صوم يوم عاشوراء دراسة نقدية في الموروث الروائي : ح (3)
د . حيدر سالم المالكي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . حيدر سالم المالكي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
ثانيا: أراء المستشرقين في صوم المسلمين
أنتهز المستشرقون هذا الرأي مما دفعهم الامر إلى التجني على الرسول الاعظم (صلى الله عليه واله) باقتباس عقيدته من اليهود ، ثم فرضه على أمته ، فلم يأتي بدين جديدة ، وإنما أطلع على الاديان السابقة ، ومنها أخذ التعاليم ، وهذا كله يعود الآراء التي ذكرنها أنفا مع شديد الأسف ، التي تكن هي عبادة (الصوم) التي فرضها الله تعالى على بنيه (صلى الله عليه واله) ، وعلى أمته ، وليس لها صلة باليهود ، ولا النصارى ؛ لان عبادتهم تختلف عن عبادة المسلمون أطلاقا ، وعليه سنستعرض آراء المستشرقين المتعصبين الناقمين على الاسلام الحنيف ، وذكر أباطيلهم ، ومزاعمهم الباطلة من عبادة الصوم عند المسلمين أنما هي جاءت من اليهود تعلمها الرسول الاعظم (صلى الله عليه واله) ؛ ثم فرضه على أصحابه ، وعلى أمته .
فيرى المستشرق جولدزيهر ([1]) أن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله) جاء بالصوم محاكاة لليهودية ، ثم نقله إلى شهر رمضان مستشهداً بما ذكرها (ابن عباس) عند دخول الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله) بهجرته المباركة إلى المدينة وراء اليهود تصوم في اليوم العاشر من محرم فصام ذلك اليوم ، فلذا أفترى بقوله (( ... والصوم الذي جعل أولاً في اليوم العاشر من الشهر الاول اي عاشوراء محاكاة للصوم اليهودي الأكبر ، ثم نقل بعدئذ الى شهر رمضان.... )) .
بيد أن بروكلمان([2]) الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله) متأثرا تأثيرا شديد باليهود ، فكانت له صلة باليهود ، فتأثر بدينهم ،وتشريعاتهم بالاتجاهات الدينية اليهودية في أيامه الأولى في المدينة فأخذ الصوم منهم فقال ما نصه ((وتأثرت اتجاهات النبي الدينية فى الأيام الأولى من مقامه فى المدينة، بالصلة التي كانت بينه وبين اليهود… فشرع صوم العاشوراء، وهو اليوم العاشر من المحرم، على غرار الصوم اليهودي فى يوم الكفار الذى يقع عندهم فى العاشر من شهر تشرى، وبينما كان المؤمنون فى مكة لا يصلون إلا مرتين فى اليوم، أدخل فى المدينة على غرار اليهودية أيضاً، صلاة ثالثة عند الظهر… كذلك جعل يوم الجمعة يوم صلاة عامة على غرار السبت اليهودية)).
فيتبين من رأي بروكلمان ـــ المزعوم ـــ أن الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله) أقتبس تلك العبادة من يهود المدينة ، وإنه لم يكن على دراية وعلم بصيام ذلك اليوم لولا هجرته(صلى الله عليه واله) إليها ، فبدخوله لها ، وشاهد اليهود يصوم ذلك اليوم تعظيما ، وعليه فرضه على نفسه ، وعلى أمته على غرار يوم الكفار اليوم المشهود المعهود عندهم ، وإن المسلمين الاوائل في مكة المكرمة لا يصلون الا مرتين في اليوم، وعند دخوله (صلى الله عليه واله) إلى المدينة بهجرته رأى اليهود تصلي ثلاث مرات في اليوم الواحد فزاد على صلاته التي كان يصليها ، وهذا أمر غريب !!!! فهذه كتب السيرة النبوية للمسلمين الأوائل، والمتأخرين تصفحها فهل تجد أن المسلمين في مكة المكرمة يصلون في اليوم مرتين ؟ وفي الحقيقة كانت الصلاة أول ما فرضت ركعتين([3])، وليست مرتين فكان الحقد الاعمى في قلب بروكلمان واضحاً وجلياً .
وفي الحقيقة أن عدد أيام صوم اليهود ثلاثة أيام من كل شهر ، وعاشوراء فصامهن الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) بعد الهجرة سبعة عشر شهراً ، وهذا مما يدل على أنه (صلى الله عليه واله وسلم) لم يصمه بمجرد دخوله إلى المدينة المنورة ، ثم نسخن برمضان ([4]).
فضلا عن ذلك الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله) لم يصم بمجرد للدخول للمدينة كما ذكرنا، بل استمر بها مقيما حتى مضى عليه في البقاء سبعة عشر أي بعد سنة ونصف، ث فرض الله تعالى عليه صوم شهر رمضان المبارك، وقد أنكر جملة من المفسرين أن المراد بقوله تعالى {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ}([5]) أيام عاشوراء ، بل في الحقيقة أيام شهر رمضان التي فرض على رسوله (صلى الله ليه واله) فيقول ابو بكر بن العربي ([6]) ((قوله تعالى: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} وهذا يدل على أن المراد به رمضان، لا يوم عاشوراء، ومن قال: إنه صوم ثلاثة أيام في كل شهر فقد أبعد؛ لأنه حديث لا أصل له في الصحة.)) ، وقد جزم أبي بكر بن العربي أن كل من ذهب بالقول أن المراد من هذه الآية أيام عاشوراء([7]) فأن كلامه لا صحة ، ولا أصل له .
وقد أستعرض ابن الجوزي ([8]) أراء المتقدمين المختلفين في بيان مراد تلك الاية، وقد جزم أن المراد هو شهر رمضان خاصة فقال ما نصه ((قوله تعالى: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} ...... وفي هذه الأيام ثلاثة أقوال: أحدها: أنها ثلاثة أيام من كل شهر. والثاني: أنها ثلاثة أيام من كل شهر ويوم عاشوراء. والثالث: أنها شهر رمضان، وهو الأصح . )).
بل الاكثر من ذلك أن قول الأفذاذ المحققين المدقوقين إلى أنها كانت شهر رمضان خاصة فيذكر الرازي ([9]) الذي أستعرض كلها كذلك الآراء ((القول الثاني: وهو اختيار أكثر المحققين، كابن عباس ، والحسن ، وأبي مسلم أن المراد بهذه الأيام المعدودات: شهر رمضان قالوا : وتقريره أنه تعالى قال أولا: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ}([10])، وهذا محتمل ليوم ويومين وأيام ثم بينه بقوله تعالى: أياما معدودات فزال بعض الاحتمال ثم بينه بقوله: { شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} ([11]) )) .
وإنَّ القران الكريم لم يفرض الصوم ثلاثة أيام على رسوله (صلى الله عليه واله) عند دخوله إلى المدينة فهناك جلمة من العلماء يذهبون إلى ذلك القول ، ففي الحقيقة أن قولهم هذا باطل ، وأفترى على الله ورسوله (صلى الله عليه واله) ، وإن كان معتمد على قوله {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} فيقول علم الدين السخاوي ([12]) ((أراد بقوله {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} يوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر، كتب على رسول الله (صلى الله عليه وسلم)صيامها حين هاجر، ثم نسخ بشهر رمضان، وهذا غير صحيح ، لأنه بين الأيام المعدودات بقوله عز وجل شهر رمضان.)) .
وفي الواقع أن علم الدين السخاوي كان قاصدا ، بل علما بما ذهب إليه هذا ، فقد رفض فكرة الصوم اليهود جملة وتفصيلا ، وإلا بين موقفه في صوم الأيام المعدودات، ثم أردف كلامه بجواز صوم اليهود المدينة في يوم عاشوراء ، بل ذهب الى الجزم بالقول بعدم صحة كلامهم ، ويرى أن المراد قوله تعالى {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} وهو شهر رمضان .
وفي الواقع هذا ما ذهب إليه المفسرون {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} وهو شهر رمضان، فيذكر الشافعي([13]) في تعليقه على هذه الآية ثم أبان أن هذه الأيام شهر رمضان بقوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ }([14]) فلما أعلم الله الناس أنه فرض الصوم عليهم: { شَهْرُ رَمَضَانَ} ، وكانت الأعاجم تعد الشهور بالأيام لا بالأهلة، وتذهب إلى أن الحساب إذا عدت الشهور بالأهلة يختلف فأبان الله تعالى أن الأهلة.
ويرى الطبري ([15]) أنه لم يأت خبر تقوم به حجة بأن صوما فرض على أهل الإسلام غير صوم شهر رمضان، ثم نسخ بصوم شهر رمضان، وأن الله تعالى قد بين في سياق الآية، أن الصيام الذي أوجبه جل ثناؤه علينا هو صيام شهر رمضان دون غيره من الأوقات، بإبانته، عن الأيام التي أخبر أنه كتب علينا صومها بقوله: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } فمن ادعى أن صوما كان قد لزم المسلمين فرضه غير صوم شهر رمضان الذين هم مجمعون على وجوب فرض صومه ثم نسخ ذلك سئل البرهان على ذلك من خبر تقوم به حجة، إذ كان لا يعلم ذلك إلا بخبر يقطع العذر.
وقد برهن الثعالبي([16]) على أن قوله تعالى {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} المراد منها شهر رمضان فذهب بالقول {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} يعني شهر رمضان ثلاثين يوما أو تسعة وعشرون يوما لما روى سعيد بن العاص إنه سمع ابن عمر يحدث عن النبي (صلى الله عليه [واله]وسلم) أنه قال: إنا أمة أمية لا تحسب ولا تكتب الشهر هكذا وهكذا وهكذا، وعقد الإبهام في الثالثة والشهر هكذا وهكذا وهكذا تمام ثلاثين.
ويرى ابن عادل الحنبلي ([17]) فعلى هذا الترتيب يمكن أن نجعل الأيام المعدودات بعينها صوم رمضان، وإذا أمكن ذلك، فلا وجه لحمله على غيره وإثبات النسخ فيه؛ لأن كل ذلك زيادة لا يدل عليها اللفظ، وأما تمسكهم بقوله (عليه الصلاة والسلام) صوم رمضان نسخ كل صوم، فليس فيه أنه نسخ عنه، وعن أمته كل صوم، بل يجوز أنه نسخ كل صوم وجب في الشرائع المتقدمة؛ فكما يصح أن يكون بعض شرعه ناسخا للبعض، فيجوز أن يكون شرعه ناسخا لشرع غيره.
وربَّما يتبادر إلى الذهن تساءل هل أن الله تعالى فرضة الصوم على اليهود كما فرضه على المسلمين بوجه التفصيل ؟ فالجواب واضح جداً لم يد في كتب اليهود ذلك ، وفي الحقيقة لم تكب عليهم ، وإنَّما قاموا بذلك تتطوعا من قبل أنَّفسهم، ورغبة منهم وطاعة لله تعالى ؛ بسبب نجاهم من آل فرعون ، وبطشه، وطغيانهم ، فكان قيامهم بذلك شكرا لله تعالى فيقول ابو بكر بن العربي المالكي ([18]) ((وهذا لا حجة فيه لوجهين: أحدهما أن الله تعالى لم يكتب على اليهود صوم عاشوراء ، وإنما صاموه من قبل أنفسهم شكرا لله تعالى على ما منح قومهم من خلاصة من فرعون وسلامتهم: الثاني أن الله تعالى قال في هذه الآية: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ}([19]) ، وعاشوراء واحد، فخرج بذلك من الآية ، وأما من قال إنه صوم ثلاثة أيام من كل شهر فلم يصح سنده فلا يشتغل به. )).
وإنَّ ما استدل به أبو بكر بن العربي يمثل المذهب المالكي في النص أعلاه فيرى أن المذهب المالكي يرى عدم صحة الروايات ، والآراء التي تزعم أن الرسول الاعظم (صلى الله عليه واله) لم قم أو بفعل كما كانت تفعل اليهود في يوم عاشوراء، وإنَّ الاسناد الذي اعتمدوا عليه لا صحة له ، وكل رواية جاءت بهذا الشأن أنما هي أحاديث قائمة على ضعف الأسناد .
والانكى من ذلك أن اليهود لا تعمد الأهلة في تحديد الشهور ، ولم يعتمد على ذلك ألا العرب فكانت تحدد شهورها عن طريق حساب الأهلة فيقول الشافعي([20]) ((كانت الأعاجم تعد الشهور بالأيام لا بالأهلة، وتذهب إلى أن الحساب - إذا عدت الشهور بالأهلة - يختلف. فأبان الله تعالى أن الأهلة هي: المواقيت للناس والحج، وذكر الشهور فقال: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ}([21]) الآية )) .
([1]) إجناس ، العقيدة والشريعة في الإسلام تاريخ التطور العقدي والتشريعي في الديانة الاسلامية، نقله الى العربية : محمد يوسف موسى واخرون ، دار الكاتب المصري (القاهرة - 1946)ص 46-47 .
([2]) كارل ، تاريخ الشعوب الاسلامية ، نقله الى العربية : نبيه نبيل فارس ، ومنير البعلبكي ، دار العلم للملايين ، ط5 (بيروت -1968) ص46-47 .
[3])) ابن اسحاق ، محمد بن إسحاق بن يسار (ت 151هـ) سيرة ابن إسحاق، تح : سهيل زكار، دار الفكر (بيروت -1978) ص 136 ؛ الكلاعي ، سليمان بن موسى بن سالم (ت 634هـ) الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والثلاثة الخلفاء، دار الكتب العلمية (بيروت -1420 هـ) ج1، ص 169 ؛ الصالحي ، محمد بن يوسف (ت 942هـ) سبل الهدى والرشاد، في سيرة خير العباد، وذكر فضائله وأعلام نبوته وأفعاله وأحواله في المبدأ والمعاد، تحقيق وتعليق: عادل أحمد عبد الموجود، علي محمد معوض ، دار الكتب العلمية (بيروت- 1993) ج3، ص 178 .
([4])عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم (ت 660هـ)تفسير القرآن ، تح: عبد الله بن إبراهيم الوهبي ، دار ابن حزم (بيروت -1996) ج1 ، ص188 ؛ ابن كثير ، إسماعيل بن عمر بن كثير(ت774هـ) جامع المسانيد والسُّنَن الهادي لأقوم سَنَن، تح : عبد الملك عبد الله الدهيش ، دار خضر(بيروت - 1998) ج7، ص 512 .
[5])) سورة البقرة، أية : 184.
([6])محمد بن عبد الله أبو بكر بن العربي المالكي (ت 543هـ) أحكام القرآن، راجع أصوله وخرج أحاديثه وعلَّق عليه: محمد عبد القادر عطا ، دار الكتب العلمية، ط3 (بيروت - 2003) ج1 ، ص 109.
[7])) البغوي ، الحسين بن مسعود بن محمد (ت 510هـ) معالم التنزيل في تفسير القرآن = تفسير البغوي ، تح : عبد الرزاق المهدي ، دار إحياء التراث العربي (بيروت– 1420 هـ) ج1 ، ص214.
[8])) زاد المسير ، ج1، ص141 .
[9])) تفسير الرازي ، ج5، ص 241.
[10])) سورة البقرة، أية: 183 .
[11])) سورة البقرة، أية: 185 .
([12])علي بن محمد بن عبد الصمد (ت 643هـ) جمال القراء وكمال الإقراء ، دراسة وتحقيق: عبد الحق عبد الدايم سيف القاضي ، مؤسسة الكتب الثقافية(بيروت – 1999)ج2، ص 604.
[13])) محمد بن إدريس بن العباس (ت 204هـ) تفسير الإمام الشافعي، جمع وتحقيق ودراسة: أحمد مصطفى الفرَّان ، دار التدمرية (المملكة العربية السعودية - 2006) ج1 ، ص292 .
[14])) سورة البقرة ، من أية :185.
[15])) الطبري ، تفسير الطبري ، ج3 ،ص417 .
[16])) أحمد بن محمد بن إبراهيم (ت 427هـ) الكشف والبيان عن تفسير القرآن ، تح : أبي محمد عاشور ، مراجعة وتدقيق: نظير الساعدي ، دار إحياء التراث العربي (بيروت- 2002) ج2 ، ص63 .
[17])) عمر بن علي بن عادل ( ت775هـ)اللباب في علوم الكتاب ، تح : عادل أحمد عبد الموجود ، وعلي محمد معوض ، دار الكتب العلمية (بيروت -1998) ج2 ، ص256.
([18])الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، تح : عبد الكبير العلوي المدغري، تقديم: عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ) ، مكتبة الثقافة الدينية( د . م – 1992) ج2، ص56.
([19]) سورة البقرة ، اية : 184 .
([20]) محمد بن إدريس (ت204ه) حكام القرآن ، تح: عبد الغني عبد الخالق ،دار الكتب العلمية (بيروت – 1400ه) ج1 ،ص105 .
([21]) سورة التوبة ، أية :36.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat