الجاهليةُ الثانية حواريةٌ مع الدكتورة مواهب الخطيب/ ج٢
نجاة رزاق
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
نجاة رزاق
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
مازالَ الكلامُ حولَ نظرة الإسلام للمرأة، وقد تطرّقنا في الجزء الأول إلى سؤالين واليوم نُكمِلُ ما بدأنا مع الأستاذة الفاضلة مواهب الخطيب أستاذةُ التفسير وعلوم القرآن، حولَ تفسيرِ بعضِ الآياتِ والإشكالاتِ التي يطرحُها البعضُ؛ والهدفُ هو تشكيكُ بعضِ المُسلمين والمُسلمات في دينِهم الحنيفِ والرسالة السمحاء التي جاءَ بها النبيُّ الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) بسببِ ابتعادِ الغالبيةِ العُظمى عن النهجِ القويم والصراطِ المستقيم، صراط محمد وآله الطاهرين.
السؤال الثالث:
هل إنّ المرأةَ ظُلِمت في آيةِ الإرث في قوله (تعالى): "يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا واللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ"[النساء/176]
الجواب: يقولُ العلّامةُ الطباطبائي (قدس الله نفسه): "قوله للذكر مثلُ حظ الأنثيين" ففي انتخاب هذا التعبير إشعارٌ بإبطالِ ما كانتْ عليه الجاهليةُ من منعِ توريثِ النساء فكأنّه جعلَ إرثَ الأنثى مُقررًا معروفًا وأخبر بأنَّ للذكر مثله مرتين أو جعله هو الأصلُ في التشريع وجعل إرثَ الذكرِ محمولًا عليه يعرف بالإضافةِ إليه ولولا ذلك لقال للأنثى نصف حظ الذكر. [تفسير الميزان ج ٤ ،ص٢٠٧]
كان العربُ يحرمون البناتِ الميراثَ، و يرثون النساءَ غصبًا، كأنْ يأتي الوارثُ كالابن مثلًا، فيُلقي شيئًا من ثيابه على زوجةِ أبيه الذي يرثُه ويقول: (ورثتُها كما ورثتُ ماله)، فيكونُ بهذه الكلمات أحقّ بها من نفسِها، ويحقُّ له أنْ يمنعَها من الزواج حتى تفتدي نفسَها منه بمالها، أو يزوّجَها ويأخذ مهرَها لنفسه، أو يُبقيها عندَه إلى أنْ تموتَ فيرث بذلك جميعَ مالها، فجاء الإسلامُ يُحرّمُ ذلك كُلّه ويمنعه، ويُعطي المرأةَ حقّها في الأمورِ جميعِها بما فيها الميراث..
وأمّا علةُ جعلِ سهم الذكر ضعف سهم الأنثى؛ فلأنّه في الإسلامِ مُكلّفٌ بالإنفاقِ على المرأة، وكُلُّ الواجباتِ المالية مطلوبةٌ منه، فنفقةُ المرأةِ –إذا لم يكن لها مال- على أبيها أو ولي أمرِها قبلَ أنْ تتزوج، فإنْ لم تتزوجْ كانت نفقتُها دائمًا على أقاربِها، وتُصبِحُ على زوجها إنْ تزوّجت، سواء كانت فقيرةً أو غنيّةً تملكُ المال..
والمقصودُ بالنفقة توفيرُ كُلّ ما يلزمها وأولادها من مأكلٍ، ومشربٍ، وملبسٍ، ومسكنٍ، ودواءٍ، وخدمةٍ. وحُكمُ النفقةِ واجبةٌ على الرجلِ بالكتاب، والسنة، والإجماع كذلك، كما أنّها إنْ لم يكنْ لها زوجٌ ولا وليّ يُنفِقُ عليها وكانت فقيرة كانتْ نفقتُها واجبةً على الدولةِ المسلمة. فالواجباتُ الماليةُ في الإسلام كُلُّها تقعُ على عاتق الرجل؛ ولذلك جُعِلَ نصيبه من الإرث مُضاعفًا بالنسبة لنصيب المرأة، وهذا هو العدل الكامل.
يدّعي الذين يتهمون الإسلامَ بالتمييز بين الرجل والمرأة في الميراثِ أنّ السببَ في إعطاءِ المرأةِ في الإسلام نصفَ حقِّ الرجلِ من الميراث اعتبارها نصفَ إنسانٍ لا إنسانًا كاملًا، والحقيقةُ على غير ذلك، بدليلِ أنّ المرأةَ في نظامِ الميراثِ الإسلامي قد تأخذُ مثلَ ما يأخذُ الرجلُ، أي ترثُ المرأةُ مثلَ الرجل وذلك عندما تكونُ أمّاً مع وجودِ الابن، فهي تأخذ مثلما يأخذُ الأبُ حينَها، فيأخذُ كُلٌّ منهما السُدس ويبقى الباقي للابن، وكذلك في حال الأخِ والأختِ لأم، فحينها يرثُ الاثنان بالتساوي؛ لقول الله (تعالى): "وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ".
السؤال الرابع:
ورد مُصطلح (الجاهلية) في القرآن الكريم أربعَ مراتٍ مُقترنًا بـ(الحمية، الظن، الحكم، التبرج) في هذه الآية: "بسم الله الرحمن الرحيم ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى" هل الحكمُ خاصٌ بأُمّهات المسلمين؟
وهل فعلًا وصلتِ الحالُ بالمرأةِ المسلمة أنْ تقعَ في حيرةٍ من أمرها؛ لأنّ الإسلام والقرآن لم يُنصفها؟ [السؤالُ ردًّا على الكاتبةِ التونسية ألفة يوسف في كتابها "حيرة مسلمة "]
الجواب: حول الآيةِ الكريمة المُتحدثة عن تبرُّجِ النساء، وعن الجاهليةِ الأولى بعض المفاهيم القرآنية المُتحدثة عن اللباس أو نوعٍ من الحشمة أو نوعٍ من الأحكام الشرعية للمرأة المسلمة، هل هو خاصٌ بأُمّهات المؤمنين أو هو عامٌ لجميع الناس؟
أولًا: إنّ القرآنَ هي الآيةُ المُعجزةُ الدالّةُ على خاتميةِ الأديان الإلهية؛ ولذلك لم تكنْ معجزةُ الإسلام معجزةً حسيةً يشهدُها مجموعةٌ من الناس في زمانٍ مُعيّنٍ ثم تنقضي مع قضاءِ أمدِها ووقتِها. بل النصُّ القُرآني مُعجزةٌ عقليةٌ مُنسجمةٌ مع كُلِّ زمانٍ ومكانٍ؛ لأنّ تشريعاته خالدة، فقد ورد في الحديث: "حلالُ مُحمدٍ (صلى الله عليه وآله) حلالٌ إلى يومِ القيامة، وحرامُه حرامٌ إلى يومِ القيامة"..
هناك حكمٌ أو حكمان فقط خاصٌ بنساءِ النبي (صلى الله عليه وآله) وهو حكمُ عدمِ زواجِهن بعدَ رسولِ الله باعتبارِهن أُمّهات المؤمنين، ولا يجوزُ أنْ ينكحنَ أزواجًا بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله). أما ما يخصُّ الحشمةَ والعفافَ فهذه من الآياتِ العامةِ لجميعِ المُسلمين والمُسلمات أنْ يلتزمن بها، وعلى الرجال أن يأمروا بها نساءهم.
مصطلحُ (الجاهلية الاولى) إشارةٌ إلى وجود جاهلية ثانية، وكأنّ القرآنَ الكريم يعرفُ أنْ ستُصبح جاهلية ثانية تتبرّجُ فيها النساءُ وليس الأمرُ لأنهن في حيرةٍ من أمرهن، بل لأنهُنَّ في عنادٍ شديدٍ؛ لأنّ الإسلامَ واضحٌ بيِّنٌ، والأحكامُ لا جدالَ فيها، والآياتُ لمن يُريدُ أنْ يعرفَ التفسيرَ الصحيح يستطيعُ مُراجعةَ كتبِ التفاسير المُعتبرة، ولا يلتقط دينه -كما تفضلتِ من بعض النساء المدعومات من قبل منظماتٍ نسويةٍ الهدفُ منها انفلاتُ المرأة-.
إذًا هذه الآيات الكريمة خطابُها عامٌ لكُلِّ من تتبنى نظريةَ الإسلام.
أمّا في الجواب عن أنّ المُسلماتِ هل هنَّ في حيرةٍ من أمرهن؟ قطعًا لا توجدُ حيرةٌ لمن تسأل وتبحث. وهناك الكثيرُ من كُتُبِ التفاسير المُعتبرة يستطيعُ السائلُ أنْ يرجعَ إليها، والأحكامُ الشرعيةُ الفقهيةُ واضحةٌ، على أنّ مسألةَ الحجابِ تحديدًا هي موردُ اتفاقٍ بين جميعِ المذاهبِ الإسلامية.
السؤالُ الخامس:
هل إنّ قلمَ المرأةِ يجبُ أنْ يقترنَ بعفتها، أم أنّ حُريةَ التفكير تسمحُ للمرأةِ الخوضَ في جميعِ المواضيع بغضِّ النظرِ عن الالتزام والعفاف؟
الجواب: كُلُّ كلمةٍ نقولُها أو نكتبُها تدخلُ تحت بند "ولا تخضعن بالقول"، أمّا بالنسبة للموضوع، فالموضوعُ لا حياءَ في الدين إذا كان الموضوعُ يُطرَحُ بشكلٍ موضوعي وبألفاظٍ مُنتقاة لا تخدشُ الحياءَ والعفةَ من قبلِ المُتخصِّصِ بالأمر،
فعندما تسألُني إحداهن حكمًا شرعيًا أُوضح لها أنَّ القرآنَ يُرشدُني إلى أصلٍ مُهمٍ وهو: "اسألوا أهلَ الذكر إنْ كنتم لا تعلمون" وأهلُ الذكر هم أهل البيت (عليهم السلام) وبعدهم أهلُ العلمِ المُتخصصين؛ ففي الروايةِ نرجعُ إلى الفقهاء كما أوصانا الأئمةُ (سلام الله عليهم) ولهم شروطٌ خاصةٌ...
لكن عندما أريدُ التحدّثَ عن أصولٍ واضحةٍ في الإسلامِ بيّنةٍ وآمرُ بالمعروف وأنهى عن المنكر وأطرح المباحثَ الاجتماعية بكُلِّ عفافٍ والتزامٍ وبقلمٍ رصينٍ أعتقدُ أنَّ الشريعةَ تكفلُ هذا الحقَّ من حُريةِ التعبير، بل وتُشجِّعُ وأنا أيضًا بدوري أُشجِّعُ الأخواتِ أنْ يطرحنَ هذه المسائل، وأنْ يتحاورنَ مع المُتخصصين، خصوصًا ما يُعنى بقضايا المرأة المسلمة، وما يُعنى بالدين الإسلامي بشكلٍ عام.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat