كان اكتشاف الحضارة السومرية في جنوب العراق، هو المفتاح السحري الذي حل أغلب ألغاز التاريخ، فكشف عن بداية التاريخ الذي خط أول حرف له في بلاد سومر، المعجزة السومرية تأتي من التراث الهائل من الوثائق والمكتبات الكاملة التي تم العثور عليها والتي كانت تروي قصة بزوغ كلمة التأريخ أول مرة، مع السومريين انعطف التاريخ الإنساني وظهرت العصور التاريخية (العصور قبل التاريخية هي العصور قبل اختراع الكتابة )، التي ضجت فيمها بعد بالحضارات والمدنيات المختلفة للجنس البشري، التاريخ السومري يبدأ قبل الطوفان، ويظهر بعد الطوفان بقوة، وهو يحمل مشعل الكلمة والحرف للعالم، أول شعب يؤرخ لحادثة الطوفان، ويعطي ثبت محفوظ لسلالات الملوك الذي حكموا قبل الطوفان، كتبوا تاريخ الطوفان في ملحمة كلكامش الشهيرة،التي تحدثت عن زيوسدرا (الرجل الذي يعرف كل الأسرار)، والذي ظهر باسم أوبانشتم في البابلية، واتراحاسيس في أسطورة منفصلة في الآشورية، ونوح في التوراة، هو الذي بنى السفينة لينقذ أتباعه من الطوفان فكانت عقائدهم ومعرفتهم وتدويناتهم المدهشة، هي الأساس الذي اقتبست منه التوراة كتاباتها، فكان اكتشاف اللغة المسمارية وتاريخ هذا الشعب هو طعنة حقيقية في مصداقية الكتاب التوراتي، الذي كتب في أرض الرافدين عند السبي البابلي الثاني، وهكذا تأكد أن قصص التوراة (الطوفان، ادم وحواء، خلق حواء من ضلع ادم،أيوب، الجنة، النار، الطقوس، الأناشيد) أكثرها اقتباسات من تاريخ سومر لذلك يوم توصل أوبرت عام 1869 إلى اكتشافه الخطير بأن هذه اللغة هي لغة قوم هم (السومريين) وأنها تشير إلى الحضارة التي أسست مفتتح التاريخ وعلى أساسها قامت حضارات وادي الرافدين.. صرخ بوجهه اليهودي (جوزيف هاليفي) مرعوباً بأن لا شعب غير الشعب السامي قد بنى حضارات العراق ، تتفق أراء المؤرخين بأن الكتابة اكتشفت لأول مرة في بلاد سومر في منتصف الألف الرابع قبل الميلاد، وانفتحت معها آفاق عظيمة كانت أساس كل الحضارات بعد سومر.
يقول الدكتور (خزعل الماجدي) مؤرخ الأديان والحضارات القديمة، في مقدمة كتابه متون سومر: (تزداد، مع تقادم الزمن، قناعة الباحثين والمؤرخين بأن كلّ ما ورثناه من نواميس حضارية وثقافية وفنية وروحية يعود في أصوله إلى البذور السومرية التي هي أقدم بذور حضارة الإنسان وثقافاته في مطلع ما يسمى بـ (العصور التاريخية ) ، ويقول في الصفحة 15 من عين الكتاب: (أن الحضارة اليونانية لم تكن لتتحقق لولا ظهور حضارات بشرية بعد سومر كالحضارات المصرية والبابلية والآشورية والعيلامية والفارسية والهندية والصينية والكريتية والحورية والحيثية والكنعانية والفينيقية والآرامية واليمنية وغيرها...)، لاحظ كيف جاءت باقي الحضارات بعد الحضارة السومرية.
وفي السياق عينه، يذكر (جفري بارند) في كتابه المعتقدات الدينية لدى الشعوب: (أن ظهور الكتابة التي وجدت أوروك حوالي 3000 ق.م أظهرت مصدراً جديداً من الشواهد التي زودتنا بما يقرب من نصف مليون وثيقة مكتوبة على الطين، وكذلك بألواح الكتابة التي استخدمت العلامات المسمارية مما جعل من الممكن تتبع تطورهم الفكري حتى وصول الغزاة من الفرس والإغريق إلى هذه المناطق).
ولقد طور السومريون خلال الألف الثالثة قبل الميلاد، وجهات نظر كان لها تأثير هائل لا على معاصريهم من السومريين الأوائل فحسب، بل على خلفائهم أيضاً من البابليين والآشوريين والحيثيين والعيلاميين وسكان فلسطين (أي الفينيقيين) من الشعوب المجاورة.
ويقر ميرسيا إلياد، في كتابه، تاريخ الأفكار والمعتقدات الدينية، الفصل الثالث وهو يفتتح الفصل بمقولة هي بالأصل عنوان لكتاب عالم السومريات الشهير نوح صاموئيل كريمر (التاريخ يبدأ من سومر ) مؤيداً له في هذا الرأي الذي أصبح عنواناً لكتاب كريمر، يقر بصعوبة تحديد أصول الشعب السومري وذلك لأنه شعب يتكلم بلغة غير سامية، لا يمكن إيضاحها بأي عائلة لغوية أخرى معروفة .
يقول الدكتور فراس السواح في كتابه (مغامرة العقل الأولى عن الثقافة السومرية) يقول في مقدمة الكتاب "ولقد كان للثقافة السومرية تأثير كبير على ثقافة الشرق الأدنى القديم، فهي التي أعطت المنطقة الخط المسماري الذي غدا واسطة الكتابة لدى جميع شعوب المنطقة، وهي التي طورت منذ الأزمنة السحيقة، مبادئ دينية وروحية، ظلت سائدة فترة طويلة من الزمن، حتى وصلت تأثيراتها إلى الثقافة الإغريقية في الفترات المتأخرة جداً، وهي من وضعت أولى الملاحم الشعرية، وأولى التراتيل الدينية، والقصائد الدنيوية، والتشريعات والقوانين والتنظيمات المدنية والسياسية .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat