العراق الماضي والحاضر وافاق المستقبل عبد الستار الجابري (16) سوريا في عهد الرئيس حافظ اسد
السيد عبد الستار الجابري
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
السيد عبد الستار الجابري
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
ظهر من بين ابناء الاقلية العلوية حافظ الاسد المولود في مدينة القرداحة انضم الى الكلية العسكرية وتخرج برتبة ضابط في سلاح الجو انضم منذ بدايات شبابه الى حزب البعث وكان ضمن الخط اليساري في الحزب، تدرج في المناصب العسكرية وفي ايام الوحدة بين مصر وسوريا كان من بين العسكريين الذين نقلهم عبد الناصر الى مصر وعاد الى سوريا بعد انهيار الوحدة، في حرب 1967 كان وزيراً للدفاع، تولى الحكم في سوريا سنة 1970 بعد انقلاب سلمي على الجناح اليميني في حزب البعث.
تجربة الاسد في الحكم ولدت لديه عدة انطباعات:
1. ضرورة ان يكون لسوريا دور ريادي على المستوى الاقليمي.
2. ان سوريا لوحدها لا يمكنها الوقوف في وجه الصهاينة المتفوقين من حيث العدد والعدة والدعم الاقليمي والدولي مع استقرار نظامهم السياسي واوضاعهم الاقتصادية، وكونهم جميعاً حكومة وشعباً يعيشون معركة وجود ضد الدول المحيطة بهم.
3. ان الكيان الصهيوني يحاول تفتيت الجبهة المعادية له، وان الدول المحيطة به مصر والاردن ولبنان تبحث عن مصالحها المحدودة، وان سوريا تعيش معه حرب وجود لانها تريد استرداد الجولان من موقع القوة، مع وضوح المخطط الاسرائيلي في قضية ضم الجولان وعدم اعادتها الى سوريا باي ثمن.
4. اتضح من حركة الصراع العربي – الاسرائيلي، ان الدول العربية ليست في مقام القضاء على اسرائيل، بل كل يريد الاحتفاظ بما يمكنه من مكتسبات وان كان ذلك على حساب الشعب الفسلطيني والشعوب المحيطة به، سواء في مصر او الاردن او لبنان، وان الحروب التي خاضها العرب ضد مصر لم تكن حروباً جدية سواءً حرب 1967 التي تمكنت اسرائيل فيها من ضم الجولان وسيناء والضفة الغربية لنهر الاردن ومنطقة شاسعة من جنوب لبنان، او حرب 1973 التي كان طرفاها سوريا ومصر وكانت مصر تلعب على حبل امريكا اسرائيل، فضلاً عن الخيانة الاردنية وخيانة بعض من في الداخل السوري.
5. تمكنت اسرائيل بواسطة الدعم الامريكي سياسياً وعسكرياً واعلامياً وامنياً واقتصادياً من التمدد في المنطقة اكثر وجر مصر الى اعلان سلام دائم مع اسرائيل والذي كان يجري التحضير له في السر منذ ايام عبد الناصر ولحق بهم في الركب ملك المغرب وملك الاردن وبعض الاتجاهات السياسية في لبنان.
6. ادركت القيادة السورية بعد اعلان مصر السلام مع اسرائيل وسعي اسرائيل وامريكا مع رغبة جامحة لدى الملك حسين وبعض الاتجاهات السياسية في لبنان الى السلام مع اسرائيل، ان الضامن الوحيد لبقاء سوريا قوية ومحورية في منطقة الشرق الاوسط هو التعاطي مع واقع المتغيرات السياسية الدولية، والاستفادة من التنافس الامريكي – السوفيتي في المنطقة، وقد اسهم ذلك اسهاماً كبيراً في الحفاظ على الكيان السوري من السقوط بسبب الضربات الاسرائيلية المتكررة، سواء في الهجمات المباشرة على سوريا او في الصراع على لبنان.
7. ادراك الاسد لطبيعة الصراع الاقليمي الدولي مكنه من التحرك المرن والمناورة الذكية وتحديد مواطن العلاقات الاستراتيجية والتكتيكية اقليمياً ودولياً، فصراع النفوذ بين المعسكرين الشرقي والغربي والارتماء الكامل لاسرائيل في الحضن الامريكي دفع الاسد الى بناء علاقات استراتيجية مع الاتحاد السوفيتي كان لها دور كبير في منع سقوط سوريا تحت ضربات اسرائيل المتوالية، كما ان معرفته بقلق العرب على عروشهم دفعه الى بناء علاقات متزلزلة مع الحكومات العربية مبنية على تحقيق المصلحة العليا لسوريا، وادراكه لضعف لبنان وامكان النفوذ من خلالها لفتح جبهة مع اسرائيل تمكنه من تخفيف الضغط على الجبهة السورية مكنه من القيام بمناورات عسكرية وسياسية اضفت الشرعية على وجود قواته في لبنان، وكانت علاقاته مع الاردن في مد وجزر بحسب مواقف الحكومة الاردنية من سوريا وما تقتضيه مصلحة العرش الاردني من مواقف حيث تارة يكون الملك حسين الى جانب اسرائيل ضد سوريا واخرى يعمل كعميل مزدوج يحاول اللعب في الساحتين لضمان امنه وسلامة عرشه، كما ان ادراكه ان السعودية تنظر بقلق لكل تقارب عراقي سوري او تقارب اردني سوري حيث كان يشكل هاجس القيادة السعودية منذ قيامها ومحاولة قيادات العراق والاردن تبني اطروحات لضم سوريا والعراق والاردن مع ما يشكله هذا الناتج من تهديد لأمن السعودية واستقرارها، لذا كانت تعمل دائماً على منع تحقق اي نوع من انواع الوحدة بين سوريا والعراق او بين سوريا والاردن.
8. اثبتت احداث 1982 ان المحيط العربي لا يمكن الوثوق به حيث دعمت الحكومات العربية حركة الاخوان المسلمين بالمال والسلاح والاعلام استغلالاً للحركة الاصلاحية التي تبانها الرئيس حافظ الاسد منذ توليه الحكم وتغيير سياسية الخط اليميني لحزب البعث السوري الى الانفتاح على الداخل السوري لبناء مجتمع سوري على اساس المواطنة الا ان الداخل السوري لمن يكن جميعه يؤمن بهذه الرؤية مما دفع الحركات المعارضة لحكومة البعث اليسارية التي يقودها الاسد الى اثارة مشكلة داخلية في سوريا مدعومة من حزب البعث في العراق الذي يقوده صدام حسين ومن السعودية وبلدان الخليج والاردن ومصر اضافة الى الدور الاسرائيلي والدور اللبناني والدور الغربي، فعاشت سوريا صراع داخلي مرير كاد ان يسقط نظام الاسد.
9. ادت حركة الاخوان المسلمين والدور السلبي للمحيط العربي والاجتياح الاسرائيلي للبنان الى تطورات سلبية سوريا ادت الى تخلي نظام الاسد عما انتهجه من محاولة الانفتاح على الداخل السوري الى العودة الى الدكتاتورية والقبضة الحديدية التي كان يتبناها اليمين البعثي، واستبدلت حركة الاصلاح باولوية الامن القومي لسوريا.
10. كان للدور العربي السلبي اثراً كبيراً في الاضرار بالاقتصاد السوري حيث اوقفت السلطات البعثية في العراق ضخ النفط عبر الانبوب العراقي السوري، وتم قطع العلاقات السياسية والاقتصادية مع سوريا، كما اوقفت الدول الخليجية مساعداتها المالية، وانتهى وهج محور مواجهة الكيان الاسرائيلي الذي ضم دول السودان وليبيا والجزائر بعد جنوحها نحو المعسكر الغربي.
11. تمكنت اسرائيل من اختراق الوضع اللبناني لتكون لبنان منطقة صراع اسرائيلي سوري، وبدلا من المواجهة المباشرة بين اسرائيل وسوريا اصبحت المواجهة بين اذرع اسرائيل في لبنان والاتجاهات السياسية المتحالفة مع سوريا هي الحالة البديلة، مما كلف سوريا ولبنان الكثير.
12. التصدع والصراع في الوضع الفلسطيني نتيجة تعدد ولاءات القيادات الفلسطينية بين البعث العراقي والبعث السوري ترك اثره واضحاً على العلاقات بين سوريا والفصائل الفلسطينية وترك اثراً كبيراً الواقع الامني في سوريا ولبنان، مضافاً الى اثره السلبي على الواقع السياسي والصراع السوري – الاسرائيلي.
13. على ضوء ما تقدم كانت الاطروحة السورية في الصراع مع اسرائيل تختلف باختلاف الظروف على الارض ففي الوقت الذي كانت مصر ضمن جبهة المواجهة كانت الرؤية السورية تحرير الاراضي المحتلة بالقوة وطرد اسرائيل واجتثاثها، وبعد مسارات السلام مع اسرائيل التي طبقتها مصر في عهد السادات اصبحت مطالبات سوريا في رجوع اسرائيل الى ما قبل حدود 1976، وبعد انهيار الجبهة العربية كاملة وعدم قدرة سوريا على ادارة كفة الصراع عسكرياً اصبحت تطالب بخروج اسرائيل من الجولان.
14. فهم القيادة السورية لواقع متغيرات اللعبة الاقليمية والدولية ومحاولة النظام السوري كسب ما يمكنه من مواقف وامكانيات، دفع النظام السوري الى الوقوف الى جانب قضية اخراج القوات العراقية من الكويت، الموقف الذي حظي معه بدعم اقليمي ودولي ومكنه من حفظ موقعه في لبنان وحصوله على مساعدات كبيرة من دول الخليج واعادة العلاقات مع الدول العربية، وبعد الحصار الشديد الذي فرض على العراق اعاد حافظ الاسد العلاقات مع العراق عند اعلان مشروع النفط مقابل الغذاء ليعود خط الانابيب النفطية العراقي السوري للعمل ولتصبح سوريا احد الموردين الاساسيين للبضائع للعراق، فترك ذلك انتعاشاً في الاقتصاد السوري وتحول العراق على سوق اساسي للبضائع والمنتجات السورية فضلاً عن الاثر الذي تركه تسويق النفط العراقي عن طريق الموانئ السورية واستمر الحال كذلك في عهد بشار الاسد حتى 2003 واسقاط امريكا لنظام صدام حسين حيث تم ايقاف تصدير النفط عبر الاراضي السورية وتوقفت الحركة التجارية والسياحية بين البلدين.
احداث مهمة في عهد حافظ الاسد
عاصر حكم حافظ الاسد العديد من الاحداث الدولية والاقليمية والداخلية المهمة، منها:
اولاً: موت الزعيم المصري جمال عبد الناصر الذي كان له دور سلبي كبير في ارباك الوضع في الدول العربية تحت نداءاته القومية الجوفاء التي تسببت في صراعات داخلية في المجتمعات العربية، كان دوره فيها داعماً احياناً على الصعيد الاعلامي او السياسي او المالي، كما هو الحال في العراق وسوريا ودول الخليج، واخرى كان بالاشتراك المباشر كما في اليمن، حيث كان اكثر من 50 الف مقاتل مصري يخوضون الحرب ضد الموالين للحكم الملكي في اليمن في ضوء صراعه على قيادة العالم العربي مع ال سعود، بينما كان الاولى به ان يحفظ تلك القوات للمنازلة مع اسرائيل، ولعل هذا يكشف عن الدور السلبي لعبد الناصر في الواقع العربي الذي اسهم في تفتيت الوضع العربي وضياع قدراته وطاقاته، ويكشف كذلك عن ان الحرب مع اسرائيل لم تكن من اولويات عبد الناصر، كما يكشف عن الدور التخريبي لعبد الناصر في القضية الفلسطينية وفي الصراع العربي الاسرائيلي، وتلى وفاة عبد الناصر صعود السادات الى القيادة المصرية والذي كان يسير على خطى عبد الناصر في المسار العربي الاسرائيلي والذي انتهى بخروج مصر عن دائرة الصراع بعد اتفاقية كامب ديفد. ثم اغتيال السادات على يد الاخوان المسلمين وصعود حسني مبارك الى دفة الحكم.
ثانياً: الحرب العربية الاسرائيلية عام 1973 التي خاضتها سوريا ومصر ضد اسرائيل والتي تمكنت القوات المصرية في من تحرير جزء من جزيرة سيناء وكان يمكنها التقدم اكثر الا ان الرئيس المصري انور السادات اوقف تقدم القوات المصرية والتي ادت في النهاية الى قبوله بشروط مذلة حيث كان يسير ضمن خطة سلفه عبد الناصر في الدخول باتفاق سلام مع اسرائيل وعدم ازعاج القيادة الامريكية، والتي ادت الى ترك الجيش السوري وحيداً امام القدرات الاسرائيلية، وتراجعه عن بعض الاراضي التي حررها من مرتفعات الجولان وقد اسهم دخول الجيش العراقي وموقف ملك السعودية فيصل من تقديم دعم جزئي للقوات السورية، ولكن التفوق عاد للقوات الاسرائيلية على الرغم من استماتة القوات السورية في الدفاع عن المكتسبات.
ثالثاً: سقوط نظام الشاه في ايران وقيام الجمهورية الاسلامية الايرانية التي اتخذت مساراً مخالفاً لمنهج الشاه اقليمياً ودولياً، حيث تبنت موقفاً مسانداً للقضية الفلسطينية واعتبرت الصراع مع اسرائيل صراع وجود ورفعت شعار اجتثاث اسرائيل، مع تحقق حركة اجتماعية - سياسية متأثرة بقيم الثورة الاسلامية في ايران سواء في الاوساط الشيعية او غير الشيعية في المنطقة فظهرت العديد من الحركات السياسية التي تبنت التحرك الاسلامي والتي ارقت الانظمة القائمة في الخليج والدول العربية بحيث دفعت تلك الدول النظام العراقي لشن الحرب على ايران في ايلول 1980، كما كان للثورة الايرانية موقفاً حاداً من امريكا وقام الشباب الثائر باقتحام السفارة الامريكية، فضلاً عن قطع العلاقات مع اسرائيل وتسليم مقر السفارة الاسرائيلية الى منظمة التحرير الفلسطينية، وفضلاً عن ذلك اصبح لايران دور كبير في دعم المقامة اللبنانية في وجه العدوان الاسرائيلي الذي تمخض عنه فيما بعد ظهور حركة حزب الله التي خاضت حروباً دامية ضد اسرائيل وحققت الكثير من الانجازات على الصعيدين العسكري والسياسي، وادرك الاسد منذ البداية اهمية العلاقة الاستراتيجية مع ايران فكان من اوائل الداعمين للجمهورية الاسلامية في ايران والنظام العربي الوحيد الذي ارتبط بعلاقات جيدة مع ايران منذ قيامها.
رابعاً: انهيار مسار الوحدة بين العراق وسورية الذي سعت له القيادات البعثية في العراق وسورية المتمثلة بـ البكر – الاسد عام 1979، بعد التغيرات في الواقع الاقليمي نتيجة انتصار الثورة في ايران ودفع المحور الامريكي - الاسرائيلي – الخليجي نحو تغيير قيادة الحكم في العراق وصعود صدام حسين بدلاً عن البكر الى سدة الرئاسة العراقية، ومن ثم اعلانه للحرب على ايران بعد اغرائه ان يكون له الدور الرئيسي في المنطقة بديلاً عن نظام الشاه فيما اذا تمكن من اسقاط النظام الايراني الجديد، الامر الذي ادى الى اندلاع الحرب العراقية - الايرانية التي دامت ثمان سنوات فقد العراق فيها ما يزيد على المليون بين قتيل وجريح مع انهيار اقتصادي تام بعد ان كان العراق قبل الحرب بفضل ارتفاع اسعار النفط من اقوى اقتصاديات المنطقة والدولة العربية الاولى لإمكانياته الاقتصادية والبشرية، فعاد العراق بعد الحرب دولة مدينة وغير قادرة على دفع رواتب موظفيها، وفي فترة الحرب العراقية - الايرانية وحتى فرض الحصار على العراق بعد غزو الكويت واعادة العلاقات بين بغداد ودمشق كانت العلاقات السورية العراقية في تدهور كبير كان من نتائجها دعم نظام صدام لحركة الاخوان المسلمين في محاولة الاطاحة بنظام الاسد.
خامساً: غزو الكويت في اب 1990، من قبل نظام صدام حسين والذي تسبب في هدر اقتصاديات المنطقة وتركيز النفوذ الامريكي الاسرائيلي فيها، وانهيار ما تبقى من مظاهر الاستقلال السياسي المفقود من اساسه لدول المنطقة وتراكم الديون على العراق على اثر التعويضات التي طالبت بها الكويت، فضلاً عن ديون العراق نتيجة الحرب العراقية - الايرانية، وانتشار القواعد الامريكية في جميع الدول الخليجية بعد ان تكرست خشيتها من ايران خاصة بعد سقوط اسطورة البوابة الشرقية التي كان يتغنى بها صدام حسين.
سادساً: سعي رفعت الاسد لتولي الحكم في سورية خليفة للاسد الامر الذي ترك اثاراً سلبية على الداخل السوري، مع تحقق دعم عربي لحركة الانشقاق لكنه كان خلف الكواليس لعدم ضمان نتائج تحركات رفعت ومطامعه وتماسك الجبهة الداخلية في ظل القبضة الحديدية لحافظ الاسد.
سابعاً: الحرب الداخلية في لبنان والاجتياح الاسرائيلي لبيروت، والتحييد التام لجبهة الاردن، وظهور العلاقات المغربية – الاسرائيلية للعلن، واثر كل ذلك على طبيعة الصراع السوري – الاسرائيلي.
ثامناً: انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، الامر الذي ترك اثراً سلبياً على مسألة توازن القوى بين اسرائيل وسوريا لفقد سوريا داعم مهم لها حيث تمكنت سوريا من تكييف التنافس السوفيتي – الامريكي في الشرق الاوسط في دعم موقفها العسكري في مواجهة اسرائيل.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat