العزاء الحسيني في بدايات القرن العشرين ح 2
د . حميد مجيد هدّو
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . حميد مجيد هدّو

إن الكربلائيين كانوا يجيدون تجسيد الواقعة، أي تمثيل واقعة الطف(التشابيه) وما زالوا بكل أمانة وصدق وتاريخية، حيث كانت تستثير عواطف المشاهدين وتستدر دموعهم، كما ان كل أنوار المدينة تستبدل باللون الأحمر فتجد طابع الحزن والخشوع هو المخيم على الأجواء، وهناك موضوع أود الإشارة إليه هو موضوع(السبع) حيث كان هناك شخص يلبس جلد أسد حقيقي عصر اليوم العاشر حيث كان يمر بصحن أبي الفضل العباس(عليه السلام) ليتوجه بعدها إلى الإمام الحسين(عليه السلام) مرورا بسوق الحسين، لينهي عرضه في المخيم، حيث كان يقوم بحركات تثير الشجن.
أما المواكب الخاصة بيوم العاشر، فكان وقت نزولها كما هو اليوم، حيث تنزل هذه المواكب ليلة العشر بما يسمى في كربلاء(المشق) وفي الكاظمية (براوة)، لتعود فجر اليوم العاشر للتطبير، وضرب الرؤوس بالقامات والسكاكين الحادة، ومن ثم تتفرق في المخيم أيضا.
أضف إلى ذلك توزيع الطعام في كل الأحياء والطرقات، أما اليوم فقد أخذت جميع محافظات العراق تحذو هذا الحذو خصوصا بعد سقوط النظام البعثي الفاسد، كما أن الحياة في كربلاء تتوقف تماماً، حيث تُغلق جميع المحلات أبوابها، فلا بيع ولا شراء، حتى يصل هذا الأمر إلى الديانات والأقليات غير المسلمة، ففي الكاظمية والمناطق المجاورة كان المسيحيون يغلقون محلاتهم ذلك اليوم أيضا.
أما المجالس الحسينية في كربلاء آنذاك، فكان يوزع فيها الحليب الساخن على الحضور مع قطعة من الكعك المحلي الصنع او الخبز، وبعض البيوتات كانت توزع الهريسة، ولكن بشكل قليل جدا، لأن الهريسة لم تكن مألوفة في كربلاء قبل خمسين سنة أو يزيد، وإنما هي مألوفة في الجنوب بشكل أكبر، وما يميز الهريسة الكربلائية انها تُصفّى مما يعطيها مذاقاً وطعما تنفرد به.
بعد ستينيات القرن المنصرم بدأ الشيخ عبد الزهرة الكعبي(رحمه الله) بقراءة المقتل قرب باب قاضي الحاجات، في باب سوق العرب، إلى جوار مقهى الحاج حبيب، الذي لم يبقَ من آثاره شيء حاليا، ويعاونه السيد صدر الشهرستاني، حيث تجتمع الناس بالآلاف تحت المنبر، وهي تستمع وتتفاعل مع الفاجعة بالألم واللوعة والدموع، وكان وقت ذلك قرب نزول عزاء طويريج، حتى أصبح تقليداً، دأب عليه جميع القرّاء.. ولكن النظامَ البعثي أخذ يتلاعب بالتسجيلات بالإضافة والحذف، لأن لعنَ بني أمية كان يغيظهم، فبدؤوا بقراءة المقتل في الإذاعات الحكومية بالشكل الذي يتلاءم مع سياساتهم، ولكن الناس كانت تحتفظ بالتسجيلات الأصلية، ولم تنطلِ عليها هذه الألاعيب.. وتستمر هذه المجالس الى الثامن والعشرين من صفر، ولكن ليست بالقوة التي تكون عليها في العشر الأوائل، أما اليوم الحادي عشر فكان ينزل (عزاء السقاية) يحملون معهم الماء في الجرار ويسقون الزائرين، كما كان هناك (عزاء الطلبة) او كما كان يسمى(عزاء الطلاب) وهم يرتدون زيَّهم الخاص، على شكل مجموعتين يقرؤون الأشعار الحزينة بالمناسبة، إضافة إلى عزاء خدّام العتبتين، وهو عزاء حزين جداً، ويستدر دموع وخشوع الزوار والمعزّين، وكان يقرأ في هذا العزاء السيد طالب آل ماجد(رحمه الله)، والذي كان يُسمى بـ(شاعر الطف)، وبعد ذلك السيد احمد أبو المعالي، أما في اليوم الثالث عشر، وهو يوم مواراة الأجساد الطاهرة، فينزل موكب بني أسد، يعلوهم الحزن وترافقهم الدموع، وهم يحملون أدوات الحفر البدائية.
أما بعد تأسيس الجامعات العراقية، فكان يأتي الى كربلاء موكب طلاب الجامعات، وهو موكب كبير وله أهمية كبيرة جداً، باعتباره يضم الشريحة المثقفة والواعية، لذا قامَ اللانظام السابق بالتضييق عليه، وزج الكثير من الطلبة في السجون والمعتقلات.
كما أن أهالي المدينة جميعا، من مثقفيها وعوامها، رجالها ونسائها، كانوا يأتون إلى الزيارة ومن جميع الأحياء حفاة الأقدام، وهذه الظاهرة اختفت تدريجياً، وقد يكون للنظام البعثي الدور البارز باختفائها.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat