.
6- توفير السيارات المجهزة بثلاجة، لحفظ جثث الموتى فيها.
علماً أنه يوجد في كل مقبرة مستودع للأكفان، ولوازم التغسيل والتكفين، فضلاً عن توفير مواد الدفن من: اللِبن، والبحص، والمياه، وأدوات الدفن.
أما في السابق فقد كانت عملية تجهيز الميت تتم في المنازل، حيث يطلب أهل الميت من إدارة التجهيز ـ الشرشورة[2] ـ إرسال غسَّال إن كان الميت ذكراً، أو غسَّالة إن كان الميت أنثى، مع دكة الغُسل والنعش إلى منزلهم، حيث تتم مراسم غُسل وتجهيز الميت في داخل المنزل، ومن ثم يلقي عليه أهله النظرة الأخيرة، وبعدها ينقل بسيارة الإسعاف إلى المقبرة.
كما كان الأهالي في السابق مسؤولون عن توفير الكفن، وإذا ما حصلت الوفاة في آخر الليل، وأرادوا الصلاة على الميت بعد صلاة الفجر، فعليهم البحث عن محل ساهر لبيع الأكفان، وإن لم يجدوا صبروا حتى الصباح، ثـم صلوا على ميتهم بعد صلاة الظهـر.

 
إدارة الطوارئ ـــ شئون الموتى والمقابر
** مهام أخرى
تقوم إدارة التجهيز ـ أيضاً ـ بمتابعة شئون المقابر، بالإضافة إلى تجهيز الموتى، وتوفير الأراضي المناسبة, والمحافظة على المقابر ونظافتها، والصيانة بشكل دوري. وكذلك تتولى مهمة دفن غير المسلمين، فضلاً عن عمل إحصاءات للدفن بشكل دوري، وصيانة المقابر وتوفير المستلزمات اللازمة لذلك، والاهتمام بنظافة المقابر بالتنسيق مع الإدارة العامة للنظافة.

** وقت التشييع والدفن
إن عملية التشييع والدفن في السعودية تتم عادة بعد صلاة العصر من كل يوم، بعدما توضع جنازة المتوفى على السرير، ويوضع عليه نعش وتغطيته بقماش أخضر بالنسبة للمرأة خاصة، وأما الرجل فيلف بعبائته ولا يغطى بشيء، ثم تنقل الجنازة بالسيارة إلى باب المقبرة، ومن ثم يتناولها أقرباء المتوفى، وقد غطوا وجهوهم باليشماغ الأحمر على طريقة أهل المصاب، وهم يسرعون بها نحو القبر المعد لها.
 
تشييع الجنازة من قِبل الأهل والأقرباء إلى القبر
ثم توضع الجنازة قرب القبر، والذي يكون عادة بأبعاد (1 × 2) متر، وبعمق قامة إنسان أو أكثر، ثم ينزل (3) أشخاص إلى القبر، ويتناولوا الجنازة بالعرض ويدخلوها اللحد، ومن ثم يسد اللحد باللِبن المعد سلفاً على شكل الطابوق.
والملاحظ أني لم أسمع أحداً يقوم بتلقين الميت ـ ربما كان بسبب الزحام ـ وبعد سد اللحد، يخرج هؤلاء الأشخاص، ومن ثم يهال التراب على القبر بواسطة الأيدي والمساحي من قِبل المشيعين.
 
لحظة إنزال الميت بالقبر
وبعد إتمام مراسم الدفن، يذهب أهل المتوفى وأقرباءه إلى قرب باب المقبرة، بعدما غسلوا وجهوهم وأيديهم، ثم يصطفون في صف واحد؛ لاستقبال المعزين من المشيعين الذين حضروا مراسم التشييع والدفن.

** مؤسسات خيرية
لقد أصبح في أغلب المدن والمحافظات السعودية مؤسسات خيرية لتجهيز الموتى، تعتمد في تمويلها على نفقات المحسنين وأهل الخير، وترتبط بجوامع كبرى، ولدى كل واحد منها أسطول من سيارات خدمة الموتى، وأماكن معدة لغسلهم وتجهيزهم، وتوفير كافة متطلبات تجهيز الموتى، من: كفن، وأدوات غسل، وخدمة، واستراحات للمرافقين، ونقل الميت إلى المنزل، ومنه إلى الجامع للصلاة عليه، ومن ثم إلى المقبرة لمواراته في الثرى.
علماً بأن هذه المؤسسات تعمل طوال اليوم والليلة، وتقدم خدماتها على مستوى عالٍ للجميع، وبـلا منـة أو تقاعس، لاسيما أن تلك المؤسسات قد أحسنت اختيار العاملين بها ـ رجالاً ونساءً ـ ليل نهار لخدمة الموتى وأسرهم، وبعضهم من حفظة القرآن الكريم، ولديهم علم ومعرفة بعملهم من تجهـيز وتكفين، وتسجيل وتسليم لأوراق الدفن، ونحوها من الأمور الإجرائية، والتي تـتم وتسجل في الحاسوب أولاً بأول.

** التجهيز والقطاع الخاص
قامت بعض الأمانات في السعودية، مثل: أمانة العاصمة المقدسة وأمانة محافظة جدة، بإسناد عمليات التجهيز من: حفر القبور، وغسل الموتى، والدفن، لمقاول يقوم بالعمل نيابة عن إدارة التجهيزات، بالإضافة إلى نقل الموتى من جراء الحوادث، بسيارات الإسعاف التابعة للأمانة أو للمقاول، والذي يتكفل بتأمين السائقين في الحالتين.
وأما إدارة التجهيزات، فتكتفي بغسل الموتى ـ سواء كانوا رجالاً أم نساءً ـ داخل مقرها، دون الانتقال للبيوت مثلما كان عليه الوضع في السابق.
كما إن هناك مؤسسات متعاقدة مع الأمانات تقوم بأعمال صيانة المقابر، وأخرى تقوم بأعمال توفير العمالة داخل المقبرة للتغسيل، والتكفين، والدفن، وحفر القبور وتجهيزها، حيث تقدم هذه الخدمة مجاناً وعلى نفقة الدولة.
إن إسناد الخدمات العامة وإدارة التشغيل إلى القطاع الخاص، ساعد في تقليص المصروفات التشغيلية للمقابر إلى حد كبير, وقدمت الخدمة بجودة أفضل دون أن تفرض أي رسوم على ذوي المتوفى، كما رفع من مستوى الخدمات في إكرام الموتى وذويهم.
وتتحمل الأمانة دفع مبالغ بسيطة عن كل متوفى، وأن تشغيل هذا العمل خيري لا علاقة لها بالنشاط التجاري، ولا تتقاضى منه المؤسسة المشغلة أي أرباح، بل يقوم على دعم الأمانة وتبرعات المحسنين ودعم رجال الأعمال.

** المقابر الآلية
لقد تمَّ ربط المقابر في السعودية بالحاسب الآلي، بحيث يتم إدخال بيانات المتوفين أولاً بأول، وكذلك ترقيم مناطق الدفن، وإعطاء أرقام متسلسلة للصفوف، ورقم خاص لكل قبر، وحفظ معلومات كل متوفى في الحاسب الآلي، ومن خلال رقم القبر يمكن الرجوع لموقعه، والحصول على كافة المعلومات عندما تستدعي الحاجة لذلك.
وأما في المدينة المنورة، فقد أتمت أمانة منطقة المدينة المنورة مشروع ربط مواقع المقابر بنظام تحديد المواقع العالمي (GPS) لأشهر مقبرة في العالم الإسلامي، ألا وهي "مقبرة بقيع الغرقد"، والتي يطلق عليها أيضاً "البقيع"، وذلك بجعل علامة جغرافية لكل قبر تعين على تحديد موقعه، حيث سيتمكن أهالي المتوفين المدفونين في هذه المقبرة من الوصول إلى قبور موتاهم بدقة عن طريق الأقمار الصناعية.

** تأهيل المقابر
من الجدير بالذكر أنه يتم تأهيل المقابر في السعودية بشكل دوري بعد مرور عامين من الدفن؛ وذلك لاستقبال الموتى الجدد، وذلك بفتح القبور حيث تكون الجثة قد تحللت وعادت رفاتاً، وعند فتح القبر بعد المدة المحددة يُلحد الرفات داخل القبر نفسه، وتوضع عليه طبقة من التراب، ويتم دفن ميت جديد في القبر نفسه.
لكن هناك البعض من الأهالي يعارض فتح قبور ذويهم بعد المدة المحددة، حتى يتم دفن أموات آخرين فيها؛ وذلك بسبب وصية الميت نفسه، أو لرغبة العائلة في دفن أقاربهم في القبور ذاتها، مما يدعو البعض منهم إلى عرض مبالغ مالية في سبيل تحقيق هذه الرغبة.

** موتى الحوادث
في حال حصول حوادث للسيارات ووقوع حالات وفاة، فإن سيارات الإسعاف التابعة للهلال الأحمر السعودي تكتفي بمعاينة الحالة عند وصولها لموقع الحادث، ثم تترك الميت لتتولى الأمانة أو المقاول نقله بسيارات الإسعاف الخاصة بهما.
ولكن قد يحدث أنه لا تصل في الوقت المناسب سيارة إسعاف الأمانة، ولا سيارة إسعاف المقاول، فيظل الميت بضع ساعات ملقى على الطريق، إذ لا يمكن لأهله نقله من موقعه.

** موتى المقيمين
يعاني المقيمون عامة، والمسلمون منهم خاصة، والعرب بصورة أخص، كثيراً من الإجحاف والتمييز والعنصرية بحق موتاهم، في حال رغبتهم بدفنهم في السعودية. 
إذ تطلب الجهة المختصة بالتصريح بالدفن من ذوي الميت، حصولهم على المستمسكات التالية: ورقة تقرير المستشفى، وتقرير الشرطة، وموافقة الإمارة، وموافقة السفارة بلد المتوفى، وموافقة البلدية، وموافقة المقبرة التي يرومون دفن الميت بها، وموافقة أهل الميت بالدفن في السعودية، ومن ثمَّ خروج شخص من قِبل البلدية والمغسلة والمسجد؛ ليحضروا عملية الدفن.
علماً بأن الحصول على كل هذه المستمسكات المطلوبة، ومراجعة الدوائر المعنية بذلك، ربما يستغرق يومين بالكثير، عندها يبقى الميت راقداً في الثلاجة بلا دفن إلى حين استكمال الإجراءات القانونية كافة.
إن المسألة التي أكثر ما تؤذي المقيمين في كل تلك الإجراءات، هي صعوبة الحصول على مقبرة تقبل دفن ميتهم فيها، وكذلك استحصال تصريح الموافقة بالدفن من المسؤول عن المقبرة؛ مما يعني إضافة معاناة ومضاعفات نفسية لأهل الميت، تضاف إلى مسألة فقدانهم لعزيز لهم.

** سَعْوَدَة المقابر
تحت شعار "السَّعْوَدَة Saudization"[3] تنفذ السلطات السعودية ـ حسب تعليمات وزارة الداخلية ـ سياسة عنصرية ضد الوافدين والمقيمين خصوصاً العرب منهم. وبين حين وآخر تصدر وزارة الداخلية تعليمات لمختلف الدوائر والوزارات؛ لاتخاذ مزيد من الإجراءات التي تصعِّب على المقيمين إقامتهم وعملهم في السعودية، التي بُنيت على أكتاف الوافدين والعاملين الأجانب، ويتم تنفيذ هذه الإجراءات دون الإعلان عنها.
ومن هذه الإجراءات العنصرية، التمييز في الدفن بين الميت السعودي والمقيم، حتى وإن كان مسلماً وعاش على أرضها (50) سنة. فالميت غير السعودي لا يشارك الموتى السعوديين في مقابرهم، بل يدفن بعيداً عنهم، وفي مقابر خاصة بهم خارج المدن، ولا يزال الوضع قائماً إلى يومنا هذا، وسيبقى كذلك لسبب بسيط؛ هو أن الوهابية ترى (أن جميع المسلمين بعد القرن الثالث الهجري إلى اليوم مشركون) [4]. وإن المسلمين الوحيدون في هذا العالم هم وحدهم لا غير، وعندما يطلقون كلمة المسلمين، فلا يقصدون بها إلا أنفسهم خاصة.
ولذا تمتنع "مقابر الفيصلية" من دفن غير السعودي فيها، وكذلك "مقابر المعلاة" بمكة المكرمة لا تدفن غير السعودي، إلا بواسطة كبيرة جداً، أو بدفع مبالغ مالية سراً.
وهكذا الحال في "مقابر أمنا حواء"، و"مقابر الأسد"، و"مقابر الإسكان الجنوبي"، و"مقابر الرويس"، الواقعة في مدينة جدة. والمقبرة الوحيدة التي يمكن دفن غير السعوديين فيها هي "مقبرة بريمان"، والتي تبعد عن مدينة جدة (40) كيلو متراً تقريباً.
كما إن فئة "البدون"[5] في السعودية حالهم كحال غيرهم من المقيمين والوافدين، فهم يعانون ـ أيضاً ـ من عدم مقدرتهم على دفن موتاهم في المقابر العامة؛ بسبب البيروقراطية والروتين الحكومي، الذي يطالبهم بتقديم أوراق ووثائق لا يمكنهم الحصول عليها، ما يضطرهم إلى دفن موتاهم في أماكن بعيدة.
وفي نفس الوقت الذي تمتنع فيه المقابر السعودية من دفن موتى المقيمين وإن كانوا مسلمين، فإنها اعتادت بشكل دائم على أن تبقي (3) قبور احتياطية؛ تحسباً لدفن موتى السعوديين في أي لحظة، مثلما اعتادت الخطوط الجوية السعودية أن تبقي دوماً (3) مقاعد شاغرة؛ تحسباً لراكب يصدر الأمر بتوفير مقعد له ولمرافقيه.
إن شعار"السَّعْوَدَة" يعني إعطاء السعودي الأولوية ليس في العمل فقط، بل في العيش والحياة والدفن بعد الموت أيضاً. وما يسمونه بـ "سَعْوَدَة المقابر"، يعني أن المقابر للسعوديين أولاً وأخيراً، وأنهم مفضلون ومقدمون على غيرهم حتى في الدفن بالمقابر. وأما غيرهم ـ سواء كانوا مسلمين أم غير مسلمين ـ فلا يهم أن حصلوا على مقبرة تضمهم أم لا، ولا ضير أن بقوا بلا دفن أيضاً.
علماً بأن هناك قصص كثيرة نقلتها الصحف السعودية عن مقيمين يبحثون عن مقبرة يدفنوا فيها موتاهم، ويسترحمون المسؤولين في المقابر بالسماح لهم بدفن موتاهم فيها.

** عمل المقابر
يبدأ العمل في المقابر من قبل صلاة الفجر حتى بعد صلاة العشاء يومياً، وعلى مدار أيام الأسبوع، وذلك لاستقبال الموتى ودفنهم.

** نقل الموتى إلى المدن المقدسة
في حال رغبة أهل المتوفى نقل جثمان الميت ودفنه في المدينة المنورة، أو مكة المكرمة، أو أي مكان آخر، فإن الأمانات عادة توفر سيارات كبيرة، تتسع للمتوفى وعدد من أقربائه، الذين يفضلون البقاء لأطول فترة ممكنة مع المتوفى؛ مراعاة للجانب الإنساني لدى أهل المتوفى جراء فقدانهم لعزيز عليهم، حيث يستدعي الموقف مزيداً من العطف والحنان، للتخفيف من الصدمة التي ألمت بهم.

** إبلاغ الشرطة
في حال حدوث حالة وفاة جراء حادث ما، فإنه يتم إبلاغ أقرب مركز الشرطة بالحادث، وقد يبقى الميت ملقى على الأرض لساعات عدة، ولا يستطع أحد أن يدنو منه ولا إسعافه إلى حين وصول الشرطة؛ وذلك خشية المساءلة القانونية.

** الرواسب الاجتماعية السلبية
ينظر الناس إلى موظفي إدارة التجهيز ونقل الموتى، نظرة استخفاف وامتهان؛ لأنه وبحسب اعتقاد البعض منهم بأن الرحمة منزوعة من قلوبهم. إذ يجمع العاملون في إدارة التجهيز على بقاء الرواسب الاجتماعية السلبية بين أفراد المجتمع؛ وذلك بالابتعاد عن امتهان مثل هذا العمل بسبب عوامل نفسية متأثرة برهبة الموت ومشاهد أشلاء الجثث، وبين ثقافة العيب والاستهجان الاجتماعي ومحدودية آفاق مستقبلها.
كما إن هناك العديد من الأشخاص، يرفضون السلام باليد على العاملين في هذا القطاع، وأن البعض منهم يرفض تأجير المحلات التجارية؛ لإقامة مكاتب لخدمات الموتى ويولي هارباً.
فالعمل بقرب الموتى مرفوض، والإقبال عليه ضعيف جداً من قبل السعوديين؛ وذلك لأسباب نفسية أو اجتماعية، وقد يقتصر على الملتزمين من أصحاب المراكز الاجتماعية والعلمية المرموقة، ومن الشباب الذين يعرضون خدماتهم في أوقات فراغهم، والذين يبادرون بالعمل كمتطوعين طلباً للأجر والمثوبة.
وعليه، بات الإقبال على هذا العمل، يقتصر حالياً على عدد من الجنسيات العربية والآسيوية التي تعودت عليه.

** إدارة تجهيز الموتى في المدينة المنورة
بتاريخ صباح يوم الاثنين، المصادف (6/شعبان المعظم/1439هـ)، الموافق (23/نيسان ـ أبريل/2018م) كنت قد ذهبت إلى "إدارة تجهيز الموتى في المدينة المنورة" الواقعة في المنطقة المركزية الجنوبية بالقرب من البقيع، ومحل السكن في فندق ماسة البستان، والتقيت بالمسؤول عن الإدارة الشيخ بدر.
وقد رحب بي بعدما عرفته بنفسي، وشرح لي عمل هذه الإدارة في تجهيز الموتى، وقال: بأنها مكونة من قسمين ـ رجال ونساء ـ وكل قسم يحتوي على (4) غرف لتغسيل الموتى، (3) منها تعمل ليل نهار، وواحدة احتياط تعمل في حال حصول زخم في أعداد الموتى.
ثم استأذنته في التقاط بعض الصور فأذن لي، والحقيقة أن بناية الإدارة حديثة، وأن غرفة غسل الميت أشبه بصالة عمليات المستشفى، من حيث النظافة والترتيب وأموراً أخرى. وهذه مجموعة من الصور التي التقطتها:

 
إدارة تجهيز الموتى في المدينة المنورة   ، غرفة الاستقبال   ، بيانات عقد تشغيل الإدارة

 إرشادات لذوي الموتى    ،  موقف سيارات الإسعاف   ،    موقف سيارات أهل الميت   قسم مغاسل الرجال 
 


مغسلة رقم (1) رجال    ،  دكة غسل الميت  ،   دكة غسل الميت    ،  عربة نقل الميت

     السرير الذي يوضع عليه الميت بعد الغسل ،  ثلاجة حفظ الموتى ،   صالة انتظار واستراحة أهل الميت

** الهوامش
[1] التقسيم الإداري في السعودية قائم على نظام المناطق، والذي يقسمها إلى (13) منطقة. وتنقسم المنطقة الإدارية إلى: إمارة، وعدد من المحافظات، يختلف عددها من منطقة إلى أخرى. كما تنقسم المحافظة إلى: مراكز، ومجمعات قروية. ترتبط المراكز إدارياً بالمحافظة، وترتبط المحافظة إقليمياً بالإمارة. وتشتمل المحافظات على عدد من المسميات السكانية: مدن، وقرى، ومزارع، وموارد مياه، وتجمع بادية.
[2] ربما تكون الشرشورة لفظة تركية من بقايا العثمانيين في الحجاز، وتعني: المغتسل، وتقع في المقبرة عادة، والعاملون فيها يسمون: القبورجية. علماً بأن هناك أسر في مكة المكرمة تدعى بـ "بيت القبوري"، نسبة إلى هذه المهنة. وأما اليوم فقد أصبحت الشرشورة إدارة تعرف بـ "إدارة شؤون خدمة الموتى". هذا وتطلق الشرشورة ـ أيضاً ـ على سيارة الإسعاف التي تنقل الموتى.
[3] أي التوطين، وهو مصطلح يطلق في السعودية على عملية إحلال المواطنين السعوديين مكان العمالة الوافدة في وظائف القطاع الخاص. وقد بدأت أولى محاولات "السَّعْوَدَة" الجادة حوالي سنة (1395هـ/1975م)، إذ يوجد موظف سعودي واحد مقابل كل (3) موظفين غير سعوديين في سوق العمل السعودي، وهي نسبة كبيرة يراها المسؤولون السعوديون، الذين يواجهون تحدياً حقيقياً في توظيف السعوديين في الوظائف المختلفة في البلاد. أما غير السعوديين فيرى أن "السَّعْوَدَة" إجراء عنصري، بينما يرى كثير من السعوديين أن هذا الإجراء كفيل بالحد من مشكلة البطالة، التي انتشرت مؤخراً بين الشباب السعودي. وفي سنة (1439هـ/2018م) صدر قرار من مجلس الوزارء يقضي بأن تقتصر منافذ البيع في (12) مهنة على توظيف السعوديين والسعوديات فقط.
[4] معالم المدرستين ـ السيد العسكري: ج1، ص21، بحوث تمهيدية، عوامل التخريب الخارجي.
[5] فئة من المجتمع يسكنون في السعودية لم يحصلوا على جنسيتها لحد الآن، وهم من البدو الرُّحل الذين اعتادوا التنقل إلى الدول العربية المجاورة؛ بحثاً عن الماء والمراعي الخصبة. يتمركز "البدون" عادة في الجنوب والشمال، كما يتوزعون في بعض المدن الأُخرى. هناك عدة أقسام تندرج تحت هذه الفئة: القبائل النازحة، وهم من قبائل: عنزة، وشمر، وبني خالد، والأساعدة من عتيبة، وينتشرون الشمال. قبائل الجنوب، وهم قبائل جنوب الجزيرة العربية من البدو الرُّحل النازحة من الجنوب. يقسم "البدون" إلى (3) أقسام: 1- بلوش البريمي، وهم سكان منطقة البريمي الحدودية بين السعودية وعُمان. 2- الجاليات الإسلامية من آسيا، التي استوطنت مكة المكرمة، والمدينة المنورة، والطائف، وجدة: كالبخارية، والتركستان، والبرماوية، والإندونيسية. 3- الجاليات العربية والإفريقية، التي استوطنت بعد أداء العمرة والحج. ويصنفون إلى (5) فئات: الفئة الأولى، الذين سُحبت منهم البطاقة الوطنية بحجة عدم نظامية حصولهم عليها. الفئة الثانية، الذين سُحبت منهم البطاقة الوطنية عند مراجعة دوائر النفوس لتصحيح بياناتهم. الفئة الثالثة، الذين صدرت لهم بطاقة الخمسة أعوام ولم يمنحوا الجنسية بعد. الفئة الرابعة، الذين قدموا للحج أو العمرة، أو عبر الحدود من الدول العربية، ومكثوا بطرق غير نظامية. الفئة الخامسة، الذين صدرت لهم موافقة بالحصول على البطاقة الوطنية، وينتظرون انتهاء الإجراءات الإدارية. يعاني "البدون" من حرمانهم من الخدمات الحكومية: كالرعاية الصحية المجانية، والتعليم، والوظائف الحكومية، وتسجيل أملاكهم بأسمائهم. وأما نساء "البدون" فلا يستطعن إثبات وتسجيل زواجهن في الدوائر المعنية.

** المصادر
* معالم المدرستين ـ آية الله السيد مرتضى العسكري (ت 1428هـ/2007م)، الناشر مؤسسة البعثة ـ طهران/ إيران، المطبعة الاتحاد، الطبعة الثالثة (1409هـ/1989م).
* صحيفة عكاظ السعودية:
- الجمعة 11/كانون الأول ـ ديسمبر/2009م، الموتى وعملية التجهيز، تقرير عبد الله عمر خياط.
- الثلاثاء 13/نيسان ـ أبريل/2010م، الأمانة تعقِّب على مقابر جدة بلا رقابة: مؤسسات خاصة لتجهيز الموتى وحفر القبور مجاناً.
- الثلاثاء 8/كانون الثاني ـ يناير/2013م، لا سَعْوَدَة في المقابر، تقرير عبد الله عمر خياط.
- الأحد 1/كانون الأول ـ ديسمبر/2013م، تـعـرف أحـداً في الشـرشـورة، تقرير محمد أحمد الحساني.
* صحيفة الاقتصادية السعودية:
- الجمعة 1/آيار ـ مايو/2009م، جدة: غموض وقصص حول عدم تحلل بعض جثث الموتى.
- السبت 22/آب ـ أغسطس/2009م، أمانة الرياض: حريصون على تهيئة المكان المناسب لدفن الموتى.
* جريدة اليوم:
- الجمعة 14/كانون الثاني ـ يناير/2011م، الشرشورة يهابها الأحياء ويمتطيها الأموات.
* صحيفة الجزيرة السعودية:
- العدد 11614، الجمعة 28/جمادى الأولى/1425هـ، الموافق 16/تموز ـ يوليو/2004م، باختصار بلغنا الشرشورة ـ مقال نورة المسلّم.
* منتديات مكاوي: الشرشورة.
* موقع عين نيوز:
- الثلاثاء 21/شباط ـ فبراير/2012م، سَعْوَدَة المقابر آخر وسائل إذلال المقيمين بحياتهم في السعودية.
* موقع إرم نيوز:
- الأربعاء 5/شباط ـ فبراير/2014م، مقابر السعودية لا تستقبل موتى البدون.
* جريدة الوطن السعودية:
- الأحد 3‏/تشرين الأول ـ أكتوبر/2010م، اعرف موقع قبر قريبك عن طريق الأقمار الصناعية، تقرير خالد الجهني.
* ويكيبيديا ـ الموسوعة الحرة ـ: السَعْوَدَة، البدون، مناطق السعودية.
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ عبد الامير النجار
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/05/25



كتابة تعليق لموضوع : تجهيز الموتى في السعودية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : صالح الطائي ، في 2020/05/25 .

الأخ والصديق الفاضل شيخنا الموقر سلام عليكم وحياكم الله
أسعد الله أيامكم ووفقكم لكل خير وأثابكم خيرا على ما تقدمونه من رائع المقالات والدراسات والمؤلفات
تابعت موضوعك الشيق هذا وقد أسعدت كثيرة بجزالة لفظ أخي وجمال ما يجود به يراعه وسرني هذا التتبع الجميل
لا أمل سوى أن ادعو الله أن يمد في عمرك ويوفقك لكل خير




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net