يأخذنا اليقين دائما نحو مسارات مستقبلية تفتح آفاقا جديدة لقراءات متجددة للنهضة الحسينية ولفكر أهل البيت عليهم السلام وتأثير واقعة الطف الحسيني على الحياة السياسية في العالم الاسلامي وخارجه مما دفع الكثير من رجال السياسة والتاريخ لأن يجعلوا مفاهيم هذه الثورة موضع البحث في الدراسة فأصدروا كتباً عديدة نالت الاقبال والاستحسان بين الاوساط السياسية والشعبية تناولت فكر أهل البيت وبالتحديد مدرسة عاشوراء وأهم هذه الآثار الادبية القيـِّمة هي ما انتجته يراعات الاوربيين لكونهم يميلون الى جوهر الاشياء دون تحيز وانما لدوافع فكرية عميقة مثل كتاب الصحفي الالماني جيرهارد كونسلمان أشهر الصحفيين الالمان وقد عمل لوقت طويل محققا في التلفزيون الالماني ومن خلال عمله صار على دراية كبيرة بالتطورات السياسية لمنطقة الشرق الاوسط والتاريخ الاسلامي.
كتب مؤلفات كثيرة ومتنوعة منها سطوع نجم الشيعة وترك فيه حيزا كبيرا لموضوع الحسين الشهيد عليه السلام يقول جيرهارد كونسلمان (ان الحسين ومن خلال ذكائه قاوم خصمه الذي ألـَّب المشاعر ضد آل علي وأنه قد كشف يزيد عبر موقفه الشريف والمتحفظ فلقد كان واقعيا وادرك أن بني أمية يحكمون قبضتهم على الامبراطورية الاسلامية الواسعة ومن هنا انطلقت الحياة غير الهادئة لحفيد النبي الحسين (ع) فلقد أثير أن بعد موت معاوية شعر الإمام بخطر وتحدي قادمين عليه وعلى الدين الإسلامي الحنيف من الأمويين، لقد كان يزيد مستخفاً مستهزئاً لايقوى على تحمل المسؤولية) ويمضي الصحفي الالماني مشيرا الى انطلاقة الركب الحسيني (وأتى الحسين وأسرته جميعا من آخر يوم من العام الستين الهجري الى الفرات بعد أن تحطمت الآمال ولكن يحدوه الاصرار بعدم البيعة ليزيد فلم يكن في ذهنه تفكيرا في الرجوع) ويجمل الكاتب موقف أنصار الحسين (ع) مع إمامهم فيقول إن المتبقين من الانصار قد سمعوا ان الويلات ستحل بهم ولكنهم صمدوا وثبتوا ومع ان الحسين (ع) اخبرهم بما سيحل بهم لانه رأى في منامه ان النبي(ص) ينبأه بالاستشهاد وقال له النبي (ص): ستكون غدا عندنا في الجنة وبكت نساء الحسين (ع) وانتحبن لهذا الكلام ولكن الحسين عليه السلام طلب منهن التماسك وقال لهن: إن بكينا ضحك العدو ومن منا يريد غبطته على هذا الضحك؟
وانعطف الاستاذ جيرهارد كونسلمان بحرارة محمومة وعاطفة شجية ويقول ولمرة أخيرة حاول زعيم الركب الحسيني استخدام عنصر الاقناع امام اعدائه فقد كان رجلا ذا كلام ساحر وخاصة في وقت الشدة ولكن لم ينفعهم ذلك فنزل الى الحرب مع عدم رغبته بها فبقيت كلمات الشهيد الحسين مقدسة حتى اليوم ويُؤكـِّد الكاتب في سرد رائع عن تفاصيل المعركة (وقاتل ببسالة حتى اصيب باربع وثلاثين ضربة سيف وثلاثة وثلاثين رمية نبال وهكذا قتلوه) وتحدث الكاتب عما حدث بتحسر وتحرق عن فصل الرؤوس وعن مقتل الرضيع والاطفال والسبي ويقول (أدى مصرع الحسين الى ان تصير سلالة آل محمد وعلي في ضمير الكثير من المسلمين وصار حدث كربلاء أهم حدث في مجرى التاريخ وظل هذا الشهيد رمزا للمسلمين حتى يومنا هذا وقد أحس الطغاة أن الحسين وهو ميت لهو أخطر عليهم من الحسين حياً وما تناوله الصحفي الالماني في كتابه عن الحسين من مضامين ابداعية استلهمت شيئا من الفاجعة تستحث التبجيل والتكريم وهذا دليل على إن الحسين (ع) ملك العالم كله وهو المنهل العذب الذي ينحو نحوه الظامئون من كل الاديان والاجناس ليغترفوا من عذب مائه حتى الوصول للكمال الانساني هو ثورة في وجدان الانسانية جمعاء وهو الثورة التي لابد ان يرفعها المستقبل راية من رايات الحق الانساني العظيم.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat