صفحة الكاتب : عبد الخالق الفلاح

الطائفية العلمانية و التأسيس الاستهلاكي
عبد الخالق الفلاح

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

إن غياب التأسيس الفكري والأخلاقي للحداثة وتقليصها إلى مكتسب تواصلي وفق التكنولوجية الحديثة المحضة والحديث عن العلمانية المزيفة في الوقت الحالي، قد تم أفراغها من قيمها الإنسانية، وحولتها إلى قشرة تستر ركامات البالية والهزيلة والتقيد بالتقاليد الماضية وأنماط الحياة الاستهلاكية ، لذا يأتي التشويش إزاء الكثير من المسائل والمقولات، كالمجتمع المدني والديمقراطية وحقوق الإنسان وغيرها، التي لا تنفصل بالتأكيد عن قضية الحداثة ذاتها رغم كونها هي خلقت مع الانسان ودافعت عنها الرسالات السماوية ، والنخب تتبنى هذه المقولات الحديثة، لكن بمعانٍ ومدلولات تقليدية مسلفنة نمطية، ولم تقترب بعد من هضمها واستيعابها وتمثل هذه المقولات بمضمونها المنسلخ دون أن تصل إلى نتيجة منطقية.

من هنا يمكن القول إن هذه النخب، في الأساس والعمق، ترفض الحداثة ومبادئها وأفكارها وقيمها، وتهرب منها باتجاه مزاوجة التقنيات أو المفاهيم أو الأهداف الحديثة مع الموروث الثقافي التقليدي في مركب مستهلك واحد عاجز عن السير خطوة واحدة إلى الأمام، “مطابقة التعبير للمعبر عنه في زمن التعبير، أما أصحاب المناهج التقليدية القديمة، فعلى الرغم من حملات أصحابها البليغة على الاستعمار الفكري والغزو الثقافي، ودعوتهم المستمرة إلى الأصالة، ولكن كانوا يصلون في المآل إلى التصالح مع الغرب الإمبريالي .

العلمانية من جانب المجتمع الشعبي فلديه حساسيّةً خاصّةً تجاه مفرداتها وموضوعها و يعود ذلك إلى ارتباط هذه الكلمة بسياسات النظم الاستبدادية التي حاولت تقديمَ نفسها على أنها انظمة علمانيّ، وهو في الحقيقة أبعدُ ما يكون عن العلمانيّة لأنه يعود إلى ارتباط المفردة، مثلما عمل عليها البعض من الساسة و إيصالها وربطها بمعاداة الى للدين سلبياً، وهذا الفهم لا علاقة له بالفهم الفلسفيّ والفكريّ للعلمانيّة الصحيح والذي هو في حالة من الغياب في الوقت الحالي، وبتجسيداتها السياسيّة والتي سميت بـ “العلمانيّة الطائفيّة”، وهي توصيفٌ لتفكير سطحي ومختزل لدى قطاعٍ من المنافقين والفضوليين على السياسة الذين يتستّرون بقشرة علمانيّة شكليّة ولا تتجسَّد في بيئتهم الحريّة واحترام حقوق الإنسان، وقبول الآخر والقبولُ بوجوده وبحريّته وهما أساس كلّ رؤية علمانيّة حقيقيّة، وبالتالي ليس ما يحدِّد علمانيّةَ فردٍ أو طرفٍ ما هو الفكر الذي يحمله أو الأيديولوجيّة التي يتبنّاها أو الدين الذي يعتنقه أو الطائفة التي ينتمي إليها؛ وإنما هو ذلك الإيمان الراسخ بحريّة الآخر المختلف.ومن الأخطاء الشائعة لديهم هو “فصل الدين عن الدولة،” ثم تُختزل بعدها إلى موقف ضدّ حجاب المرأة ومع حريّة الابتذال العقلي والفكري، وإلى التخوّف على فقدان هذه الأنغام التي يتيحها نظامُ الحكم المستبد. وهذا الفهم الخاطئ والسطحيّ يتكشّف في المآل الأخير عن قاعٍ طائفيّ لدى هذه الشخوص المدّعية بهذه السياسة، وعن موقف متعالٍ ومتعجرفٍ إزاء الآخر المختلف معه.

المواطنة منظومة حقوق مدنية وسياسية وحريات شخصية وعامة وواجبات مدنية والتزامات قانونية متساوية، ومشاركة في حياة الدولة ومؤسساتها ويعني إعادة كل ما هو مجيد في الحضارة الإنسانية الحالية إلى أصول متنوعة يعني الإقرار بوجود تناسل وتلاقح بين الثقافات الحية ، ويعني ضمناً أن الثقافة الإنسانية الحالية أساس لإعادة بناء الثقافات الخاصة. والقول بنسبيتها أو قابليتها للتفكيك والتجزئة، بما ينتهي إلى الأخذ ببعض هذه الحقوق، وإنكار وحجب بعضها الآخر.

ولذا تعني المواطنة العضوية الكاملة في الدولة السياسية، أي في الدولة الوطنية أو القومية، ولا فرق. إذ تصير المواطنة هي العلاقة الأساسية التي تربط بين جميع مواطني الدولة المعنية، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية والمذهبية والإثنية والطبقية وما إليها. ومن هنا تأتي أهمية مبدأ “حياد الدولة الإيجابي” إزاء جميع الأديان والمذاهب والأيديولوجيات والعقائد السياسية، وإزاء الانتماءات العرقية.

لا يمكن الحديث عن المواطنة إلا بالانطلاق من قاعدة إنسانية واعتماد معايير الأصالة في التعامل بها، لأن الإنسانية هي أساس الوطنية ورافعتها. فلا يمكن أن يعترف أحدنا بتساوي المواطنين في الحقوق والواجبات إذا لم يعترف أولاً بتساويهم في الكرامة الإنسانية.لكون الإنسانية والمواطنة صفتان لا تقبلان التفاوت والتفاضل؛ فليس من فرد هو أكثر أو أقل إنسانية من الآخر اذا كان يحمل صفاتها السليمة، وليس من عضو في دولة معينة هو مواطن أكثر أو أقل من الآخر إذا حمل هوية ذلك البلد بحكم القانون.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبد الخالق الفلاح
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2021/12/22



كتابة تعليق لموضوع : الطائفية العلمانية و التأسيس الاستهلاكي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net