المنّاعون للماعون.. ومسؤولية الكلمة
عادل الموسوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
عادل الموسوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
"أوقفوا التبرعات".. نداء ظالم غير مسؤول، تحالف فيه المدعي والإعلامي والمدعى عليه
المدعي: متبرعة ما كافلة لبعض أيتام مؤسسة للرعاية في محافظة ما؛ تبرعت بمبلغ كبير، تبين لها فيما بعد عدم وثاقة مسؤول تلك المؤسسة..
أقامت دعوى.. حكمت المحكمة بضبط وإحضار المدعى عليه..
المدعى عليه: خطيب مفوه، وواعظ من طراز اول.. أقر بإستلامه المبلغ، لكن لا أثر عملي على الساحة -بحسب المشتكية-
من التجني الحكم بإختلاسه للمال، لعدم سماع دفاعه، فكل ما ظهر للإعلام هو من طرف واحد؛ هو المدعية، يساندها الإعلامي المتبني للقضية..
الإعلامي: جريء حاذق خبير بالأوتار الحساسة، رفع بعض الدعاوى ضد المتهجمين عليه ممن تناولهم بمشرطه على منصة التشريح الإعلامي..
لا إسهاب في وصف الثلاثة لحساسية الموقف وخوف المحذور الذي أريد التحذير من الوقوع فيه، من جهة أخرى أظن؛ أن لا ضرورة للتعريف بالأفراد بقدر ضرورة التعريف بالموضوع والموقف.
السؤال: هل يجب كشف المحتالين -على فرض الاثبات- وتعريتهم أمام الناس ليتجنبوا خطر الوقوع في شرك مصائدهم؟
ام إنَّ "الله حليم ستار"، و"إدفع بالتي هي أحسن"، و"حسبي الله"، و"هو والله ينجاز"؟
أولا : على المكلف أو المؤمن التوثق والتحقق فيما يدفعه من أموال، وخاصة إذا كان المبلغ معتداً به -كما في حالة السيدة المتبرعة- فما منعها من الدفع إلى المؤسسات المرموقة الموثوقة والمخولة في القبض لتصل النوبة إلى مؤسسة دون ذلك في الوثاقة؟!
قد يكون من الأسباب: التقليد الخاطيء غير المستند إلى حجة شرعية، بل يستند عند البعض إلى الهوى والمزاج وتوجيهات المؤثرين..
ثانياً: على المتصدي لإدارة الأعمال الخيريّة بل مطلق الأعمال العامة أن لا يضع نفسه موضع الشبهة، وخاصة في مثل رعاية الأيتام؛ {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا}..
نحن لا نعلم بملابسات القضية، لكن أظن أن من المفترض: وحسب ما يكرره الإعلامي؛ من أن حق الرد مكفول؛ فيفترض من المدعى عليه أن يدفع عن نفسه الإتهام، بل يكون الدفاع -ان لم يكن مذنباً- واجباً لأن التهمة غير خاصة بشخصه بل هي لفئة عامة لا ينبغي الإساءة إليها..
ثالثا: على المتصدي للجانب الإعلامي أن يتحرى الدقة ويحذر مصائد الشيطان، فالكلمة مسؤولية كبرى وأمانة عظيمة؛ {فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ}، وأظن؛ أنّ من المفترض -للإنصاف والعدالة- الإستماع الى الطرف الآخر، وأن تراعى المصالح العليا في تناول مثل تلك القضايا..
روى أحد الخطباء المربين في إحدى محاضراته القيّمة بسنده؛ قصة ضيف سرق من مضيّفه مالاً خطيراً (يكفي لشراء منزل)، وعرف بعد فقد المال أن السارق هو الضيف لا غيره..
بعد مناقشة صاحب الدار مع أهل بيته؛ قرر أن لا يُبلّغ عن السرقة، لأن والد السارق رجل خيّر معروف بالتقى والصلاح، وإعتبر أن سرقة الإبن سر يستلزم كشفه فضيحة الأب الفاضل، فإستخلف الله وإسترخص المال بإزاء حفظ كرامة المؤمن..
بعد سنين؛ جاء السارق نادماً معتذراً طالباً الصفح وإبراء الذمّة، فصفح عنه إكراماً لوالده..
قد تكون هذه القصة من المثاليات، لأنّها لا تصدر إلاّ عن نفوس كبيرة تقدر وتقرر بحكمة، لا عن تماهل أو تساهل أو إفراط بالطيبة، هي تعي وتفهم وتعرف وتُقْدِم على قراراتها مؤيّدة مسدّدة من الله ببركة التقوى وقدوات حسنة تضعها أمامها..
- هل يجب الكشف..؟
- هل يجب التستر..؟
ما أريد قوله: أن تكون هناك حكمة ومراعاة للهدف من الكشف أو التستر..
فإذا تحقق الردع للمحتال والتحذير منه دون الكشف والتعرية، فقد تحقق الإمتثال للواجب دون التفريط بالحق أو التعسف فيه، ودون المساس بما هو أعلى منهما بالإساءة إلى عنوان ثانوي هو أسمى..
لقد كان طرح هذه القضية (إختلاس تبرع السيدة) مدعاة لطعن النواصب في مذهب أهل البيت عليهم السلام، وفرصة للنيل من مراجع الدين، وإساءة لعمامة رسول الله صلى الله عليه وآله وللأتقياء من الخطباء والمتصدين لإدارة الأعمال الخيريّة والفعاليات الدينية والمؤسسات الموثوقة، بل لمطلق أتباع المذهب الحق، وصد عن سبيل الله، و"قطع لسبيل المعروف"..
هذه ليست دعوة للتستر على المسيئين، بل لتناول القضايا وتداولها بشيء من الحكمة والروية مع مراعاة المصالح العليا والعناوين الثانوية..
نحتاج إلى قدر من المسؤولية وشيء من التقوى..
كان ينبغي أن يكون النداء.. لا توقفوا التبرعات بسبب إساءة بعض المسيئين..
{وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}..
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat