صفحة الكاتب : محمد السوداني

اختلاف الهداية التكوينية والتشريعية
محمد السوداني

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

يعد هذا البحث من الأبحاث الكلامية المهمة في اعتقادات مذهب أهل البيت عليهم السلام حيث تفترق الهداية التكوينية عن الهداية التشريعية من عدّة جهات أهما :

 

1 – الهداية التكوينية توصل إلى المطلوب والهداية التشريعة تدل على الطريق

حيث ان الهداية التشريعية تعنى ببيان الطريق والقانون الإلهي في المجالات الثلاث وهي العقائد والأخلاق والأحكام وقد بنيت هذه الهداية التشريعية في الكتاب والسنة والعقل( ١).

وأما الهداية التكوينية بمعنى الأخذ بيد العبد وإيصاله إلى المقصود والذي يصير عنه بالايصال إلى المطلوب وذلك ان العبد السالك وبتعليم من الله سبحانه يسأل الهداية نحو الصراط المستقيم والهداية على نحوين تشريعية وتكوينية فالهداية التشريعية عبارة عن أيضاح المنهج والقانون المحقق للسعادة وتعليم المعارف وتبليغ أحكام الدين والأمر بالفضائل والنهي عن الرذائل عن طريق الوحي والرسالة ويطلق على هذه الهداية عنوان (إراءة الطريق) أما الهداية التكوينية فهي ان الرب يزود القوى العلمية للإنسان ببصيرة خاصّة ويزود القوى العلمية له بجذب وهمة وعزم مخصوص حتى يحصل له فهم أو رؤيه المعارف الإلهية وسلوك الطريق وبلوغ الهدف الأخير طبقاً لما هو مطلوب وبعبارة أخرى هي الأخذ بيد العبد السالك خطوة بخطوة حتى ايصاله إلى الهدف ولذلك يطلق على هذه الهدايه مصطلح (الايصال إلى المطلوب)( ٢).

 

2 – الهداية التشريعية اختيارية والهداية التكوينية غير اختيارية

ان الهداية التشريعة تقع في نطاق اختيار الإنسان، فعليه الإنسان هو الذي يختار الحق من الباطل قال تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً}(٣ ).

 

وأما الهداية التكوينية فرغم ان مقدماتها القبول بالهداية التشريعية وطي مراحل منها، فهي واقعة في دائرة اختيار الإنسان ولكن الهداية التكوينية نفسها ليس في اختيار الإنسان لأن الاخيرة إنّما هي بأمر الله قال تعالى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ}(٤ )، والأمر الإلهي ليس منوط باختيار الإنسان قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}(٥ ).

 

3 – الهداية التشريعية علمية وقابلة للتخلف والهداية التكوينية عملية وغير قابلة للتخلف

لما كانت الهداية التشريعية هي الهداية العلمية في السلواك والعمل فهي قابلة للتخلف والعصيان ولذلك بعض الناس على الرغم من وجود الهداية الإلهية التشريعية قال تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}(٦ ).

 

4 ـ أحدهما مترتبة على الأخرى

وأما الهداية التكوينية مترتبة عن الهداية التشريعة ومرتبطة بها، وعليه فإن الذي يتمتع بالهداية التكوينية هو ذلك الشخص الذي لبى نداء الهادين إلى الله تعالى: {وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ}( ٧). وقال تعالى: { وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ}( ٨)، وقال تعالى: { إِنَّهمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً}( ٩).

وبعبارة أخرى فإن مقدمة الهداية التكوينية هو العمل بأوامر ولي الله( ١٠).

 

5 ـ أحدهما تصدر عن الإمام والأخرى تصدر من كل مؤمن

إن الهداية التشريعة في نطاق وظائف الإمام ملكية لتعليم وتبيين وتفسير الكتاب السماوي(١١ ).

والأنبياء والرسل وكل مؤمن يدعوا إلى الله بالنصيحة والموعظة تمتلك مثل هذه الهداية(١٢ ).

قال تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُول إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ }(١٣ )، وهو مؤمن آل فرعون وقال تعالى: { إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ}(١٤ ).

وكذلك فإن وظيفة عموم المؤمنين، قوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَة مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}(١٥ ).

ولكن الهداية التكوينية ملكوتية وهي لا تكون إلا مصاحبة للإمامة، قال تعالى: { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}(١٦ ).

 

6 ـ اختلاف متعلق الهداية التكوينية والتشريعية

إن متعلق أمر الهداية التكوينية هو قلب المؤمن وأعماله الصادرة منه، وكذلك فإن باطن القلوب والأعمال وحقيقتها حاضرة عند الإمام وليست غائبة(١٧ ).

وبعبارة أخرى الهداية التكوينية للإمام هو نوع تصرف تكويني في نفوس الناس حتى يأخذ القلوب إلى الكمال.

إذا كانت تصرفاً تكوينياً وعملاً باطنياً فالمراد بالأمر الذي تكون به الهداية ليس هو الأمر التشريعي الاعتباري بل ما يفسره في قوله: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (١٨)، فهو الفيوضات المعنوية والمقامات الباطنية التي يهتدي إليها المؤمنون بأعمالهم الصالحة ويتلبسون بها رحمة من ربهم(١٩ ).

 

المصادر :

١ - الاملي ، عبد الله جوادي ، تفسير موضوعي ج ١ ص ١٩

٢ - الاملي ، عبد الله جوادي، تفسير تسنيم ج ١ ص ٥٢٠

٣ - سورة الإنسان: ٣

٤ - سورة الأنبياء: ٧٣

٥ - سورة بس: ٨٢

٦ - سورة فصلت: ١٧

٧ - سورة التغابن : ١١

٨ - سورة محمد : ١٧

٩ - سورة الكهف : ١٣

١٠ - جوادي املي ، تفسير موضوعي ج٦ ص ٣٦٤

١١ - نفس المصدر ص ٣٥٧

١٢ - الطباطبائي، محمد حسين ، الميزان ج١ ص٢٧٢

١٣ - سورة إبراهيم: ٤

١٤ - سورة المؤمنون : ٣٨

١٥ - سورة التوبة : ١٢٢

١٦ - الاملي ، عبد الله جوادي، ج ٦ ص ٣٥٧

١٧ - الطباطبائي، محمد حسين، تفسير الميزان، ج ١ ص ٣٧٣

١٨ - سورة يس : ٨٢

١٩ - الطباطبائي، محمد حسين، الميزان ج ١٤ ص ٣٠٤

 

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد واله الطاهرين


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد السوداني
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/12/01



كتابة تعليق لموضوع : اختلاف الهداية التكوينية والتشريعية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net