الإنتظار .. السلبي والإيجابي
محمد حسن ال حيدر
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد حسن ال حيدر

من الأسئلة المهمة التي يجب أن يلاحظ كل فرد منا جوابها ويطبقه على نفسه هو :
كيف ننتظر إمامنا الحجة المنتظر (عجل الله فرجه الشريف)؟
أنجلس مكتوفي الأيدي نكتفي بالدعاء له ونمارس حياتنا الطبيعية (دنيويا ودينيا) ، ونترقب علامات الظهور فقط؟
أم يجب علينا أن نمهد لظهوره ونغير مجريات العالم سياسيا واجتماعيا واقتصاديا لنهيئ له العالم من أجل ان يقوده حين ظهوره المقدس؟
هاتين هما ابرز نظريتين في الانتظار وكيفيته، فأيهما أصح؟ وأيهما تخدم القضية المهدوية أكثر؟
مما لا خلاف فيه أن جواب هذا السؤال من وظيفة من أمرنا بالانتظار ووعدنا بظهور إمامنا، أعني النبي وأهل بيته (صلوات الله عليه وعليهم) ، فهل بينوا لنا ذلك؟
إن أدنى نظرة للروايات المعصومية في هذا الصدد يشعر بأنهم (صلوات الله عليهم) كانوا يدعوننا لنسق واحد من الانتظار وهو «كونوا أحلاس بيوتكم والبدوا ما لبدنا» (١)، و "الحِلس" في اللغة هو البساط البالي الذي يفرش في البيت تحت الأغراض الثمينة للحفاظ عليها، فهم (عليهم السلام) يريدون منا ان نلزم بيوتنا ولا نتحرك حتى نصل الى مرحلة من إهمال الناس لنا كأننا تلك البُسط المهملة التي بها يُحفظ أغلى ما عندنا (وهو ديننا) ، حتى اذا ظهر إمامنا المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) قمنا معه ونصرناه وذدنا عنه وأعنّاه على إقامة دولته العظمى ونشر العدل وإبادة الظلم.
ولا يظنن القارئ أنهم (عليهم السلام) يدعوننا الى الضِّعة والهوان والمذلة، حاشا لنا ولهم ذلك، بل انهم يدعوننا لأن نكون «كالنحل في الطير، ليس شيء من الطير الا وهو يستضعفها، ولو علمت الطير ما في اجوافها من البركة لم تفعل بها ذلك»، اي ان نقدّر ما نحن فيه من نعمة كبرى ومنّة عظمى، وهي أن نكون نحن حفظة الدين ورعاته والجماعة الصالحة التي يحتجّ بها الله على الأمم «والعصابة التي لا تضرها الفتنة شيئا»، و«الافضل من اهل كل زمان»، و«الذين يعدل اجر كل واحد منهم اجر خمسين من اصحاب رسول الله (صلى الله عليه واله)» ، و«المخلَصون حقا» ، و... الخ ، وإن لم يقدّر ذلك من أعمى بصره عن الحق فأعمى الله بصيرته. (٢)
واما من يذهب الى أن التمهيد للإمام (عجل الله فرجه) يكون بالحركات السياسية والسعي لنيل السلطة وما شابه ذلك فليس أكثر من «فرخ طار فوقع فتلاعبت به الصبيان» ، فهو يسعى لدور خص الله به خاتم الائمة المعصومين (عجل الله فرجه) ، ويخالف أوامر الائمة الطاهرين (عليهم السلام) وأفعالهم وسكوتهم وسكونهم ونهيهم عن الخروج لغير أهله وفي غير أوانه.
نعم فـ (الانتظار الايجابي) حقا هو السكون، وكتمان أسرارهم (عليهم السلام)، والتمسك بالتقية - فـ «كلما تقارب هذا الأمر كان أشد للتقية» - ، والتوجه للعبادات، «والورع ، والاجتهاد ، والطمأنينة» ، ومجاملة الناس ومعاملتهم بحسن الاخلاق، واقامة امور المعاش ، ومعونة المؤمنين ، وتقوية الأواصر بين المجتمع الايماني، والتمسك بالدين - فإن «المتمسك بدينه كالخارط لشوك القتاد بيده» - ، «والانتظار للقائم» (عجل الله فرجه)، والدعاء له (عجل الله فرجه) ، وانتظار علائم ظهوره المقدس، وتكذيب دعوى تخالف ما ورد عن آل البيت (عليهم السلام) في ذلك، والاستعداد القلبي والروحي والجسدي لنصرته.
«فإن مات» هذا المنتظِر «وقام القائم (عجل فرجه) بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركه» وقتل تحت رايته «بل والله تحت راية رسول الله (صلى الله عليه واله)».
و (الانتظار السلبي) حقا هو العمل بالسياسة (بمعناها السيء)، والسعي لاقامة الدول، وترك التقيّة، والاستعجال، فقد «كذب المتمنون وهلك المستعجلون ونجا المسلمون ، وإنَّ بَعد الغم فتحا عجيبا».
وفقنا الله وإياكم لانتظار وليه، وثبتنا على دينه، واشهدنا ظهوره، جعلنا ممن ينتصر به لدينه.
————————————
(١) ما بين اقواس التنصيص نصوص ومضامين الروايات الشريفة.
(٢) وقد دلنا اهل البيت (عليهم السلام) على ما ننال به العزة في المجتمع بالطرق الاقتصادية والاجتماعية ، من دون الدخول في معمعة السياسة وطلب الحكم ، والمقام يضيق عن بيان ذلك فمن اراد الاطلاع على ذلك فليراجع كتاب (النظام الاجتماعي للشيعة في عصر الغيبة) الذي قررت فيه محاضرات شيخي الوالد في هذا الصدد.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat