اشارات قرآنية للسيد المسيح بين المسيحية والاسلام عن كتاب علي الشيخ (ح 4)
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
ويستطرد الكاتب علي الشيخ عن صفات المسيح عليه السلام في كتابه اهوت المسيح في المسيحية والإسلام دراسة مقارنة قائلا: نختم الفصل بمحاورة رائعة ذكرها القرآن الكريم بين الله سبحانه والمسيح،هي قوله تعالى: "وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ءَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْء شَهيدٌ * إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * قَالَ اللّهُ هذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" (المائدة 116-119). يقول العلامة الطباطبائي في تعليقه على هذه الايات الشريفة: و هذا الكلام العجيب الذي يشتمل في العبودية على عصارتها، ويتضمن في بارع الأدب على مجامعه، يفصح عما كان يراه عيسى المسيح عليه السلام في نفسه تلقاء ربوبية ربّه، وتجاه الناس وأعمالهم، فذكر انه كان يرى نفسه بالنسبة الى ربه عبداً لا شأن له الاّ الامتثال، لايرد الاّ عن امر، ولا يصدر الاّ عن امر، ولم يؤمر الاّ بالدعوة الى عبادة الله وحده، ولم يقل لهم الا ما أمر به: أن أعبدوا الله ربي وربكم. و لم يكن له في الناس الاّ تحمل الشهادة على أعمالهم فحسب، وأما ما يفعله الله فيهم وبهم يوم يرجعون اليه فلا شأن له في ذلك، غفر أو عذب. فالقرآن نزّه ساحة عيسى المسيح من كل شائبة ونقص، وقد صوّر لناالمسيح نبياً ورسولاً مباركاً وديعاً باراً، لا جبّاراً ولا شقياً، وعبداً موحداً خاضعاً لله وحده، وغير مدّع لشي غير معقول من ألوهية أواتحاد أو حلول، وأخيراً نجده في القرآن عزيزاً محترماً مرفوعاً إلى السماء، مصاناً بالعزة الالهية، وانه روح الله وكلمته وصنيعه، ومستودع اسراره وحكمته. فهذا بأختصار مانقله القرآن الكريم عن قصة السيد المسيح وشخصيته وحياته دعوته وختام أمره.
عن التوحيد في الاسلام يقول الكاتب الشيخ: يعتبر الدين الإسلامي من أكثر الأديان التي دعت إلى التوحيد الخالص لله تعالى، ورفض الشرك بجميع أشكاله، وعده من الظلم العظيم الذي لا يغفر، كما في قوله تعالى: "إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ" (النساء 48). ويؤكد القرآن على أن التوحيد من الامور الفطرية التي جُبل عليها الإنسان، ففي تفسير قوله تعالى: "فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ" (الروم 30)، ذهب أكثر المفسرين إلى القول: فطرهم على التوحيد (430). وقد اتخذ القرآن أساليب متنوعة في تثبيت عقيدة التوحيد وارساء أركانها في عقول الناس، ابتداء من حصر الالهة في إله واحد وتوجيه العباد إليه كما في قوله تعالى: "وَإِلهُكُمْ إِلهٌ وَاحِدٌ لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ" (البقرة 163). ومروراً برفض الشرك بكل مظاهره، قال تعالى: "أَمَّن جَعَلَ الأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلاَلَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَءِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ" (النمل 61). ومن ثم اثبات الوحدة المطلقة ونفي الوحدة العددية الموجبة لعروض الكثرة العددية، قال تعالى: "مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْماءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَان إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ" (يوسف 40). واثبات الكمال المطلق له تعالى، فهو خير محض وكمال محض وهو الغني الذي لا يحتاج إلى شيء، قال تعالى: "اللَّهُ لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الأَسْماءُ الْحُسْنَى" (طه 8). ويمكن القول أن القرآن اعتنى بمسئلة التوحيد عناية لم يهتم بمثلها تجاه أية مسألة أخرى من المسائل الاعتقادية.
وعن معاني التوحيد يقول الكاتب الشيخ: الآيات التي وردت في القرآن الكريم بلفظ "لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ" وما شاكلها ناظرة إلى وحدانية الذات الالهية، ونفي المثيل والنظير له تعالى، ومن تلك الآيات: ـ قوله تعالى: "شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لاَ إِله إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" (ال عمران 8). قوله تعالى: "لاَ إِلهَ إِلاَّ اللَّهُ" (محمد 19)، وأيضاً: "لاَّ إِلهَ إِلاَّ أَنتَ" (الانبياء 87)، وقوله تعالى: "لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنَا" (النحل 2) وأيضاً قوله تعالى: "لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ" (الحشر 22)، وأيضاً قوله تعالى "قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَهُ كُفُواً أَحَدٌ" (الاخلاص 1-4) وغيرها من الآيات القرآنية. قال الله سبحانه "وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ" (القمر 50) على هذا المعنى، فنحن أمرناه مرة واحدة بكلمة (كن) فكان تحققه ووجوده. وعن التوحيد في الخالقية: ومن خلال مطالعة آيات القرآن الكريم يتضح بجلاء أن الخالق المستقل الاصيل في هذا الكون هو واحد فقط (الله) عز اسمه، وأما خالقية ما سواه فهي في طول خالقيته لا في عرضها، وليس لأحد استقلال في الخلق والايجاد، ومن تلك الآيات القرآنية: ـ "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ منْ خَالِق غَيْرُ اللَّهِ" (فاطر 4). ـ "ذلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لاَإِلهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْء فَاعْبُدُوهُ" (الانعام 102). ـ "هذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلاَل مُّبِين" (لقمان 11). ـ "أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِم قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْء وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ" (الرعد 16). فالخالقية المنحصرة في الله تبارك وتعالى غير قابلة لاتصاف الغير بها، ولا قابلة لاثباتها للغير، إذ إن الله مستقل في خلقه، بمعنى انه سبحانه لا يعتمد على شيء، ولا يستعين بأحد، ولا يحتاج إلى إذن آذن، وإذا ثبت الخلق والخالقية لغير الله، فان المتصف بها يكون معتمداً على الله، محتاجاً إلى ارادته سبحانه وقدرته، فهي خالقية غير مستقلة بل تابعة لقدرة الله كما يشهد بذلك القرآن الكريم في قصة عيسى المسيح حيث قال: "أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ" (ال عمران 49).
وعن التوحيد في الربوبية والتدبير يقول علي الشيخ في كتابه: ونعني به أن تدبير هذا العالم هو بيد الله سبحانه وحده، ونستطيع أن نقف على معنى الرب من خلال مراجعة المعنى اللغوي لهذه الكلمة فالرب (هو المالك، الخالق، الصاحب، والرب المصلح للشي، والله جل ثناؤه الرب، لأنه مصلح أحوال خلقه). فمعنى الربوبية تعني التدبير وإدارة العالم وتصريف شؤونه، وينص القرآن الكريم على أن الله سبحانه هو المدبر الوحيد الحقيقي للعالم، وينفي أي تدبير مستقل لغير الله سبحانه، كقوله تعالى: "إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّام ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ" (يوسف 3). وأيضاً قوله تعالى: "اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماوَاتِ بِغَيْرِ عَمَد تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لاَِجَل مُسَمّىً يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الاْيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ" (الرعد 2). أن وحدة النظام الكوني وعمومية السنن والقوانين الطبيعية تقودنا إلى القول بأن ليس للعالم إلاّ خالق واحد، وانه ليس للعالم إلاّ مدبر واحد، لأن وحدة النظام لا تتحقق إلاّ إذا كان الكون بأجمعه تحت نظر حاكم ومدبر واحد، ولو خضع الكون لادارة وتدبير حاكمين لفسد هذا النظام الواحد، وقد أكد القرآن هذه الحقيقة في قوله تعالى: "لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ" (الانبياء 22) وأيضاً قوله تعالى: "وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِله إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِله بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْض سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ" (المؤمنون 91).
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat