ردًا على مقال خدوري بجريدة الحياة:"بدء الاستكشاف النفطي في الصومال" هل يبرر فشل الدولة إخفاق الحياة و د. خدوري؟
محمود محمد حسن عبدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
لن أكون بعيدًا عن الصدق حين أقول، أنني قد تعرضت لخيبة أمل كبيرة، من قبل القائمين على صحيفة الحياة اللندنية، وخاصة المشرفين على موقعها الالكتروني، حين تواصلت معهم بخصوص المقال الأضحوكة، المنسوب للدكتور وليد خدوري، وأقول منسوب لأن الرجل قامة كبيرة في الاعلام الاقتصادي، حاصل على الكثير من التقدير والتكريم، بفضل جهوده الاستثنائية في العمل الاعلامي الاقتصادي، فخروج مقال بذلك المستوى لا شك سقطة لا تليق بما حققه خلال تاريخه المشرف.
كان أن قد طالعتنا جريدة الحياة ـ النسخة الدولية ـ في موقعها، بمقال للدكتور وليد خدوري تحت بند النفط في أسبوع، بعنوان "بدء الاستكشاف النفطي في الصومال" ، مؤرخًا بيوم الأحد 15/04/2012 ليكون واحدًا من أشد السقطات الإعلامية والمعرفية دويًا للناشر والكاتب على حد سواء، نظرًا لكم المغالطات والأخطاء المؤسفة، التي كشفت عن عدم مهنية خطيرة في عمل المؤسسة والكاتب الذي نُسبت إليه المقالة، ولأن الصدف شاءت أن أكون قد أصدرت تقريرًا حول النفط في بلادنا الصومال، قبل صدور هذا المقال بعدة أسابيع، فقد كان من السهل حقيقة رصد كم الأخطاء الفادحة التي حملها المقال من عنوانه، حتى الفقرة الأخيرة، مرورًا بما اتضح من جهل بأبجديات الوضع في البلد المنكوب بالمشاكل، بقدر ما هو منكوب بالتعامل غير الحرفي معه، من قبل وسائل إعلامية عربية .
واعترافًا مني بمكانة دار الحياة والدكتور خدوري، فقد وجدتني ملزمًا، بان أحاول تدراك ما حدث عبر كشف المعلومات الخاطئة التي يزخر بها المقال من ناحية، وأن أعيد بعد ذلك صياغة مقال الدكتور خدوري، وأعاود محاولة تنبيه الجريدة بما حدث، رغم التجاهل البارد، الذي قوبلت به تعليقاتي على المقال، لحد أنه لم يتم نشرها، ونبدأ بالفقرات والأسطر التي تحمل المغالطات، من العنوان ونازلًا:
- يحمل العنوان "بدء الاستكشاف النفطي في الصومال" مغالطة تاريخية تحمل وجهين:
• أولهما : إن كان الكاتب يقصد "البدء" فعليًا، فقد بدأت اعمال الاستكشاف بتقرير صدر حول تسربات للزيت الخام، الذي كان ينز من صخور "طاقا شبيل" جنوب مدينة "بربرة" بتاريخ 1912، وبدأت أعمال الحفر والتحليل الكيميائي لما تم انتشاله من عينات سنة1918 .
• ثانيهما: إن كان الكاتب يعني إعادة استئناف أعمال الاستكشاف في القرن الحادي والعشرين، فقد كان البدء بذلك قبل تسع سنوات أي سنة 2003 ، وليس الآن كما دل عنوان مقاله.
- يقول الكاتب في الفقرة الأولى: أن البلاد مقسمة قسمين شمالي وجنوبي قسمهما هو بمعرفته، وذلك خلط بين واستخفاف بعقول القراء، فالبلاد يمكن الحديث عن مناطقها تبعًا لواحد من منظورين علميين تجاوزهما الكاتب بقلب بارد، وكأنما يريد أن يعيد اختراع جغرافية البلاد، أو أن يعيد صياغة الجغرافية السياسية لها، وكأنه عنصر فاعل من عناصر الفعل على الأرض دون أن ندري، فنحن هنا نعيد الأمور إلى نصابها عبر توضيع المنظورين الجغرافي والجيوبوليتيكي للبلد كالتالي:
• الأول وهو المنظور الجغرافي : تنقسم البلاد حسب الجغرافية إلى الشمال المرتفع، والجنوب المنخفض، إذ أن شبه جزيرة الصومال أرض هضبية في مجملها، يزداد الارتفاع في شمالها عن جنوبها، حيث تمتد المرتفعات الجبلية الشمالية من الغرب إلى الشرق وصولًا إلى أقصى شرق البلاد " من أرض الصومال حتى شمال أرض البونت"، حين تنخفض المناطق الجنوبية ـ من جنوب ولاية أرض البونت مرورًا بولاية غلمدق ـ وصولًا للأنهار ومستوى سطح البحر والسبخات في أقصى الجنوب.
• الثاني وهو المنظور الجيوبوليتيكي: تنقسم البلاد إلى نطاقين رئيسيين، نطاق "جمهورية أرض الصومال" التي أعلنت استقلالها من طرف واحد سنة 1991، دون اعتراف دولي حتى الآن بمساحة تقارب 123 ألف كيلومتر في الشمال الغربي، ونطاق الأراضي التابعة فعليًا أو اسميًا للحكومة الفيدرالية الانتقالية، إضافة للأراضي التي يدور فيها الصراع العسكري مع حركة الشباب المجاهدين، وتشمل المناطق التابعة اسميًا للحكومة الفيدرالية الانتقالية، ولاية أرض البونت/البونط أو "بونتلاند" في الشمال الشرقي، وولاية "غلمدق" في الوسط.
وفي حين أن جمهورية أرض الصومال لا ترتبط بأي صلة سياسية أو إدارية مع الحكومة الفيدرالية، فإن ولايتي بونتلاند وغلغدود تابعتان لسيادة الدولة الفيدرالية.
- في الفقرة الثانية يرتكب خطأً مؤسفًا، حين يعيد تعداد سكان البلاد، إلى ما كان عليه في منتصف السبعينيات، فبدلًا من أن يقدم للقارئ التقدير المعمول به اليوم، عن عدد السكان وهو تسعة ملايين نسمة، نراه يسوق أن عدد السكان ثلاثة ملايين ونصف المليون، وهو بالفعل عدد سكان جمهورية أرض الصومال الآنفة الذكر، والتي تقع على مساحة تقل عن ربع مساحة عموم الصومال.
- في الفقرة الثالثة يستمر الكاتب في الخلط بين الصومال عمومًا، وجمهورية أرض الصومال، فالعقد الذي يذكره تم توقيعه بين شركة "جاكا ريسورسز" و حكومة أرض الصومال، وليس مع الحكومة الفيدرالية الانتقالية كما يوحي نص الفقرة، حيث أن "بلوك 26" يقع في محيط مدينة هرجيسا عاصمة جمهورية أرض الصومال، وهو لبس قاده بالطبع فيما بعد لارتكاب المزيد من التخبط، في حديثه عن الأحواض الرسوبية، فمنطقة الشمال الصومالي تتشابه كثيرًا في تركيبها الجيولوجي، مع أحواض منتجة باليمن في الضفة الأخرى من خليج عدن ، أما ما يتحدث عنه حول الأحواض الأوغندية، فذلك يخص المناطق في جنوب الصومال، من شمالي منطقة النهرين والنزول جنوبًا، وكان الأصح الإشارة لأحواض كـ"أوغاكينيا" ، كما في إقليم"أوغادين" الصومالي بإثيوبيا وحوض "لامو" في جنوب الصومال وشمال كينيا الصومالي كذلك ، والتشابهات مع أحواض محيطية منتجة للغاز في المياه الإقليمية لـ"مدغشقر" .
- في الفقرة الخامسة يريد الكاتب إقناعنا بأن لديه معرفة "عميقة" في شأن البترول في الصومال، فيضعنا في حالة مؤسفة من الذهول لكمية المغالطات التي يسوقها للقارئ الذي يكاد لا يعرف شيًا عن الصومال والشرق الإفريقي، فيقع ناهيك عن ركاكة الصياغة في ثلاثة اخطاء فادحة:
• أولها: أن موزمبيق لا تحمل خصوصية تربطها بشأن النفط في الصومال، تستحق عليها الإشارة إليها من حيث التكوينات الروسبية والأحواض، التي تحمل خصائص الخزانات النفطية، فكان الأولى بالكاتب الحديث عما هو جارٍ فعليًا، من أعمال تنقيب حول جزيرة "مدغشقر" المحاذية لموزمبيق، بدلًا من حالة التهويم التي تضلل القارئ الذي قد يبحث في المسألة لاحقًا.
• ثانيها: أن شركة " أفريكا أويل كورب" الكندية ـ كانميكس سابقًا ـ ، سبقت فعليًا "جاكا ريسورسيز" في مجال الحصول على امتيازات التنقيب، لكنها أيضًا أتت لاحقة لشركة "رانج ريسوسيز" التي حصلت على حقوق التنقيب سنة 2005، ومن ثم قامت بإدخال "أفريكا أويل كورب" كشريك لها في أعمال التنقيب، وكان كل ذلك بعد أكثر من عقد ونصف، من تاريخ إعلان الشركات الكبرى السابقة، التوقف عن العمل نظرًا لعامل " القوة القاهرة" قبل سقوط النظام الحكام، وانهيار الدولة، فشركة "أفريكا أويل كورب" لم تقم بأي محاولة قبل بداية القرن الحادي والعشرين،وكان أول عقد لها قد تم توقيعه سنة 2007، أي قبل سبع سنوات فقط من " جاكا ريسورسيز" وليس قبل واحد وعشرين عامًا كما طرح الكاتب.
- في الفقرة السابعة يلتوي الأمر أكثر على الكاتب وقارئه حتى، فيلتبس المطروح بشكل يجعل من الصعب مجرد تفكيك القعدة التي أحاط بها الأمر، فيتحدث الكاتب عن جمهورية أرض الصومال، وهو جاهل تمامًا لجغرافيتها، فيجعل من دول تبعد عنها أكثر من ألف وخمسائة كيلومتر دولًا مجاورة كجمهورية كينيا، والحقيقة أن دول جوار جمهورية أرض الصومال هي جمهورية الصومال الفيدرالية ممثلة بولاية أرض البونت، وجمهوريتي جيبوتي وإثيوبيا، ولا أثر لأي حدود مع كيينا.
- في الفقرة العاشرة يعبر الكاتب عن جهله بسابقة استعانة الصومال بالبنك الدولي في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات ، لإرساء بنية قانونية تضمن شفافية عالية في أعمال الاستكشاف والتنقيب والاستخراج والعوائد، وكان كل ذلك في عهد الحكم الدكتاتوري!، وأن وثائق تلك الاتفاقيات لازالت بحوزة البنك الدولي، ويمكن الاستعانة بها، خاصة مع التحديث الذي جرى في أواخر العقد الماضي لقوانين الشأن النفطي، بعهد الرئيس الراحل عبدالله يوسف محمد ـ رحمه الله تعالى ـ .
- ويأبى الكاتب أن يتركنا دون أن يرتكب خطأً آخر، فخلّف لنا في الفقرة الأخيرة مغالطة حول عدد الآبار النفطية المحفورة بالبلاد عامة والتي هي أربعة و خمسون بئرًا مضافًا إليها البئران الإنتاجيان الذين تم حفرهما هذا العام مدعيًا أنها واحد وعشرون بئرًا فقط.... انتهى.
إنه يحق لنا مع كم المعلومات المغلوطة التي وردت في مقال واحد، أن نتصور مقدار المغالطات التي تسود الإعلام العربي حول بلدنا الصومال، وهو أمر لا عون لنا فيه إلا الله ـ عز وجل ـ، والغيورين على المهنية، الساعين للعمل بشكلي علمي سليم، فهل هناك عذر لمؤسستين مرموقتين كـ"دار الحياة" ونشرة "ميس"، ممثلتين بموقع الدار واسم مستشار النشرة، لنشر مقال يعد بحد ذاته كارثة معرفية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وهل سيكون الجهل او التجاهل عذرًا لهما لتقريرنا، الصادر قبل فترة وعلى ذلك فهو الوحيد باللغة العربية حول النفط في الصومال؟.
تساؤلات كثيرة تدور ليس فقط حول التعامل مع الشأن الصومالي، بل مع معنى المهنية الصحفية، ومصداقية نقل المعلومة ونشرها أمام مئات الآلاف من القراء العرب المتعطشين للمعرفة، فلا يبرر الإغراق في الحديث عن فشل الدولة الصومالية، والنكبات التي تصيب شعبنا، هذا الإخفاق المروع والسقطة الإعلامية والمعرفية المدوية، التي نحاول بجهدنا المتواضع هذا تداركها، وسنترك الأمر لكل من له غيرة على الحقيقة والمعرفة والمهنية، وعلى الله التوكل.
باحث وشاعر من الصومال
بريد إلكتروني : all.4.peace@hotmail.com
رابط التقرير 1 :
لتحميل تقريرنا :
تقرير مارس 2012: الذهب الأسود في الصومال - تقرير مفصل (111)
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
محمود محمد حسن عبدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat