مفهوم كلمة العرش في القرآن الكريم (ح 3)
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . فاضل حسن شريف
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
هنالك مفاهيم للعرش اجتهد المفسرون في اعطاء المعنى الصحيح له فمنهم اعتبره عرش معنوي وآخرين اعتبروه مادي. فعن حنان، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن العرش والكرسي؟ فقال عليه السلام: (إنّ للعرش صفات كثيرة مختلفة له في كلّ سبب وصنع في القرآن صفه على حدة، فقوله: ربّ العرش العظيم يقول: ربّ الملك العظيم، وقوله الرحمن على العرش استوى، يقول على الملك احتوى، وهذا علم الكيفوفية في الأشياء، الخ). تنشر كل مجموعة من حلقات هذه السلسلة في أحد المواقع.
تكملة للحلقتين السابقتين جاء في تفسير الميسر: قال الله تعالى عن العرش: "الرَّحْمَـٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ" ﴿طه 5﴾ الرحمن على العرش استوى أي ارتفع وعلا استواء يليق بجلاله وعظمته. قوله جل جلاله "لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ۚ فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ" ﴿الأنبياء 22﴾ لو كان في السموات والأرض آلهة غير الله سبحانه وتعالى تدبر شؤونهما، لاختلَّ نظامهما، فتنزَّه الله رب العرش، وتقدَّس عَمَّا يصفه الجاحدون الكافرون، من الكذب والافتراء وكل نقص. قوله عز وجل "قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ" ﴿المؤمنون 86﴾ قل مَن رب السموات السبع ورب العرش العظيم، الذي هو أعظم المخلوقات وأعلاها؟. قوله جلت قدرته "فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ ۖ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ" ﴿المؤمنون 116﴾ فتعالى الله الملك المتصرف في كل شيء، الذي هو حق، ووعده حق، ووعيده حق، وكل شيء منه حق، وتَقَدَّس عن أن يخلق شيئًا عبثًا أو سفهًا، لا إله غيره ربُّ العرشِ الكريمِ، الذي هو أعظم المخلوقات. قوله عز من قائل "الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۚ الرَّحْمَـٰنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا" ﴿الفرقان 59﴾ الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام، ثم استوى على العرش أي علا وارتفع استواءً يليق بجلاله، هو الرحمن، فاسأل أيها النبي به خبيرًا، يعني بذلك سبحانه نفسه الكريمة، فهو الذي يعلم صفاته وعظمته وجلاله. ولا أحد من البشر أعلم بالله ولا أخبر به من عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
عن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله سبحانه "رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ" (غافر 15) صفات ثلاث له تعالى وكل منها خبر بعد خبر للضمير في قوله: "هو الذي يريكم آياته" (غافر 13) والآية وما بعدها مسوقة للإنذار. وقد أورد لقوله: "رفيع الدرجات" تفاسير شتى فقيل: معناه رافع درجات الأنبياء والأولياء في الجنة، وقيل: رافع السماوات السبع التي منها تصعد الملائكة إلى عرشه، وقيل: رفيع مصاعد عرشه، وقيل: كناية عن رفعة شأنه وسلطانه. والذي يعطيه التدبر أن الآية وما بعدها يصفان ملكه تعالى على خلقه أن له عرشا تجتمع فيه أزمة أمور الخلق ويتنزل منه الأمر متعاليا بدرجات رفيعة هي مراتب خلقه ولعلها السماوات التي وصفها في كلامه بأنها مساكن ملائكته وأن أمره يتنزل بينهن وهي التي تحجب عرشه عن الناس. ثم إن له يوما هو يوم التلاق يرفع فيه الحجاب ما بينه وبين الناس بكشف الغطاء عن بصائرهم وطي السماوات بيمينه وإظهار عرشه لهم فينكشف لهم أنه هو المليك على كل شيء لا ملك إلا ملكه فيحكم بينهم. فالمراد بالدرجات الدرجات التي يرتقى منها إلى عرشه ويعود قوله: "رفيع الدرجات ذو العرش" (غافر 15) كناية استعارية عن تعالي عرش ملكه عن مستوى الخلق وغيبته واحتجابه عنهم قبل يوم القيامة بدرجات رفيعة ومراحل بعيدة. وقوله: "يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده" (غافر 15) إشارة إلى أمر الرسالة التي من شأنها الإنذار، وتقييد الروح بقوله: "من أمره" دليل على أن المراد بها الروح التي ذكرها في قوله: "قل الروح من أمر ربي" (الاسراء 85)، وهي التي تصاحب ملائكة الوحي كما يشير إليه قوله: "يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا" (النحل 2). فالمراد بإلقاء الروح على من يشاء تنزيلها مع ملائكة الوحي عليه، والمراد بقوله: "من يشاء من عباده" الرسل الذين اصطفاهم الله لرسالته، وفي معنى الروح الملقاة على النبي أقوال أخر لا يعبأ بها. وقوله: "لينذر يوم التلاق" (غافر 15) وهو يوم القيامة سمي به لالتقاء الخلائق فيه أو لالتقاء الخالق والمخلوق أو لالتقاء أهل السماء والأرض أو لالتقاء الظالم والمظلوم أو لالتقاء المرء وعمله ولكل من هذه الوجوه قائل. ويمكن أن يتأيد القول الثاني بما تكرر في كلامه تعالى من حديث اللقاء كقوله: "بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ" (الروم 8)، وقوله: "إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ" (هود 29)، وقوله: "يَاأَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ" (الانشقاق 6) ومعنى اللقاء تقطع الأسباب الشاغلة وظهور أن الله هو الحق المبين وبروزهم لله.
جاء في التفسير المبين للشيخ محمد جواد مغنية: قوله عز وجل " ورَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ" (يوسف 100) أجلسهما على السرير الذي كان يجلس عليه، وهويدير شؤون المملكة تعظيما لهما "وخَرُّوا لَهُ سُجَّداً" (يوسف 100). ضمير خروا عائد إلى أبوي يوسف وإخوته، وضمير له إلى يوسف، والمراد بالسجود هنا الانحناء تعظيما وتكريما، وكان الانحناء تحية الناس للمعظم في ذاك العصر، كما في بعض التفاسير. وقيل: ان ضمير له عائد إلى اللَّه، وان السجود كان شكرا له تعالى على هذه النعمة الكبرى وهذا القول يخالف ظاهر السياق، ولا يتفق مع قول يوسف في الآية 4: "رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ"، أي له لا لغيره. قوله تعالى "الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ والأَرْضَ وما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ" (الفرقان 59). المراد بالاستواء الاستيلاء، والأرجح ان المراد بالأيام الدفعات أو الأطوار، إذ لا أيام قبل وجود الكون والشمس، وتقدمت هذه الآية في سورة الأعراف الآية 54 ج 3 ص 338، وفي سورة يونس الآية 3 وفي سورة هود الآية 7. "الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً" (الفرقان 59) به متعلق بخبير، والهاء تعود إلى خلق السماوات والأرض المفهوم من السياق، وفي الكلام حذف وتقديم وتأخير أي هو الرحمن فاسأل عن خلق السماوات والأرض خبيرا به، وهو اللَّه.
تكملة للحلقة السابقة جاء في كتاب مفاهيم القرآن للشيخ جعفر السبحاني: عن العرش: الكلام فيما هو المقصود من هذا اللفظ فنقول: ها هنا أقوال نأتي بها: 1 ـ إنّ لله سبحانه عرشاً كعروش الملوك يستقر عليه ويدبّر العالم منه، وهذا هو الذي تصرّ عليه المجسّمة والمشبّهة من الحنابلة، وأمّا الأشاعرة الذين يتظاهرون بالتنزيه لفظاً لا معنى يقولون بهذا المعنى ولكنّهم يضيفون إليه (بلا تكييف) أي أن له سريراً واستقراراً لا كسرير الملوك واستقرارهم والكيفية مجهولة. وهناك قصّة تاريخية نقلها السيّاح المعروف ب (ابن بطوطة) لمّا زار الشام وشاهد أنّ (ابن تيميّة) صعد المنبر وهو يعظ الناس ويقول: وكان بدمشق من كبار الفقهاء تقي بن تيميّة كبير الشام يتكلّم إلاّ أنّ في عقله شيئاً فحضرته يوم الجمعة وهو يعظ الناس على منبر الجامع ويذكّرهم، فكان من جملة كلامه: إنّ الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا، ونزل درجة من درج المنبر، فعارضه فقيه مالكي يعرف بابن الزهراء، وأنكر ما تكلّم به فقامت العامّة إلى هذا الفقيه وضربوه بالأيدي والنعال ضرباً كثيراً حتى سقطت عمامته. وهذا المعنى مردود مرفوض عند أهل التنزيه لأنّه تفسير للعرش تفسيراً حرفياً وغير جائز بداهة في تفسير الكلام العادي فضلاً عن كلام البلغاء، فإنّ المتّبع في تفسير الكلام هو المعنى الجملي التصديقي لا المعنى الافرادي التصوّري، فإذا قال الرجل: إن فلاناً مبسوط اليد أو كثير الرماد، فليس لنا تفسيره ببسط العضو المعروف بحجّة أنّ اليد لفظ موضوع للجارحة، أو حمل كثرة الرماد على معناه الحرفي الملازم لكون بيته غير نظيف بحيث يشمئزّ الإنسان من الدخول إليه، بل يجب تفسير الأوّل بالسخاء، والثاني بكثرة الطبخ الملازم لكثرة الضيافة التي هي رمز للكرم والسخاء. وعلى ضوء هذا يجب إمعان النظر في مجموع الايات الواردة حول العرش حتّى يتبيّن أنّ المراد هل هو المعنى التصوّري ( السرير )، أو هو المعنى التصديقي المختلف حسب المقامات. فإنّ العرش يطلق ويراد غالباً الملك أعني السلطة والحكم على الناس. قال الشاعر: تداركتم الأحلاف قد ثلّ عرشها * وذبيان إذ ذلّت باقدامها النعل. إنّ المراد من العرش هو نظام الحياة والمراد من ثلّه إزالته، ولأجل ذلك يقال ثلّ عرشه فيما إذا انقلب الدهر عليه وسائت أحواله، هذا وسيوافيك مزيد توضيح لهذا المعنى عند البحث عن المحتمل الثالث.
عن الصادق عليه السلام: (إن رحم الأئمة من آل محمد تتعلق بالعرش يوم القيامة، وتتعلق بها أرحام المؤمنين، تقول: يا رب صل من وصلنا، واقطع من قطعنا، قال: ويقول الله: أنا الرحمن وأنت الرحم، شققت اسمك من اسمي، فمن وصلك وصلته، ومن قطعك قطعته، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: الرحم شجنة من الله عز وجل).
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat