صفحة الكاتب : د . فاضل حسن شريف

اشارات قرآنية من كتاب الامام علي والثقافة للمؤلف العبادي (ح 4)
د . فاضل حسن شريف

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.


وعن الإمام علي عليه السلام والحلول الثقافية يقول الشيخ العبادي في كتابه الإمام علي عليه السلام وتنمية ثقافة أهل الكوفة: هناك بعض الأحداث الّتي وقعت في زمان أمير المؤمنين عليه السلام وارتضى لها حلاًّ أناخ فيها حكماً. اختلفت الحلول الثقافية في عصر الإمام عليه السلام بحسب ما يقتضيه العلاج المناسب والسليم، وربّما كانت هناك بعض الحلول الّتي ارتآها الآخرين في مقابل الحلّ الإسلامي الصّحيح. والحلول الثقافية هي: 1. الحل الاستئصالي: حينما تنفذ الحلول والحجج في إعادة الحقّ إلى نصابه وموضعه، عند ذلك يختار الإمام عليه السلام الحلّ الاستئصالي، إزهاقاً للباطل، واجتثاثاً لجذوره (فَإِنْ أَبَوْا أَعْطَيْتُهُمْ حَدَّ السَّيْفِ، وَكَفَى بِهِ شَافِياً مِنَ الْبَاطِلِ وَنَاصِراً لِلْحَقِّ). 2. الحلّ الإبقائي: تجلّى هذا الحلّ بعد مجيء الإمام عليه السلام إلى الكوفة في 13 رجب سنة 36ه، حيث صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ووصّى النّاس بملازمة التقوى، وطاعة الله ورسوله وأهل بيته ـ الذي هم أولى بالطاعة من المنتحلين المدّعين ـ ثمّ صوّب الإمام حديثه نحو القوم الذي قعدوا عن نصرته وتخلّفوا عن دعوته، مستعتباً لهم وموضّحاً الحلّ معهم (إنّه قد قعد عن نصرتي رجال منكم فأنا عليهم عاتب زارٍ، فاهجروهم وأَسمعوهم ما يكرهون حتى يعتبوا أو نرى منهم ما نرضى). 3. الحلّ الانتقائي: اتخذ الّذين اتّبعوا أهوائهم حلاًّ انتقائياً في علاج ما ينزل بهم من مهمّات ومبهمات، فمالوا بالحقّ إلى آرائهم، وأخذوا من كلٍّ ضِغث. (فَلَوْ أَنَّ الْبَاطِلَ خَلَصَ مِنْ مِزَاجِ الْحَقِّ لَمْ يَخْفَ عَلَى الْمُرْتَادِينَ، وَلَوْ أَنَّ الْحَقَّ خَلَصَ مِنْ لَبْسِ الْبَاطِلِ انْقَطَعَتْ عَنْهُ أَلْسُنُ الْمُعَانِدِينَ، وَلَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا ضِغْثٌ وَمِنْ هَذَا ضِغْثٌ فَيُمْزَجَانِ، فَهُنَالِكَ يَسْتَوْلِي الشَّيْطَانُ عَلَى أَوْلِيَائِهِ).
ويستطرد الشيخ العبادي في كتابه عن الإمام علي عليه السلام والحلول الثقافية: 4. الحلّ التبعي: في عصر أمير المؤمنين عليه السلام كان يوجد نوعان من الحلول التبعيّة: الأوّل: اتّباع الإمام عليه السلام وما صدع به من الحقّ. عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام إنّ أمير المؤمنين عليه السلام قال للبراء بن عازب: كيف وجدت هذا الدّين؟ قال: كنّا بمنزلة اليهود قبل أن نتّبعك، تخفّ علينا العبادة، فلمّا اتبعناك ووقع حقايق الإيمان في قلوبنا، وجدنا العبادة قد تثاقلت في أجسادنا. إنّ اتّباع الإمام عليه السلام يعني اتّباع الله ورسوله، ويترتب عليه أن يقود الإنسان إلى الصّراط المستقيم. الثاني: اتّباع الشيطان والآباء والأسلاف، "إِنّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى‌ أُمّةٍ وَإِنّا عَلَى‌ آثَارِهِم مُقْتَدُونَ" (الزخرف 23). قد زجّ أمير المؤمنين عليه السلام بكثير من المفاهيم في سبيل الحؤول دون اتّباع خطوات الشّيطان، عندما تعرّض لذكر طائفة من النّاس في اتّباعهم الأعمى، راجياً حجزهم عن ذلك. (اتَّخَذُوا الشَّيْطَانَ لأَمْرِهِمْ مِلاكاً، وَاتَّخَذَهُمْ لَهُ أَشْرَاكاً، فَبَاضَ وَفَرَّخَ فِي صُدُورِهِمْ، وَدَبَّ وَدَرَجَ فِي حُجُورِهِمْ، فَنَظَرَ بِأَعْيُنِهِمْ، وَنَطَقَ بِأَلْسِنَتِهِمْ فَرَكِبَ بِهِمُ الزَّلَلَ، وَ زَيَّنَ لَهُمُ الْخَطَلَ فِعْلَ مَنْ قَدْ شَرِكَهُ الشَّيْطَانُ فِي سُلْطَانِهِ، وَنَطَقَ بِالْبَاطِلِ عَلَى لِسَانِهِ) (أَو َلَسْتُمْ أَبْنَاءَ الْقَوْمِ وَالآبَاءَ وَإِخْوَانَهُمْ وَالأَقْرِبَاءَ، تَحْتَذُونَ أَمْثِلَتَهُمْ وَتَرْكَبُونَ قِدَّتَهُمْ وَتَطَؤونَ جَادَّتَهُمْ؟). هذه التّبعيّة أَلهت القوم عن رشدهم وأبعدتهم عن حظّهم. "وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللّهُ قَالُوا بَلْ نَتّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ" (البقرة 170)، قالوا "حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا" (المائدة 104). هذا الحلّ قد أنس به معاوية: مستفيداً من تجربة أسلافه في الادّعاء والتّضليل، ولذا وعظه أمير المؤمنين عليه السلام في أن ينتفع بالنّظر الفاحص في شواهد الأمور. (أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ آنَ لَكَ أَنْ تَنْتَفِعَ بِاللَّمْحِ الْبَاصِرِ مِنْ عِيَانِ الأُمُورِ، فَقَدْ سَلَكْتَ مَدَارِجَ أَسْلافِكَ بِادِّعَائِكَ الأَبَاطِيلَ وَاقْتِحَامِكَ غُرُورَ الْمَيْنِ وَالأَكَاذِيبِ). نصح الإمام المسلمين من وطئ جادة الآباء، ولم يبخل بالوعظ كما عرفنا آنفاً لأعدائه عن امتطاء سبيل الأسلاف.
ويستمر مؤلف الكتاب محمد العابدي متحدثا عن الإمام علي عليه السلام والحلول الثقافية: 5. الحل التّأصيلي: هذا الحلّ يكون بإقامة السنّة، حيث إنّ إرجاع الأحكام في مختلف القضايا إلى القرآن والسنّة الّتي عمل بها النّبي وأهل بيته كفيلان بحلّ جميع القضايا المستحدثة. من هنا كان الإمام يحكم ويعمل بالسنّة، معيداً لها اعتبارها وتأصيلها، لا تجد علياً عليه السلام يقضي بقضاء إلاّ وجدت له أصلاً في السُنّة. قال: كان عليّ عليه السلام يقول: (لو اختصم إليّ رجلان فقضيت بينهما قضاءً واحداً، لأنّ القضاء لا يحول ولا يزول). إنّ إعادة تأصيل السُنّة من قبل الإمام شملت حتى أبسط الأوضاع والحركات العادية الّتي قد يكرّرها الإنسان في ركوبه أو سيره من دون أن يستند إلى السُنّة، لكن علي عليه السلام بأفعاله علّمنا بأنّ سنّة النّبي موجودة وقائمة في كلّ وضع يتّخذه الإنسان، حتى في حال ركوبه الدّابة أو وسيلة معيّنة، وهو ما يعني أنّ السّنّة النبويّة الّتي خلّفها النبيّ صلّى الله عليه وآله وورّثها أهل بيته عليهم السلام تشمل كلّ مفردات وتفاصيل الحياة اليومية. عن عليّ بن ربيعة الأسدي، قال: ركب عليّ بن أبي طالب عليه السلام فلمّا وضع رجله في الركاب قال: (بسم الله، فلمّا استوى على الدابّة قال: الحمد لله الّذي أكرمنا وحملنا في البرّ والبحر، ورزقنا من الطيبات وفضّلنا على كثير ممّن خلق تفضيلاً، "سُبْحَانَ الّذِي سَخّرَ لَنَا هَذا وَمَا كُنّا لَهُ مُقْرِنِينَ" (الزمر 13) ثمّ سبّح الله ثلاثاً، وكبّر الله ثلاثاً ثمّ قال: ربّ اغفر لي، فإنّه لا يغفر الذنوب إلاّ أنت. ثمّ قال: فعل رسول الله صلّى الله عليه وآله هذا وأنا رديفه). إنّ الاستناد إلى السُنة يعتبر أفضل حلّ في التعامل مع الأحداث اليومية.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . فاضل حسن شريف
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/01/29



كتابة تعليق لموضوع : اشارات قرآنية من كتاب الامام علي والثقافة للمؤلف العبادي (ح 4)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net