صفحة الكاتب : د . حنان فاروق

الكارتون 
د . حنان فاروق

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 احتل ولداي التلفاز.. سلباني عمداً مع سبق الإصرار والترصد متعة متابعة ما أحب وقتما أحب.. حتى لو أصررت على الاستيلاء على جهاز التحكم، واستغليت سلطتي الأسرية فى فرض أحكامي العرفية، لاقتناص لحظات مشاهدة قليلة.. تذمرا وأعلنا العصيان المدني داخل البيت، إما بالصياح والبكاء، وإما باصطيادي داخل شبكة أسئلة يعرفان إجاباتها جيداً، ليستفزاني ويحكما الحبل حول عنق تركيزي، فينتفض ويرفع يديه بالتسليم دون قيد أو شرط.. 

اليوم قررت أن أعقد معهما هدنة أول بنودها أن أعيش اهتماماتهما..جلست بينهما.. وبدأ السباق أحدهما يعشق كرة القدم يرتعد جسده كله مع كل ركلة حتى ولو كانت الكرة بعيدة عن شبكة الفريق المنافس بعد المشرقين.. يصرخ.. ينفعل.. يعترض بمناسبة وبغير مناسبة.. والآخر يلبس قناع الملل ثم يستدير إليّ مستنجداً لأجبر الآخر على تغيير القناة الرياضية إلى أخرى كارتونية.. أحسست أنهما يتقاذفانني أنا وليس جهاز التحكم.. أخيراً وصلنا إلى حل.. فقد اقتنع صاحب الكرة بمتابعة الكارتون وعليه فقد هدأت المباراة قليلاً.. اتخذت نفس وضعيتهما أمام الشاشة.. وأسلمت عقلي للكارتون وبدأت أعيش ما يعيشان.. أحسست أنهما تحولا إلى تمثالين أمام الفيلم.. أصبت بالدوار وأنا أرى كرات النار والمخلوقات الغريبة والوحوش القاتلة والفتيات الملونات... نقاشات عابرة تتناثر من حنجرتيهما... تمر عليّ دون أن تتوقف عندي.. أصابني الملل.. فكرت فى الفرار لكنني أمسكت بي في آخر لحظة، وأجلستني رغماً عني، لأكمل مابدأته.. دون مقدمات.. انشقت الشاشة الزجاجية وخرجت منها كرة نار ألقيت في وجهي المجهد.. صرخت من أعماقي.. امتلأ المنزل بالوحوش المجنونة.. تعالت ضحكاتها وصيحاتها الهستيرية.. أسلحتها الدموية تطير في الهواء تبحث عن شرايين وأعناق تنتقم منها.. أحنيت رقبتي ودفنت رأسي بين يدي.. تتسرب نظراتي من بين أصابعي وتطل على ساحات القتال التي تحيط بي وتتلبسني، فلا أرى غير شلالات دماء تندفع من كل مكان دون أن أعرف مصدرها.. بصعوبة تخلصت من كفيّ الملتصقين بوجهي... نظرت إلى ولديّ فإذا هما فى مكانهما عيونهما مثبتة على شاشة القتال.. انطلقت صيحة غضب من شراييني.. اختطفت جهاز التحكم منهما.. ضغطت أزرار القنوات.. قابلتني قناة إخبارية تعرض بضائعها من صور الأطفال المذبوحين تارة.. والفدائيين فى ميادين الحجارة تارة أخرى.. أصابني الجنون.. أحسست كل ذرة فيّ تشتعل..تتأجج.. تنفجر.. تحولت إلى كرة نار هائلة.. ألقيت بنفسي داخل الشاشة..


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . حنان فاروق
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/05/08



كتابة تعليق لموضوع : الكارتون 
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net