الوعد الإلهي باستخلاف الإنسان في الأرض كجوهر الوجود، ومن ثم تمكينه فيما لو عمل صالحاً لخدمة الإنسانية من أجل تحقيق آمالها وطموحاتها بأن يعيش الناس أحراراً. لقد أكد القرآن الكريم بخطابه الإنساني الجليل: (وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) المائدة: 9، ويستبدل الباري (عزّ وجل) خوفهم أمناً واطمئناناً، وتحقيق المجتمع الصالح، بوراثة الأرض كما ورثها الأنبياء من قبل.
فالتوحيد الحقيقي، وإتباع دعوات الرسل والأنبياء تدعو إلى الصفاء والوئام والسلم والسلام العالمي، ومن خلال المشروع المهدوي الإنساني يصل صوت الإمام العدل المنتظر إلى أرجاء الإنسانية، لتؤمن بدعوته التي هي استمرار لمنهج السلف الصالح من الأنبياء، والأولياء، ويتحقق الأمن والسلام، وتخلو الأرض من الرذيلة، وتعم الفضيلة.
إن تحقيق الاكتفاء الاقتصادي، والزراعي، والصناعي، مع الإيمان العميق يشعر الإنسان بحلمه الضائع من فردوس الأرض المفقود طيلة تأريخ البشرية، فالاستقرار الاجتماعي رديف للاستقرار الاقتصادي، فتوزيع الثروة العادل يلغي التفاوت الطبقي، فيجعل الناس سعداء بما يملكون، وينتفي الفقر والفاقة والعوز، وينتفي الحرمان والقهر في دولة العدل الإلهي، حينما يستخلف بقية الله في أرضه، ليتنعم الجميع بظلاله الوارفة التي تغدق خيراً ومسرات على المستضعفين بالأرض بإحقاق الحق.
إن جميع النظريات الاقتصادية لم تحقق العدالة الاجتماعية، بل خلقت تفاوتاً طبقياً بين أفراد المجتمع، عن طريق استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، وامتهان كرامته وتقييد معصمه، من أجل الربح وتوسيع دائرة الثروة وجمعها بالشكل الفاحش، فيتولد اليأس والإحباط من التغيير.
فالإعلام الهادف ينبغي أن يشيع الانتظار الايجابي، والإعلام المهدوي الإسلامي يبعث في القلوب الحائرة الكسيرة الطمأنينة والبشارة القادمة التي تمدُّ النسغ الروحي بالتفاؤل العميق، والقضاء على مارد اليأس والإحباط والقنوط؛ بسبب انتشار الانحراف والظلم والفساد الإداري والمالي والأخلاقي. فعن الإمام الباقر (ع) قال: (يقاتلون والله حتى يوحّد الله ولا يشرك به شيئاً) (بحار الأنوار: للعلامة المجلسي: ج 52/ ص 345).
وعن أبي بصير أنه سأل الصادق (ع): فما يكون من أهل الذمّة عنده؟
قال: يسالمهم كما سالمهم رسول الله، ويؤدّون الجزية وهم صاغرون) (بحار الأنوار: للعلامة المجلسي/ ج52/ ص381).
فتحقيق الإصلاح من حيث وجد الفساد، يتم عن طريق التمكين الإلهي بالاستخلاف.
والتمكين الإلهي يتم بعد نصرة الإمام بالانتظار الايجابي، ووجود القادة (313) يناصرونه بعدد أصحاب بدر، لينتصر الحق ويدحر الباطل، بعد أن تستنفد النظريات الوضعية كل تجاربها، فاشتراطات الحلم الإنساني يحققها الأمل الموعود، ويحقق الله سبحانه وتعالى إرادته عن طريق أوليائه المخلصين، والتكليف الشرعي ليس الصمت على الظلم، بل مقاومته ونقده، فالإعلام يهيئ للإصلاح بالنطق بالحق، كما جاهد العلماء والأبرار وتضرجوا بدمائهم لمقاومتهم الفساد ومجابهة الطغاة، ومطالبتهم بالإصلاح، قال تعالى: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ) الأنفال:60، لذلك أكد النبي وآل البيت وجميع الفقهاء على الجهاد في سبيل العقيدة، وحفظ المجتمع، والدفاع عن الحقوق، ونصرة المظلوم، ومقاومة الطغاة.
وهذا سيد الجهاد وسيد الشهداء الإمام الحسين بن علي (ع) الذي قدّم أروع نموذج في التأريخ الإنساني بتضحيته في سبيل الله وسبيل الحق، ومقاومة الباطل، والدعوة للإصلاح، يروي عن جده النبي (ص): (من رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرام الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة رسول الله (ص)، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيّر عليه بفعل ولا قول، كان حقاً على الله أن يدخله مدخله) (الكامل في التأريخ: ابن الأثير: ج4/ ص48 ط بيروت).
الإعداد الشعبوي للقواعد الشعبية بالتعبئة الإعلامية الموجّه التي تربط الأمة بإمامها العادل، سيمكن لها بالاستخلاف لهداية البشرية، وانتشالها من دياجير الظلمة، فالفساد ظلام والإيمان نور، فإرهاصات التغيير والصيرورة الحضارية تنير الدرب بشعلة الإمام الموعود الذي سيحقق حلمها الطويل.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat