العَطاءُ والبُخل في سورة الليل
محمد فرج الله الاسدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
محمد فرج الله الاسدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
بسم الله الرحمن الرحيم
فَأَمَّا مَنۡ أَعۡطَىٰ وَٱتَّقَىٰ (5) وَصَدَّقَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ (6) فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلۡيُسۡرَىٰ (7) وَأَمَّا مَنۢ بَخِلَ وَٱسۡتَغۡنَىٰ (8) وَكَذَّبَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ (9) فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلۡعُسۡرَىٰ (10) وَمَا يُغۡنِي عَنۡهُ مَالُهُۥٓ إِذَا تَرَدَّىٰٓ (11) إِنَّ عَلَيۡنَا لَلۡهُدَىٰ (12) وَإِنَّ لَنَا لَلۡأٓخِرَةَ وَٱلۡأُولَىٰ (13) فَأَنذَرۡتُكُمۡ نَارٗا تَلَظَّىٰ (14) لَا يَصۡلَىٰهَآ إِلَّا ٱلۡأَشۡقَى (15) ٱلَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ (16) وَسَيُجَنَّبُهَا ٱلۡأَتۡقَى (17) ٱلَّذِي يُؤۡتِي مَالَهُۥ يَتَزَكَّىٰ (18) وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُۥ مِن نِّعۡمَةٖ تُجۡزَىٰٓ (19) إِلَّا ٱبۡتِغَآءَ وَجۡهِ رَبِّهِ ٱلۡأَعۡلَىٰ (20) وَلَسَوۡفَ يَرۡضَىٰ (21) (سورة الليل).
من خلال قراءة هذه الآيات المباركات نجد أن هناك تلازما بين التقوى والعطاء أو الإنفاق في سبيل الله سبحانه وتعالى .
المُنفق لوجه تعالى يؤمن بأن الله سيجزيه خيراً ويعوضه بأضعاف مضاعفة ، ( مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) (البقرة : 261). فهو مؤمن بهذه الحقيقة ويلتمس السعادة والرخاء من خلالها في الحياة الدنيا والجزاء الأوفى في الآخرة.
ويكون أمره سهلا يسيرا في الدنيا وفي الآخرة فَأَمَّا مَنۡ أَعۡطَىٰ وَٱتَّقَىٰ (5) وَصَدَّقَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ (6) فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلۡيُسۡرَىٰ (7) ، وأنه يؤمن أن جزءاً كبيراً من واجباته التي فرضها الله تعالى عليه في هذه الحياة الدنيا ؛ هي مساعدة الآخرين فيصير ديدنه ذلك .
فلو كان الجميع يبذل من ماله لله تعالى في مساعدة المحتاجين والفقراء لم يكن هناك مجتمعاً فقيراً أبدا .
لذا تجد أن الأنبياء والصالحين كان دأبهم مساعدة الناس والسعي في قضاء حوائجهم بكل مااستطاعوا إليه سبيلا ، وينفقون بأعز وأحب الأشياء لديهم ( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ) آل عمران 92. وذلك لإيمانهم المطلق في رضى الله سبحانه وتعالى ، وللوصول إلى مجتمعٍ متكاملٍ صالح يرحم غنيهم الفقير ، ويساعد قويهم الضعيف .
لذا فإن العطاء ليس بالمال فقط ؛ بل بكل شيء يقدمه الإنسان فهو بميزان الله تعالى عطاءٌ وإنفاق .
الشهادة في سبيل الله هي عطاء ( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ) التوبة 111 .
السعي في خدمة الناس وقضاء حوائجهم أيضا عطاء ( وَأَمَّا مَنۡ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَٰلِحࣰا فَلَهُۥ جَزَآءً ٱلۡحُسۡنَىٰۖ وَسَنَقُولُ لَهُۥ مِنۡ أَمۡرِنَا يُسۡرࣰا ) الكهف 88.
العدالة في الحكم عطاء ( وَإِنۡ حَكَمۡتَ فَٱحۡكُم بَيۡنَهُم بِٱلۡقِسۡطِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ ) المائدة 42.
إغاثة الملهوف عطاء ؛ مساعدة المريض و... الكثير من أبواب الخير كلها عطاء وإنفاق .
لكن المشكلة برمتها تتعلق بالإنفاق وخصوصا الجانب المادي ، فلو كان قد طُبِقَ الإنفاق من قبل الأغنياء وفق الشريعة الإسلامية لاختفت الكثير من الجرائم والمفاسد والمظاهر السلبية وبالنتيجة صلاح المجتمع بأسره .
ويتحقق من الإنفاق عدة أمور نذكر منها :
- هو تكليفٌ شرعي ، في تحققه إطاعة الله سبحانه وتعالى.
- يوجب النماء والكثرة والبركة وإطالة العمر ودفع أنواع البلاء كما ورد ذلك في أحاديث أهل البيت عليهم السلام.
- يسد حاجة الفقراء والمحتاجين ويحفظ حقوقهم ، وينشر العدل والمساواة بين الناس.
- وبه ستختفي الكثير من الجرائم والظلامات والتعدي على حدود الآخرين .
- يتسم المنفق بالسعادة والراحة والقناعة والطيبة والتسامح وحسن المعاشرة والسلوك ، وله آثار وضعية أخرى على حياة الإنسان.
أما في الجانب الآخر نجد أن هناك تلازما بين الكفر والبخل ، ( وَأَمَّا مَنۢ بَخِلَ وَٱسۡتَغۡنَىٰ (8) وَكَذَّبَ بِٱلۡحُسۡنَىٰ (9) فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلۡعُسۡرَىٰ (10) وَمَا يُغۡنِي عَنۡهُ مَالُهُۥٓ إِذَا تَرَدَّىٰٓ (11) ، الذي يكذّب بيوم الدين يخشى العطاء ؛ لأنه يتصور أن كل مايملكه خاصاً به فقط ، وليس لله سبحانه وتعالى فيه شيء ، فهو لايؤمن بيوم الدين والحساب والجزاء ، ولاينفق ولو جزءاً بسيطاً من ثروته على الآخرين .
تعريف البخل :
وهو كنز المال وجمعه وعدم إنفاقه في المباحات بحجة الخوف من عاديات المستقبل ، والبخل خصلة ذميمة مكروهة تمنع الفرد من البذل والعطاء.
وللبخل صفات وآثار تمنع صاحبها من تقديم كل وجوه الخير إلى المجتمع ، فهو يمتنع عن العطاء في أقل مايحتاج إليه من يخصه ، ومن له صلة قرابة حتى لو كانت من الدرجة الأولى كالزوجة والأبناء مثلا ، أوالأخ والأخت وغيرهما ، فضلا عن أبناء مجتمعه .
قال الإمام الرضا عليه السلام : اَلْبَخِيلُ بَعِيدٌ مِنَ اَللَّهِ بَعِيدٌ مِنَ اَلْجَنَّةِ بَعِيدٌ مِنَ اَلنَّاسِ قَرِيبٌ مِنَ اَلنَّارِ.
قال الإمام السجاد عليه السلام : إِيَّاكَ وَ مُصَاحَبَةَ اَلْبَخِيلِ فَإِنَّهُ يَخْذُلُكَ فِي مَالِهِ أَحْوَجَ مَا تَكُونُ إِلَيْهِ (الكافي ج۲ ص641).
قَالَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : اَلشَّحِيحُ إِذَا شَحَّ مَنَعَ اَلزَّكَاةَ وَاَلصَّدَقَةَ وَصِلَةَ اَلرَّحِمِ وَقِرَى اَلضَّيْفِ ، وَحَرَامٌ عَلَى اَلْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلَهَا شَحِيحٌ . (وسائل الشيعة ج٩ ص٣٥).
لذا فإن البخيل حريص جداً على جمع المال لنفسه ، قَالَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : عَجِبْتُ لِلْبَخِيلِ يَسْتَعْجِلُ اَلْفَقْرَ اَلَّذِي مِنْهُ هَرَبَ وَ يَفُوتُهُ اَلْغِنَى اَلَّذِي إِيَّاهُ طَلَبَ ، فَيَعِيشُ فِي اَلدُّنْيَا عَيْشَ اَلْفُقَرَاءِ وَ يُحَاسَبُ فِي اَلْآخِرَةِ حِسَابَ اَلْأَغْنِيَاءِ.(البحارج٦٩ص ١٩٩) لأنه يجمع المال ظناً أنه سيغنيه ، لكن الحقيقة وبسبب فهمه الخاطيء يجمعه ولايصرف منه ، فهو يعيش الفقر الواقعي .
لقد ذمّت الآيات القرآنية صفة البخل ووضعت حاملها بمرتبة الكفر؛ ( ٱلَّذِينَ يَبۡخَلُونَ وَيَأۡمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلۡبُخۡلِ وَيَكۡتُمُونَ مَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ وَأَعۡتَدۡنَا لِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابࣰا مُّهِينࣰا ) (النساء 37).
لأن الذي يخشى الإنفاق لم يؤمن بأن الله سبحانه وتعالى هو الرزاق وهو المعطي وهو الواهب له ، وأنه تعالى قد أمره بالإنفاق وأوعده بالخلف والبركة والنماء والزيادة والراحة بعدها ؛ لكن بصيرة - البخيل - عُمِيتْ عن ذلك ، فهو لايرى مايراه المنفق لله ، ولايشعر بالسعادة كما يشعر المؤمن المنفق في سبيل الله تعالى ، لذا سيواجه صعوبة ومشقة في الحياة الدنيا وفي الآخرة عذاب أليم فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلۡعُسۡرَىٰ (10) .
بل لو أنفق - البخيل - وأعطى من ماله فلا يزيده ذلك سوى الحسرة والندامة والشقاء والرياء.
فلربما يسأل أحدنا أن بعض الناس من غير المؤمنين بالله ينفقون المال في مساعدة المحتاجين ، فيكون الجواب من خلال هذه الآية الكريمة التي تصف من ينفق أمواله لغير وجه الله ، قال تعالى ( كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا ۖ لَّا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ) (البقرة : 264).
مثل إنفاق الكافر أو الذي لا يؤمن بالله واليوم الآخر ، كمثل صخرة ملساء يقع عليها التراب ثم ينزل عليها المطر فتبقى الصخرة كما هي ، فلا عين ولا أثر ، والتراب هنا بمعنى الإنفاق في غير سبيل الله من قبل الكافر والمرائي.
وكالسّرَابِ شَبيهاً بالغَديرِ، وإنْ …....... تَبْغِ السّرابَ، فَلا عَيْنٌ وَلا أثْرُ
لذا نجد أن البخيل أو الذي لاينفق من ماله ولايقدّم لمجتمعه الخير؛ نراه كثير الهموم ضيّق الصدر سريع الإنفعال كثير الشكوى ، إذا ماطُلب منه الإنفاق والعطاء تذمر واختفى.
محمد فرج الله الأسدي 25/محرم/1446 هـ
جنبنا الله تعالى البخل ووفقنا للإنفاق في سبيله ، والحمد لله رب العالمين .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat