صفحة الكاتب : كاظم فنجان الحمامي

من يسعف أدباء البصرة ؟؟
كاظم فنجان الحمامي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

الأديب والشاعر البصري الكبير حسين عبد اللطيف، هذا الاسم الكبير اللامع في عالم الفكر والإبداع, صاحب القصائد الجميلة, وصاحب الكلمة الحرة الصادقة المعبرة, صاحب الصمت والوقار, صرعه مرض السكري, ولم يستطع السير بقدمه المهددة بالبتر, لم يطلب مني الكتابة عنه لاستعطاف أحد, ولم يطلب من غيري الذود عنه, فهو شديد الحساسية, واكبر من كل المسميات, ولا يرتجي خيرا من الذين خذلوا قبله السياب وتركوه وحيدا في مشواره الأخير, فرافقه المطر, يشيعه إلى محطات الحسن البصري, خذلوا السعيدي (عطا), والسعيدي (يعرب), واضطهدوا الأحمدي (كاظم), وتنكروا لعبد الرزاق حسين. .

أكمل حسين عبد اللطيف عقوبته الشاقة في القرى البعيدة والضواحي النائية من دون أن يتذمر من تنقلاته اليومية المرهقة بين مدارس القصب والبردي في ظلمات الأهوار والمستنقعات الجنوبية, عاش متعففا في البصرة من دراهم راتبه التقاعدي الشحيح من دون أن يتزلف لأحد, لأنه لم يكن من أصحاب الوجوه السبعة. .

تسلح بالصمت والصبر تحت وطأة الانقلابات المتعاقبة, ونكبات الحروب المتوالية, كان شاهدا على الأنهار النازفة من جسد ذات الوشامين, لكنه ظل رافضا للعنف والقتل والإلغاء, ورافضا لحروب الآلهة, ورافضا جنون الطوائف والمذاهب, ورافضا التحزب والتعصب والظلم. .

يرقد اليوم على فراش المرض, في مواجهة جيوش السكري, التي تسللت إلى أطراف قدمه, ومما يزيد الألم في حالة هذا المفكر الصابر, إن المؤسسات الثقافية العراقية لا تريد (على ما يبدو) أن تمد له يد العون, وربما لا تدري بما آلت إليه أحواله الصحية, في حين لاذت منظمات المجتمع المدني بالصمت المطبق وكأن رعاية الأدباء والشعراء لا تعنيها وليست من واجباتها. .

المشكلة ان شاعرنا ينتمي إلى فئة منعزلة من المثقفين, من الذين لا يعرفون كيف تجمع الأموال, ولا يعرفون كيف تدخر الدراهم, ولا يجيدون أساليب (اللغف), ولطالما اعترف السياب في غربته بفشله بجمع المال, فقال:

مازلت احسب يا نقود, أعدكن وأستزيد

مازلت أنقص, يا نقود, بكنّ من مدد اغترابي

مازلت أوقد بالتماعتكن نافذتي وبابي

وا حسرتاه متى أعود إلى العراق

وهل يعود من كان تعوزه النقود ؟

وكيف تدخر النقود ؟

مات السياب في المرافئ البعيد في اليوم الذي قررت فيه (مصلحة الموانئ العراقية) إجبار أسرته على إخلاء داره في المعقل, فحملوا نعشه في طريق يؤدي إلى مقبرة الحسن البصري في يوم ممطر, وعادت أسرته إلى (جيكور) في طريق آخر, فأرسلت مفاتيح الدار الحكومية إلى (المصلحة). .
يرقد اليوم حسين عبد اللطيف, وعطا السعيدي على فراش المرض, غير قادرين على تدبر تكاليف العلاج, ويقبع الأديب الكبير عبد الرزاق حسين في صومعته القديمة في أزقة حي (الخليلية) بالبصرة, غير قادر على تحسين أوضاعه المعيشية البائسة, ويعتكف الأستاذ إحسان وفيق السامرائي ببيته القديم في العباسية, غير قادر على تدبير تكاليف طباعة مخطوطاته الأدبية, في حين يقف العراق اليوم بقوته النفطية العظيمة خارج التغطية. .
في العراق لا يهم أن تكون مفكرا مرموقا, ولا أديبا بارعا حتى تلقى الرعاية والعناية, المهم أولا أن تكون منتميا للكيانات الحزبية المسيطرة على مصادر القوة والسلطة والمال, وليس المهم ما تحمله من عبقرية ومواهب ومهارات وقدرات أدبية أو علمية حتى تنعم بالعيش الرغيد, المهم كيف تستفيد من ذكائك في التسلل الى المناصب العليا والمراتب الرفيعة, وليس المهم أن تكون صادقا في تعاملك مع الناس, مستقيما في سلوكك الاجتماعي, حريصا على مستقبل بلدك, المهم أن تجيد التملق والتزلف, وإلا بماذا تفسرون اختفاء الكاتب (عبد الحسين الغراوي) من شقته الكئيبة في العشار ؟, وكيف غادرنا القاص الكبير (محمود عبد الوهاب) ؟, وبماذا تفسرون الأوضاع المزرية لأدباء البصرة ؟, وبماذا تفسرون هذا الفقر المدقع الذي يطاردهم اليوم, ويضيق عليهم الخناق ؟؟. .

عاش (محمود عبد الوهاب) وحيدا في شقته بقرية (مناوي باشا), لم يجد من يلجأ إليهم في أيامه الأخيرة بعد الثمانين, غير القاص الكبير (محمد خضير), والكاتب الملهم (جاسم العايف), كان في أمس الحاجة إلى من يعتني به في شيخوخته, فاختار بيت (العايف). .
اعتنت به الحاجة (أم وضاح) زوجة (العايف), فوفرت له هذه المرأة البصراوية الأصيلة العناية والرعاية على الرغم من ضعفها وعجزها, مكث عندهم بضعة أيام, ثم غادرهم في رحلته الأخيرة إلى المستشفى التعليمي في الخورة, حيث فارق الحياة على ضفاف شط العرب, تاركا وراءه عصاه التي يتكأ عليها, وقصيدة ختامية, طبعها له الشاعر البصري (كاظم اللايذ), كانت بعنوان (الحب في زمن العافية). .

في البصرة يعيش تجار الخردة والسكراب في أرقى المنتجعات والفلل, ويختفي أدباؤها بالطريقة, التي رحل فيها آخر رجال الموهيكانز, أو يموتون وحدهم ليلتحقوا بقافلة مالك بن الريب. .
يرقد (حسين عبد اللطيف) في بيت مؤجر في حي العباس من ضواحي (الحيانية), وينام (السعيدي عطا) في كوخه القديم قرب مكبات القمامة في (الحيانية) أيضا, بينما يجلس عبد الرزاق حسين على حصيرة البردي في درابين (الخليلية).
فهل صارت (الحيانية) و(الخليلية) هي المنافي الأخيرة لأدباء البصرة ومثقفيها ؟؟, وهل أعلنت البصرة رسميا تخليها عن أدبائها ومفكريها, وأبدت اهتمامها بذوي القبعات البرتقالية من العاملين في شركات الاستثمار النفطي, ومن الباحثين عن أنهار المال في حقول الذهب الأسود ؟؟. .

 

راح أموت من القهر


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


كاظم فنجان الحمامي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/04/05



كتابة تعليق لموضوع : من يسعف أدباء البصرة ؟؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 4)


• (1) - كتب : ابو احمد ، في 2012/04/09 .

بسمه تعالى
اعتذر للاخ الحمامي وللاخوة القراء لاني اخطأت في كتابة الاية القرآنية والصحيح (ولا يلدوا ) وليس (ولن يلدوا ) لذا وجب التصحيح والتنويه وشكرا

• (2) - كتب : ابو احمد ، في 2012/04/09 .

بسم رب السموات والارضين
شكرا على سعة صدرك وردك السريع
ولكنك عدت لتخلط الاوراق ...وما هذه الثوابت التي ترتكز اليها الا باطلة لانك تساوي بين الضحية والجلاد بين القاتل والمقتول ....
الابداع !!!! ما هذا يا اكابتن كاظم الا تعلم ان يزيد بن معاوية من فحول الشعراء؟؟!!
نعم يجب ان نفرز ولكن ليس على طريقتك ليس الفرز على اساس الانتماء الحزبي او الطائفي او العرقي ..فلا يساوى اجرام البعث بأخطاء هنا وهناك...ولا يمكن ان نترك المجرم طليق يعيث فسادا ونتغافل عنه لمجرد انه اصيب بالسكر بل ونطالب الضحايا ان يعطوه اكثر مما يستحق
قنل ان نطالب لهؤلاء هل اعطينا ووفينا جزء من حقوق الضحايا ..وانت كما تقول من الضحايا هل اخذت ولو اليسير من حقوقك ..كيف ستعوض والدتك التي فقدت ابنها وبماذا تعوض ؟؟؟ عودة الى الارشيف يا استاذ كاظم عودة الى الضمير والعقل والمنطق عودة الى المقابر الجماعية وارشيف السجون الرهيبة والزنازين ودوائر الامن والفدائيين والرداحين امثال عبد الرزاق عبد الواحد ورعد بندر وعلي الامارة وحسين عبد اللطيف وغيرهم الكثير....الدعوة للسلام والتسامح والمحبة والالفة ليس مع هؤلاء انما ندعو للخير والمحبة والسلام مع كل ابناء شعبما بأستثناء البعثيين
( قال نوح رب لا تذر على الارض من الكافرين ديارا @ انك ان تذرهم يضلوا عبادك ولن يلدوا الا فاجرا كفارا)
وانا ادعوا ربي ( ربي لا تذر على الارض من البعثيين ديارا انك ان تذرهم بضلوا عبادك ولن يلدوا الا فاجرا كفارا)
وادعوك اخي العزيز ان لا تختلط الامور عليك وان تفرز البعثي فقط وفقط وشكرا والسلام


• (3) - كتب : كاظم الحمامي ، في 2012/04/08 .

شكرا لم يا سيدي الكريم على هذه المداخلة

كثيرا ما تواجهني هذه التساؤلات وتنهال عليّ الأسئلة حول ضرورة فرز هذا الكاتب من ذاك بذريعة انه كان ينتمي الى الحزب الفلاني أو المنظمة الفلانية
قبل بضعة ايام كتبت مقالة طويلة في ذكرى استشهاد سيدي الشهداء الحسين عليه السلام, واستشهدت ببضعة أبيات من رائعة عبد الرزاق عبد الواحد فانبرى فنان مغترب (البستاني) يسكن في امريكا, وحاول الانتقاص من قدر الشاعر بذريعة انه كان شاعر للسلطة
والحقيقة انني ام اكن انظر الى هذا الجانب بقدر ما كنت انظر الى الجوانب الابداعية في القصيدة
وهذا ما سرنا عليه في قراءتنا للشعر العربي بوجه عام من دون ان نلتفت الى قرابة ذاك الشاعر من القصر الأموي او العباسي او من الباب العالي في الاستانة
وها نحن نعيد الحديث نفسه عندما تصدينا لأزمة الأدب في البصرة وكأننا بحاجة الى اعداد قائمة مسبقة نفرز فيها الشاعر البعثي من الشيوعي من المستقل من غيره
أنا يا سيدي تعرضت الى الاذلال والاضطهاد منذ ولادتي وحتى هذه الساعة
والدليل على ذلك انك لو كتبت عبارة (من ذوي المجرمين) على شبكة الدولية لقالت لك الشبكة الدولية انه (كاظم فنجان) وفقدت على يد البعث اعز اشقائي, وكنت تحت المراقبة طيلة خدمتي العسكرية
لكنني مازلت اشعر انني اكبر من البعث واكبر من التصنيفات الحزبية والفئوية
لانني انتمي الى الدوحة المحمدية السامية فوق كل الولاءات الدنيوية
ولست بحاجة الى ولوج هذه الدوامة المرهقة
وندعو الناس كلهم لإرساء قواعد العدل والإنسانية والتسامح والتلاحم والتواد
وهذه هي المفردات التي آمنا بها منذ زمن بعيد قبل ولادة الأحزاب والمنظمات


• (4) - كتب : ابو احمد ، في 2012/04/08 .

بسمه تعالى شأنه
كثيرا ما يمتعنا كاظم فنجان بكتاباته وبالمعلومات الغزيرة وكثيرا ما يشطح ويخلط الحابل بالنابل واذا احسنا الظن به نقول عن غير قصد .. هل ان الادب هو ان يمسك الانسان قلمه ويسطر السطور ويرتبها ام ان الادب موقف وكلمة حق.. ولا ادري كيف جمع حسين عبد اللطيف واحسان السامرائي بالشرفاء من الادباء اصحاب المواقف ... هنا قد اعذر الحمامي لانه لا يتحسس من البعث ...ولو انه اقتيد مرة الى منظمة حزبية كان رفيقها السامرائي احسان او افنان او ابعده عبد اللطيف من اتحاد الادباء بحجة انه معاد للظرورة والحزب والثورة واعطى اسمه لاياد عبد المجيد لكان كاظم احجم عن خلط الاوراق
الاخ الحمامي اما ان تدقق بمعلوماتك قبل ان تنشرها او نسيء الظن بك ونقول متقصد لخلق ضبابية على القاريء لصالح قذارة البعث !!!
اتق الله فما من جريمة تساوي ان يكون المقصود بعثيا وما من قذر مثل قذر البعث ومن تلوث به لم يبرأ ولم يطهر الى يوم الدين والسلام





حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net