صفحة الكاتب : فاطمه الركابي

مُسلِمٌ بن عوسجة ووصيةُ النفسِ الأخير
فاطمه الركابي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

عندَما يَنجذبُ القلبُ إلى مصدرِ النورِ الإلهي، نور من أجابَ لما سُئلَ عن أولِ شيءٍ خُلِق؟ قال (صلى الله عليه وآله): "نور نبيك يا جابر، خلقَه اللهُ ثم خلقَ منه كُلَّ خير"(١) لن يَنفكَّ ارتباطُه عنه، وإنْ رحلَ صاحبُه ببدنِه إلى الرفيقِ الأعلى، بل سيَظلُّ مُرتبطًا بامتداداتِه التي خَصّها (تعالى) بإدامةِ نورِه المُتجلّي في هذا الوجود.
وهكذا كانَ قلبُ مسلمٍ بن عوسجة فقد انجذبَ لنورِ النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله) وتتبَّعَ آثارَه التي امتدّتْ في سِبطِه وريحانتِه الإمامِ الحسين (عليه السلام)؛ إذ كانَ للإمامِ الحُسينِ (عليه السلام) حواريًا بدرجةٍ أعلى وأسمى من حواريي النبي موسى (عليه السلام)، إذ قال (تعالى) فيهم: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللهِ آمَنَّا باللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (آل عمران :٥٢)، أي إنّهم لبّوا نداءَ النُصرةِ لما طُلِبتْ منهم، على حين مسلم بن عوسجة كحواري للإمامِ الحسين (عليه السلام) فقد أُسقِطَ عنه تَكليفُ النُصرة، لكنّه أبى إلا أنْ يَتشرّفَ بُنصرةِ إمامِه، يُفدّيه بنفسِه، ويُقتَلَ دونه.
هكذا تَمحورَ بكُلِّه حولَ إمامِ زمانِه حتى ذابَ فيه، فلم يَرَ لوجودِه وجودًا دونَ أنْ يكونَ إمامُه موجوداً، بل هو كانَ يُدرِكُ ببصيرةٍ نافذةٍ أهميةَ وجودِ الإمامِ الحسين (عليه السلام) لبقاءِ نورِ قلوبِ المؤمنين، ولإحياءِ قلوبِ الغافلين؛ لذا لم يكتفِ بأنْ يفتديَه بنفسِه، بل أوصى رفيقَ الولاء وشيخَ الأنصارِ حبيبَ بن مظاهر (رضي الله عنه) أنْ لا يُقصِّرَ في حِفظِ سلامةِ إمامِه، كما وردَ أنّه لما دنا منه في آخِرِ لحظاتِه، قالَ حبيبٌ: "عزَّ عليَّ مصرعُك يا مسلم! أبشِرْ بالجنة! فقالَ له مُسلمٌ قولًا ضعيفًا: بشّرَكَ اللهُ بخير، فقالَ له حبيبٌ: لولا أنّي أعلمُ إنّي في أثرك لاحقٌ بك من ساعتي هذه لأحببتُ أنْ توصيَني بكُلِّ ما أهمّكَ حتى أحفظَكَ في كُلِّ ذلك بما أنتَ أهلٌ له في القرابةِ والدين، قال: بل أنا أوصيكَ بهذا رحمِكَ اللهُ، -وأهوى بيدِه إلى الحسين-، أنْ تموتَ دونه! قالَ: أفعلُ وربّ الكعبة"(٢).
حقًّا، كانَ هذا الصحابيُ اسمًا على مُسمّى؛ فقد عاشَ معنى التسليمِ الحقيقي في اتباعِ حُجَجِ السماء، فهو كانَ ينشدُ القُربَ من النورِ بَعدَ النورِ لينالَ بذلك الحُسنيين: الانتصار على النفسِ كي لا تَحيدَ عن الصِراطِ المُستقيم، والشهادة لبلوغِ مُرافقةِ الصِدّيقين، وحَسُنَ أولئك رفيقًا..
كيفَ لا؟! وقد شهدَ له نفسُ إمامِه (عليه السلام) أنّه من الرجالِ الذين صدقوا وثبتوا على عهدِهم، إذ تلا عليه بعدَ مصرعِه قوله (تعالى): {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}(الأحزاب:٢٣).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) بحار الأنوار : ج ١٥، ص ٢٤.
(٢) الارشاد: ص ٢٣٧.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


فاطمه الركابي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/08/17



كتابة تعليق لموضوع : مُسلِمٌ بن عوسجة ووصيةُ النفسِ الأخير
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net