ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين اللعنة واللاعنون والملعونين في القرآن الكريم (ح 8)
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
تكملة للحلقة السابقة عن مصطلحات اللعن في سورة البقرة وتكرارها ثلاث مرات في آية واحدة كما جاء في تفسير الميزان للعلامة السيد الطباطبائي: قوله تعالى: "إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار" (البقرة 161)، كناية عن إصرارهم على كفرهم وعنادهم وتعنتهم في قبول الحق فإن من لا يدين بدين الحق لا لعناد واستكبار بل لعدم تبينه له ليس بكافر بحسب الحقيقة، بل مستضعف، أمره إلى الله، ويشهد بذلك تقييد كفر الكافرين في غالب الآيات والتكذيب وخاصة في آيات هبوط آدم المشتملة على أول تشريع شرع لنوع الانسان، قال تعالى "قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى" (البقرة 38) إلى قوله "والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" (البقرة 39)، فالمراد بالذين كفروا في الآية هم المكذبون المعاندون وهم الكاتمون لما أنزل الله وجازاهم الله تعالى بقوله: "أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين" (البقرة 161)، وهذا حكم من الله سبحانه أن يلحق بهم كل لعن لعن به ملك من الملائكة أو أحد من الناس جميعا من غير استثناء، فهؤلاء سبيلهم سبيل الشيطان، إذ قال الله سبحانه فيه "وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين " (الحجر 35)، فجعل جميع اللعن عليه فهؤلاء وهم العلماء الكاتمون لعلمهم شركاء الشيطان في اللعن العام المطلق ونظرائه فيه، فما أشد لحن هذه الآية وأعظم أمرها وسيجئ في الكلام على قوله تعالى "ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم" (الانفال 37)، ما يتعلق بهذا المقام إنشاء الله العزيز. قوله تعالى: خالدين فيها، أي في اللعنة، وقوله: لا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينظرون، في تبديل السياق بوضع العذاب موضع اللعنة دلالة على أن اللعنة تتبدل عليهم عذابا. واعلم أن في هذه الآيات موارد من الالتفات، فقد التفت في الآية الاولى من التكلم مع الغير إلى الغيبة في قوله: "أولئك يلعنهم الله" (البقرة 159)، لان المقام مقام تشديد السخط، والسخط يشتد إذا عظم اسم من ينسب إليه أو وصفه ولا أعظم من الله سبحانه فنسب إليه اللعن ليبلغ في الشدة كل مبلغ، ثم التفت في الآية الثانية من الغيبة إلى التكلم وحده بقوله: فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم ، للدلالة على كمال الرحمة والرإفة، بإلقاء كل نعت وطرح كل صفة وتصدى الامر بنفسه تعالى وتقدس، فليست الرأفة والحنان المستفادة من هذه الجملة كالتي يستفاد من قولنا مثلا: فأولئك يتوب الله عليهم أو يتوب ربهم عليهم ثم التفت في الآية الثالثة من التكلم وحده إلى الغيبة بقوله: "أولئك عليهم لعنة الله" (البقرة 161)، والوجه فيه نظير ما ذكرناه في اللتفات الواقع في الآية الاولى.
هنالك مصطلح اللعان يذكر في دروس الفقه فعن الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: على الزوج أن يشهد أربع مرات على صدق ادعائه "وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَ الْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ" (النور 6-7) و بهذا على الرجل أن يعيد هذه العبارة (اشهد باللّه إني لمن الصادقين فيما رميتها من الزنا) أربع مرات لإثبات ادعائه من جهة، و ليدفع عن نفسه حد القذف من جهة أخرى. و يقول في الخامسة: (لعنة اللّه عليّ إن كنت من الكاذبين). و هنا تقف المرأة على مفترق طريقين، فإمّا أن تقر بالتهمة التي وجهها إليها زوجها، أو تنكرها على وفق ما ذكرته الآيات التالية. ففي الحالة الأولى تثبت التهمة. و في الثّانية "وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ * وَ الْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ" (النور 8-9). و بهذا الترتيب تشهد المرأة خمس مرات مقابل شهادات الرجل الخمس أيضا لتنفي التهمة عنها. بأن تكرر أربع شهادات (أشهد باللّه إنّه لمن الكاذبين فيما رماني من الزنا) و في الخامسة تقول (أن غضب اللّه عليّ إن كان من الصادقين). و هذه الشهادات منهما هي ما يسمّى ب (اللعان)، لاستخدام عبارة اللعن في الشهادة. كيفية اللعان: توصلنا بعد الإيضاحات التي ذكرناها خلال تفسير هذه الآيات، إلى وجوب تكرار الرجل شهادته أربع مرات ليثبت صحة دعواه في اتهامه لزوجته بالزنا، و لينجو من حدّ القذف. و بهذا فإن هذه الشهادات الأربع من الزوج بمثابة أربعة شهود، و في الخامسة يتقبل لعنة اللّه عليه إن كان كاذبا. و مع الالتفات إلى أن تنفيذ هذه الأحكام يتم عادة في محيط اسلامي ملتزم و بيئة متديّنة، و يرى الزوج نفسه مضطرا للوقوف بين يدي الحاكم الشرعي، ليدلي بشهادته أربع مرات بشكل حاسم لا يقبل الشك و الترديد، و في الخامسة يطلب من اللّه أن يلعنه إن كان كاذبا، فهذا كله يمنع الرجل من التهوّر و توجيه اتهام باطل إلى زوجته. و كما نعلم فإنّ (اللعنة) ابتعاد عن الرحمة. و أمّا (الغضب) فإنّه أمر أشد من اللعنة، لأنّ الغضب يستلزم العقاب، فهو أكثر من الابتعاد عن الرحمة. و لهذا قلنا في تفسير سورة الحمد: إنّ "الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ" هم أسوأ من "الضَّالِّينَ" على الرغم من أنّ الضالّين هم بالتأكيد بعيدون عن رحمة اللّه تعالى.
تكملة للحلقة السابقة عن ورود مصطلحات قرآنية ولغوية يصعب التمييز بينها ولكنها في حقيقتها تختلف عن بعضها البعض وخاصة في اعتبار اتيانها حلالا أو حراما مثل السباب واللعن والشتم فعن مركز الرصد العقائدي حول شبهة عدم الفرق بين السب واللعن الواردين في القرآن الكريم للسيد مهدي الجابري الموسوي: وقال ابن فارس : (سبّ) السين والباء حَدَّهُ بعضُ أهل اللغة وأظنّه ابنَ دريد أنَّ أصل هذا الباب القَطع ، ثم اشتُقَّ منه الشَّتم. وهذا الذي قاله صحيحٌ. وأكثر الباب موضوعٌ عليه. من ذلك السِّبّ: الخِمار، لأنّه مقطوع من مِنْسَجه. فأمّا الأصل فالسَّبّ العَقْر؛ يقال سَبَبْت الناقة، إذا عقرتَها. قال الشاعر: فما كان ذنبُ بني مالكٍ * بأنْ سُبّ منهم غلامٌ فَسبّْ. يريد معاقرة غالب بن صعصعة وسُحيم. وقوله سُبَّ أي شُتِمَ. وقوله سَبّ أي عَقَر. والسَّبّ: الشتم، ولا قطيعة أقطع من الشَّتم. ويُقال للذي يُسابّ سِبّ. قال الشاعر: لا تَسُبَّنَّنِي فلستُ بِسبّي * إنَّ سَبِّي من الرجال الكريمُ. ويقال: (لا تسبُّوا الإِبلَ، فإنَّ فيها رَقوءَ الدّم)، فهذا نهيٌّ عن سبّها، أي شتمها. وأما قولهم للإبل: مُسَبَّبَة فذلك لما يُقال عند المدح: قاتلَها الله فما أكرمها مالاً كما يُقال عند التعجُّب من الإنسان: قاتله الله وهذا دعاءٌ لا يُراد به الوقوع. ويقال: رجلٌ سُبَبَة، إذا كانَ يسُبُّ الناسَ كثيراً. ورجلٌ سُبَّة، إذا كان يُسَبُّ كثيراً. ويقال: بين القوم أُسْبُوبة يتسابُّون بها. ويقال مضت سَبَّة من الدهر، يريد مضت قطعة منه. وقال ابن فارس: لعن أصلٌ صحيح يدلّ على إبعادٍ وطرد، ولعن الله الشيطان: أبعده عن الخير والجنة. ويُقال للذئب : لعينٌ، والرجل الطريد لعينٌ، ورجل لعْنةٌ بالسكون : يلعنه الناسُ. ولعَنة : كثير اللعن. واللِّعان: الملاعنة. وقال صاحب اللسان: اللعن الإبعاد والطرد من الخير، وقيل: الطرد والإبعاد من الله ، ومن الخلْق السبُّ والدعاء، واللعنة: الاسم، والجمع لعان ولعنَات. واللعين: المطرود، والرجل اللعين لا يزال منتبذا عن الناس، شبّه الذئب به. واللعين: الشيطان، صفة غالبة، لأنه طُرد من السماء. والملاعنة: المباهلة. وفي الحديث اتقوا الملاعن وأعدّوا النبْل. الملاعن: جوادُّ الطريق وظلال الشجر ينزلها الناس ، أو جانب النهر ، فإذا مرّ الناس لعنوا فاعله. والتحقيق: أن الأصل الواحد في المادة: هو الإبعاد والطرد عن الخير بعنوان السخط عليه ، وهذا من الله تعالى إبعادٌ عن رحمته ولطفه، ومن الناس إبعادٌ عن رحمته تعالى بالدعاء عليه والمسألة من الله بسخطه وغضبه عليه. واللعن بمسألةٍ من الناس جاء على لسان القرآن الكريم في قوله تعالى: "ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ" (ال عمران 61)، وفي قوله تعالى: "وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَـؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ" (هود 18)، وفي قوله تعالى: "رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً" (الاحزاب 68). إذن فاللعن بمسألة الناس هو طلبُ طرد الملعون من رحمة الله لا مطلق السبّ والشتم ، كما صرّح بذلك سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في ( كتاب التوحيد) رداً على أحد أسلافه حين قال: (أصل اللعن الطرد والإبعاد من الله ، ومن الخلق السبّ والدعاء ، قلت (القائل ابن عبد الوهاب) : الظاهر أنه من الخلق طلب طرد الملعون وإبعاده من الله بلفظ اللعن، لا مطلق السبّ والشتم). ويزيدك على ذلك وضوحاً ما قاله شارح كتاب التوحيد المتقدِّم ذكره ، ما هذا نصُّه: (السبّ هو الشتم والتقبيح، وهو غير اللعن. مثال السبّ: أنْ يقول : قبّحه الله، أو يذكر فيه صفات قبيحة).
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat