صفحة الكاتب : نزار حيدر

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ التَّاسِعةُ (10)
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

{فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ ۗ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ}.

إذا أَردنا أَن نُسلِّم بأَنَّ مسؤُوليَّة التصدِّي لفضحِ الكذَّابين الفاسدين كِفائيَّة وليست عينيَّة، أَي أَنَّها تسقُط عن الآخرين إِذا تحمَّلتها مجمُوعة {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَىالْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} فإِنَّ على الباقين [هؤُلاء الآخرين] أَن يحمدُوا الله على أَنَّ هُناكَ [بقيَّة] تتصدَّى للمسؤُوليَّة لتسقُطَ عنهُم،وإِلّّا فإِنَّ كُلَّ المُجتمع سيكونُ آثماً وشريكاً في فسادِ الكذَّابينَ وفشلهِم {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوايَعْتَدُونَ* كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}.

ولقد وضعَ القُرآن الكريم مِعياراً لتحديدِ المسافةِ بين الصِّدقِ والكَذِب فيمَن يتصدَّى لمسؤُوليَّة الشَّأن العام بقولهِ تعالى {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُاالزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} وهو المِعيار الذي تمشي عليهِ [البقيَّة] لفضحِ الكذَّابين.

فليسَ من الصَّعب أَن تعرفَ حقيقة أَيَّة مجمُوعة تتمكَّن من شؤُون الأُمَّة وفيما إِذا كانت تقُود المُجتمع بالإِتِّجاه الصَّحيح أَم الخطأ؟!.

وإِنَّ كُلَّ هذا الجِدال الذي نشهدهُ عند تقييمِ أَداء المُتصدِّين سببهُ الأَهواء وليس العقل والمنطِق، فلو تسلَّح المُراقب بأَدوات المعرِفة والتَّقييم الحقيقيَّة بعيداً عن تأثير الأَهواءوالمصالِح الضيِّقة والأَنانيَّة لما شهِدنا كُلَّ هذا الجِدال حدَّ الخِلاف والنِّزاع.

يقولُ تعالى في أَدواتِ المعرفةِ الحقيقيَّة بِلا أَهواء وميُول {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَىٰ قُلُوبِكُم مَّنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِهِ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ}.

إِنَّها الإِصغاء الصَّحيح {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} والرُّؤية الحقيقيَّة {قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ} والقلب السَّليم {إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَنْ كَانَ لَهُقَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}.

وبعكسِها ستكُونُ النَّتيجة {وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ ٱلَّذِى يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَآءً وَنِدَآءً ۚ صُمٌّۢ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ}.

فلو اختلَّ ميزانَ أَيِّ واحدٍ من هذهِ المعايير عندَ المرء لما ميَّز الأُمور وبالتَّالي فهو يقعُ في الخطأ فيبدأ بالتَّبريرِ هرَباً من المسؤُوليَّة!.

فهل يعلمُ هؤُلاء بأَنَّ الكذِب الذي يقودُ إِلى الفسادِ والفشَل هو أَحد أَهم أَسباب عدم تمتُّع المُجتمع بخيراتِ البلادِ التي وهبَها الله تعالى لعبادهِ؟!.

فبالكَذِبِ تُدارُ الدَّولة بالمشاريعِ الوهميَّةِ التي تهدر المال العام.

وبالكذبِ تُسرَقُ خَيرات البِلاد والميزانيَّات الإِنفجاريَّة.

أَلا ترَونَ أَنَّ مُجتمعاتِنا التي تمتلك كُلَّ أَسباب رغَد العيش والحياة الكرِيمة والتَّنمية والتطوُّر، لا تتمتَّع بكُلِّ ذلكَ وهي تعيشُ حياة البُؤس والتخلُّف والمرَض والأَميَّة؟!.

هل سأَلَ أَحدٌ لِماذا؟! لِماذا لا تتمتَّع الشُّعوب بخيراتِها؟!.

يقولُ تعالى {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}.

هذا من جانبٍ، ومِن جانبٍ آخر فإِنَّ الكذِب الذي يقُود إِلى الفَساد والفَشل والظُّلم يكونُ عادةً سبباً لصرفِ الله تعالى عبادهُ عن التَّفكير السَّليم الذي يأخُذهُم بعيداً عنالرُّشد المطلُوب في السُّلطةِ والحُكم.

يقولُ تعالى {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّيَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ}.

لِماذا؟! لأَنَّ جانباً من الكذِب خُداع كما في قولهِ تعالى {وَإِن يُرِيدُوا أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ ۚ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ}.

ولقد شاءَ الله تعالى أَن تكونَ الأُمور واضحةً لا لبسَ فيها، ومن أَجلِ أَن لا تختلطَ الأُمور عندَ النَّاس فتضيعَ المسؤُوليَّة وتالياً مبدأ الحِساب والعِقاب الذي هو بمثابةِ حجَرالزَّاوية في النَّجاحِ ضدَّ الفشَل {لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ}.

أَمَّا الكذَّابون الذين يُضلِّلونَ النَّاس فيسعَونَ إِلى تغييرِ هذهِ المُعادلة ولو بالإِرهابِ والعُنف، ولذلكَ يلزم التصدِّي لهُم وفَضحهم وتعريَتهم لإِسقاطِ مكرهِم وعدمِ تمكينهِم منتنفيذِ مآربهِم الدَّنيئةِ {وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ}.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/04/11



كتابة تعليق لموضوع : أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ التَّاسِعةُ (10)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net