صفحة الكاتب : الشيخ عبد الرزاق فرج الله

إقرار الرق تهذيب لا تسلط ج1
الشيخ عبد الرزاق فرج الله

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

جاء الإسلام الى الجزيرة العربية ومجتمعها يزخر بظاهرة الرق والاسترقاق لرقاب العبيد والاماء، وتلك الظاهرة تشكل أهمية كبيرة في الحياة الاجتماعية، وتعتمد عليها فروع الانتاج في ميدان العمل الاقتصادي، ولم يكن باستطاعة أي نظام مهما بلغت قوته الاسلامية ان يقتلع تلك الظاهرة دفعة واحدة من جذورها، مما أدى إلى ظهور شبهة الرق التي أثارتها الحركات الاستشراقية وغيرها ضد الاسلام، لأنه لم يكن ليعالج تلك الظاهرة علاجا جذريا، فبقيت منها مفردات الى وقت متأخر ثم أن هذه المفردات انحسرت تدريجيا من واقع الحياة الاسلامية والسؤال الذي يفرض نفسه، ما هو السر في اتخاذ التدرج في علاج هذه الظاهرة؟ فنقول: يعود الموقف الذي انتهجه الاسلام لعلاج ظاهرة الرق الى عدة أغراض:
الأول: لو انتهج الإسلام موقف التغيير الجذري دفعة واحدة لتعرضت الحياة الى هزة كبرى وشلل شامل في كافة الميادين سواء على مستوى الميدان الاقتصادي او الاجتماعي وذلك: لأن الرقيق كان العنصر المحرك للآلة الانتاجية في ذلك العصر من ناحية، ومن ناحية اخرى فان المجتمع كان يعتبر الاسترقاق نابعا من صميم حاجته، وعنصرا ضروريا في تركيبة علاقاته، فكان العلاج التدريجي تفاديا للشلل الاقتصادي ومراعاة للشعور الاجتماعي على حد سواء.
الثاني: هناك غاية تربوية، ترتبط بذات الرقيق، وذلك: لأن الرق بطبيعته يمثل حالة من حالات الإمتهان لهذه الطبقة من البشر، كما ان شعور الرقيق بالوضاعة والصغار لا يفارقه مما يجعل طبقة العبيد مؤهلة للانفجار في أية لحظة، كما حدث من ثورة الزنوج في البصرة في حقبة من التاريخ.
فقد حاول الاسلام بهذا الاسلوب التدرّجي، أن ينقل هذا الصنف من البشر الى الايدي المؤمنة التي تعدّ الرقيق إعدادا إسلاميا على ضوء مفاهيم جديدة يتبناها الاسلام للتعامل مع الرقيق، يشعر من خلالها بمكانته وقدره الانساني، تختلف هذه المفاهيم عما كان عليه الاسياد في تعاملهم مع الارقاء.
وعلى ضوء هذه المفاهيم الجديدة سوف ينتهي الأمر بالرقيق الى تحريره، وهو يحمل هالة من المفاهيم الانسانية السامية من حياة سيده الرحيم.
ولو فتشنا النصوص الإسلامية، وسيرة السلف الصالح من الأولياء وأئمة أهل البيت عليهم السلام لوضعنا أيدينا على الملامح التربوية من خلال تعاملهم مع الرقيق، حيث كانوا يتفجرون رحمة وحنانا عليه ليشعروه قبل عتقه بانسانيته، ويعدوه إعدادا تربويا يجعله مشدودا الى رسالته التي يؤمن بها والى مجتمعه الذي يتعامل معه.
(قال النبي صلى الله عليه وآله): (العبيد اخوانكم فاطعموهم مما تأكلون). صحيح البخاري 3/149
وعن واصل الأحدب، قال سمعت المعرور بن سويد قال: رأيت أبا ذر الغفاري (رضي الله عنه) وعليه حلة وعلى غلامه حلة، فسألناه عن ذلك، فقال: إني سابيت رجلا فشكاني الى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال لي النبي: أعيّرته بأمه؟ ثم قال: (ان اخوانكم خوَلكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه ممّا يأكل، وليلبسه ممّا يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم فان كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم). صحيح البخاري 3/149
عن عون بن عبد الله، قال: كُسي أبو ذر بردين، فإتزر بأحدهما وارتدى بشملة، وكسى غلامه الآخر، وقال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: (أطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تلبسون) الوسائل 16/17
ويُروى ان الإمام الحسن بن علي عليهما السلام اجتاز على غلام اسود بين يديه رغيف يأكل منه لقمة، ويدفع لكلب كان عنده لقمة أخرى، فقال له الامام: ما حملك على ذلك؟ قال: إني لأستحي أن آكل ولا أطعمه. رأى فيه الامام خصلة من أحب الخصال عنده، فأحب ان يجازيه على صنعه، ويقابل احسانه باحسان لتنتشر الفضيلة، وتعم النزعات الخيرة في دنيا الاسلام فقال له: لا تبرح من مكانك فانطلق فاشتراه من مولاه، واشترى الحائط اي البستان الذي هو فيه فاعتقه وملكه اياه. حياة الامام الحسن 1/318 عن البداية والنهاية 8/38
وحتى على مستوى المخاطبات بين السيد وعبده، يحاول الاسلام تجريد اللفظ عن الحساسية المؤلمة للرقيق، وزرع الاحساس بالارتياح في نفسه، حيث جاء عن النبي (صلى الله عليه وآله) انه قال: (لا يقل أحدكم أطعم ربك، اسقِ ربك، وليقل سيدي مولاي، ولا يقل أحدكم عبدي أمتي، وليقل فتاي وفتاتي). صحيح البخاري 3/150
وكان أئمة أهل البيت عليهم السلام يطبقون عملية العتق في احرج الحالات التي يمر بها الرقيق، وذلك عند اساءته في حقهم، بهدف تطبيق وغرس المفاهيم النبيلة في نفس الرقيق، كمفهوم البر، والعفو، وغيرهما من المفاهيم التي تبناها الاسلام في ميدان التعامل العام.
عن عبد الله بن عطاء، قال: أذنب غلام لعلي بن الحسن عليه السلام ذنبا استحق به العقوبة، فأخذ له السوط ليضربه، وقال: (قُلْ لِلذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلذِين لا يَرْجُونَ أَيامَ اللهِ) الجاثية/ 14، فقال الغلام: ما أنا كذلك إني لأرجو رحمة الله واخاف عذابه، فألقى السوط من يده وقال: (أنت عتيق). كشف الغمة للأربلي 2/296


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ عبد الرزاق فرج الله
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/05/15



كتابة تعليق لموضوع : إقرار الرق تهذيب لا تسلط ج1
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net