السبط و السبطين و الأسباط في القرآن الكريم والسنة (ح 3)
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف

جاء في تفسير غريب القرآن لفخر الدين الطريحي النجفي: سبط "الأسباط" (البقرة 126) (البقرة 140) (ال عمران 84) (النساء 162) في بني يعقوب كالقبائل في بني إسماعيل واحدهم: سبط وهي اثني عشر سبطا من اثني عشر ولدا ليعقوب وإنما سمي هؤلاء بالأسباط، وهؤلاء بالقبائل ليفصل بين ولد إسماعيل وولد إسحاق عليهم السلام، والأسباط: أصله من السبط، وهي شجرة لها أغصان كثيرة وأصلها واحد قاله الأزهري، وعن ابن الأعرابي الأسباط: خاصة من الأولاد.
جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: الأسباط جمع سبط، و الأسباط أحفاد يعقوب، و هم اثنا عشر سبطا من اثني عشر ابنا، أو أنهم قبائل من بني إسرائيل، و السّبط في اللغة: الجماعة يرجعون إلى أب واحد، و السبط على وزن درج قد يأتي بمعنى: الشجر، و الأسباط الذين هم من شجرة واحدة، و يقال: سبط عليه العطاء، إذا تابع عليه حتى يصل بعضه ببعض. المقصود من الأسباط إذن ليس أبناء يعقوب، فهؤلاء ارتكبوا جميعا ذنبا بحق أخيهم و لا يصلحون للنبوّة، بل المقصود قبائل بني إسرائيل، أو أحفاد يعقوب ممن كان لهم أنبياء. و لما كان بين هؤلاء الأسباط أنبياء، فالآية عدتهم بين أولئك الذين نزلت عليهم آيات اللّه. أسباط جمع سبط بفتح السين و بكسرها تعني في الأصل الانبساط في سهولة، ثمّ يطلق السبط و الأسباط على الأولاد و بخاصّة الأحفاد لأنّهم امتداد العائلة. و المراد من الأسباط أيضا قبائل بني إسرائيل و فروعها، الذين كان كل واحد منها منشعبا و منحدرا من أحد أولاد يعقوب عليه السّلام. قوله تعالى "وَ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً" (الاعراف 160). و قد كانت الينابيع هذه مقسمة بين أسباط بني إسرائيل بحيث عرف كل سبط منهم نبعه الذي يشرب منه "قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ" (البقرة 60). وسبط رسول الله صلى الله عليه وسلم معناه أي: طائفة وقطعة منه. يمكن القول بأن الذي يقاتل الحسين فإنه سيدخل في دائرة الذي يريد أن يقضي على نسل الرسول حتى قيام الساعة، أي سيكون بمثابة الذي يريد أن يخلع الشجرة بجذورها، وهذا قمة الفساد في الأرض.
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا، حسين سبط من الأسباط ). قال العلامة اللغوي ابن منظور: في الحديث أَيضاً: الحسينُ سِبْطٌ من الأَسْباط، أَي أُمَّةٌ من الأُمم في الخير، فهو واقع على الأُمَّة و الأُمَّةُ واقعة عليه. ورد ان عدد الاسباط في القرآن الكريم 12 سبطا. وهنالك أعداد لها علاقة بالرقم 12 منها في القرآن الكريم: 12 نقيبا، 12 برجا، 12 حواري، و 12 عيناً، و 12 شهرا.
جاء في موقع شيرازي العربي عن اهل البيت في القرآن: أخرج المؤرخ الكبير ابن الأثير في أسد الغابة بسنده المذكورة عن العلي بن مرة، قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وآله إلى طعام دُعينا إليه فإذا حسين يلعب بالسكة، فتقدم النبي صلى الله عليه وآله وبسط يده فجعل الغلام يفر من ها هنا، وهاهنا، ويضاحكه النبي صلى الله عليه وآله حتى أخذه فجعل إحدى يديه تحت ذقنه والأخرى في فأس رأسه، فقلبه وقال: (حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسيناً، حسين سبط من الأسباط). هنا ملاحظتان: الأولى: بما أن الآية مكررة في القرآن، ولفظة الأسباط تكررت في القرآن، يقتضي ذلك أن نكرر ذكر قولة النبي صلى الله عليه وآله: (حسين سبط من الأسباط) لأن الحسين عليه السلام إذا كان أحد الأسباط، فكلما كررت الكلمة في القرآن، كلما كان الحسين مشمولاً لها. ولذا، فإنّا فعلنا ذلك، وكررنا ذكر الحديث النبوي، بعدد تكرار الكلمة في القرآن هنا، وفي سورتي (آل عمران) و (النساء). الملاحظة الثانية: الأسباط الذين كانوا في بني إسرائيل لم يكونوا أنبياء، وإنما كانوا بمنزلة الأنبياء، فكلمة أنزل إنما هو بمعنى الوحي، ولكن الوحي ليس كله شيئاً واحداً، وعلى نسق واحد، فالوحي يكون للنبي، ويكون للرسول، ويكون لغيرهما أيضاً من الأئمة والصالحين، ويكون للملائكة، ويكون لغيرهم أيضاً. فذكر الآية في الحسين عليه السلام بدليل الحديث النبوي الشريف ليس معناه أن الحسين نبي، وإنما معناه أن الحسين أنزل إليه من الله تعالى شيء، لكن لا كما ينزل إلى الأنبياء. و أخرج ابن ماجة في كتابه الصحيح المسمى بـسنن ابن ماجة بسنده المذكور عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: (حسين سبط من الأسباط). وأخرجه صاحب تهذيب الكمال أيضا. أقول: لا مانع أن يكون الحسين عليه السلام مشمولاً للآيات الكريمات التي ذكرت كلمة الأسباط بعدما تفوّه من قال الله عنه: "وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَ وَحْيٌ يُوحَى" (النجم 3-4) بأنه سبط من الأسباط، فإن لم يكن بالتنزيل، فبالتأويل.
جاء في خطبة جمعة للشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر: ان هؤلاء وهم اولاد الزوجة الاولى ليعقوب عليه السلام غدروا بأخيهم يوسف الذي هو من الزوجة الثانية. والمهم ان مثل هؤلاء الذين اضروا بأخويهما وبابيهما لا يمكن ان يتصفوا بالصفات الجليلة المذكورة في القرآن للأسباط قال تعالى"وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ" (ال عمران 84). وعلى اي حال فلابد ان يكون المراد بالأسباط في هذه الآيات غيرهم. نعم هناك دليلان محتملان مستفادان من القرآن الكريم يستدل به للمشهور وان المراد بالأسباط هم هؤلاء من اولاد يعقوب: اولا: هذه الآيات التي قراناها قبل قليل. فيقرن بين اسماء هؤلاء والاسباط ولا نعرف ممن يقرب إلى هؤلاء الا اولاد يعقوب عليه السلام. الا ان هذا دليل ظني كما هو معلوم وليس هو قطعيا وليس هناك ظهور قرآني في ذلك. ثانيا: قوله تعالى: "وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا" (الاعراف 160). والضمير في قطعناهم يعود إلى اولاد يعقوب الذين هم بنوا اسرائيل فيتعين ان يكون اولاده هم الاسباط. وجوابه: اولا: ما عرفناه من ان الاسباط هم اولاد البنت ولا يصدقون على اولاد الاولاد على الحقيقة الا مجازا. ثانيا: انه قال في هذه الآية "أَسْبَاطًا أُمَمًا" (الاعراف 160) فالمراد من الاسباط هنا الذرية الكثيرة التي حصلت لهم خلال الاجيال حتى اصبحت كل مجموعة منهم امة من الناس وكان مجموعهم امم. وليس الملحوظ في هذه الآية مجرد الانتساب إلى يعقوب عليه السلام في انطباق معنى الاسباط. وعلى اية حال فسواء كانوا هؤلاء هم الاسباط ام لم يكونوا فإننا نجد للأسباط على واقعهم في علم الله، نجد مدحا وتعظيما في القرآن الكريم وقد ثبت بالحديث الشريف المروي لدى الفريقين ان الحسن والحسين من الاسباط فمن هذه الناحية يكونان سلام الله عليهما اوضح في هذه الصفة من اولاد يعقوب وكذلك هما اوضح من جهة كونهما سبطا رسول الله صلى الله عليه واله حقيقة ونسبا.
وقال الشاعر السيد الحميري: كربلا يا دار كرب وبلا * وبها سبط النبي قد قتلا. وقال كذلك: سبط النبي محمد * حبل تفرع من حباله. وقال: سبطان بارك ذو المعارج فيهما * وحباهما وهداهما بهداهما. وقال: ألم يك اهل خير الأنام * وسبطاه رئيس الفائزينا فذلكم أبو حسن علي * وسبطاه الولاة الفاضلونا. وقال الشريف الرضي: ثُمّ سِبْطَاهُ الشّهِيدانِ فَذا * بحسا السم وهذا بالظبى. وقال كذلك: وطلنا بسبطي احمد ووصيه * رِقابَ الوَرَى من مُتهِمينَ وَمُنجدِ تَذَكّرْتُ يَوْمَ السِّبطِ من آلِ هاشِمٍ * وَمَا يَوْمُنا مِنْ آلِ حَرْبٍ بِوَاحِدِ. وقال الامام الشافعي: ذا في مجلسٍ نذكرُ علياً * وَسِبْطَيْهِ وَفَاطِمَة َ الزَّكِيَّة. وقال الشاعر البرعي: و على أبي السبطينِ حيدرة َ الذي * ما زالَ في الحربِ الهزبرِ الضيغما. وقال كذلك: و ضجيعيهِ وسبطيهِ ومنْ * آثرَ الهجرة َ أو منْ نصرا. وقال الشعار السري الرفاء: و ما نَقَمُوا إلا مَقالَة َ مُعْلِنٍ * بأنَّ أبا السِّبْطَينِ خَيْرُ الخَلائفِ. وقال الشاعر ابن المعتز: وسِبطاهُ جَدُّهُما أحمدٌ * فَبَخّ لِجَدّهِما والأبِ. وقال الشعار أبو فراس الحمداني: وَبِبِنْتِ الرّسُولِ فَاطِمَة الطُّهْـ * رِ وَسِبْطَيْهِ وَالإمَامِ عَلِيّ.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat