صفحة الكاتب : د . عبد الخالق حسين

من وراء قتل العلماء والأكاديميين العراقيين؟
د . عبد الخالق حسين

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

أعرف مسبقاً أن خوض هكذا موضوع حساس وشائك ومعقد يعتبر مجازفة لا تخلو من خطورة توجيه تهمة العمالة إلى أمريكا وإسرائيل، والصهيونية، والموساد، والاستعمار و"الفرس المجوس" وحتى الطائفية وغيرها من الاتهامات الجاهزة. فهذه الاتهامات جاهزة في كل وقت، لترمى بوجه كل من لا يتفق مع ما تنتجه مختبرات الإشاعات البعثية. فالموساد (وكالة المخابرات الإسرائيلية)، معروفة بإمكانياتها التجسسية، وملاحقاتها لأعداء إسرائيل إلى آخر الدنيا!!. وقد تم تضخيم إمكانيات هذه المؤسسة إلى حد الأسطورة، حتى بدت وكأنها فاقت إمكانيات الـ(CIA)!. وقد نجحت إسرائيل حتى في توظيف أعدائها من العرب للمساهمة في بث هكذا دعاية لتضخيم قدرات جهازها الاستخباراتي، وبعملهم هذا، يعتقد العرب أنهم يناضلون ضد إسرائيل ويفضحون أساليبها العدوانية، و يقدمون خدمة لأمتهم العربية، والقضية الفلسطينية، والويل والثبور لمن يشكك في طروحاتهم هذه. بينما الحقيقة هي على الضد من ذلك، إذ يقدمون خدمة مجانية لإسرائيل. والمعروف عن حزب البعث الصدامي أنه خدم إسرائيل وأضر بالقضية الفلسطينية أكثر من أية جهة صهيونية أخرى.

 

منذ مدة وأنا أستلم عن طريق بريدي الإلكتروني، تقريراً بعنوان: (ما لا تعرفه عن تشريح قضية مقتل 730 عالم وأكاديمي عراقي على يدِ الموساد..  )*.

كما واستلمت رسالة إيميل من صديق عزيز، حذِرٌ جداً من أحابيل البعثيين، مرفقة بنسخة من التقرير نفسه، يسألني عن رأيي في مدى صحته.

 

التقرير ليس جديداً، ولكن يعاد نشره وتعميمه بين حين وآخر. وبقراءة متأنية، وجدته مكتوباً بعناية فائقة وحرفية عالية في الخبث، مرفقاً بجداول وتخطيطات وصور بيانية، صممت ببرامج كومبيوترية بمهنية، اقتبسها الكاتب من بحث لطبيب عراقي مقيم في بريطانيا، يدعي أنه قدمه في مؤتمر دولي عن مصرع العلماء والأكاديميين العراقيين، دون أن يذكر لنا فيما إذا كان الطبيب العراقي هذا قد اتهم الموساد في هذه الجريمة، أم لا. والجدير بالذكر أن الطبيب الذي يذرف الدموع على القتلى العراقيين من العلماء في المؤتمرات الدولية، هو نفسه شن حملة قبل سنوات يطالب الحكومة البريطانية بعدم قبول المترجمين العراقيين الذين عملوا مع الجيش البريطاني في البصرة كلاجئين، حيث كانوا مهددين بالقتل على أيدي الإرهابيين، وفعلاً قتل العديد منهم لتعاونهم مع الجيش البريطاني كمترجمين ليس غير، وبذلك فكان هذا الطبيب يفضل ترك هؤلاء المترجمين يقتلون في العراق لأنه اعتبرهم خونة يستحقون القتل على أيدي "المقاومة الوطنية"، وربما ليدافع عنهم في المؤتمرات الدولية فيما بعد، واتهام الموساد بقتلهم!!.  

نعم، كتب التقرير بعناية ليوحي للقارئ أنه علمي وموثق لا يقبل أي شك في صحته. وفعلاً حقق نجاحاً لا يستهان به في إقناع البعض وذلك بخلط الحقيقة مع الخيال لتبرئة المجرم الحقيقي وراء هذه الجريمة النكراء بحق العلماء والأكاديميين والأطباء والأدباء العراقيين.

 

يبدأ التقرير بالفقر التالية:

"هذا ما بقي من علماء وأكاديميي العراق بعد أن نشطت فرق الموت الإسرائيلية ضد علماء العراق منذ أول أيام الاحتلال وأشار آخر فصل كشف عنه يوم الثلاثاء 14/6/2005 من قبل مركز المعلومات الفلسطيني إلى تقرير أعدته وزارة الخارجية الأميركية لإطلاع الرئيس الأمريكي الى قيام عناصر إسرائيلية وأجنبية أرسلت من قبل الموساد بالتعاون مع الولايات المتحدة إلى العراق باغتيال على الأقل 530 عالما عراقيا وأكثر من 200استاذ جامعة وشخصيات أكاديمية أخرى". أنتهى

 

 الملاحظ هنا، أن الكاتب تجنب ذكر اسمه حتى ولو باسم وهمي، ورغم حرصه على وضع صور وتخطيطات بيانية، والاستشهاد بتقارير أدعى أنها من المركز الفلسطيني، والذي بدوره اأخذ المعلومات من تقرير أعدته وزارة الخارجية الأميركية...الخ. فلو كان التقرير صحيحاً، لذكر لنا الكاتب روابط التقريرين، الفلسطيني والأمريكي على الأقل لنتأكد من مدى صحة هذه الادعاءات، وهذا ليس صعباً في عصر الانترنت. كما تحاشى الكاتب وضع قائمة الضحايا أو حتى جزءً منها، لأن معظمهم من طوائف دينية معينة وبالأخص من الطائفة الشيعية. فلماذا تستهدف الموساد الشيعة والمسيحيين والأيزيديين مثلاً؟ وهل طال القتل العلماء والأكاديميين والأطباء فقط؟ الحقيقة تؤكد أن جميع شرائح المجتمع العراقي تعرضت لحرب الإبادة منذ سقوط حكم البعث الجائر. 

 

مثال آخر على أساليب البعثيين في التضليل وفق ما يتطلبه المقام (فلكل مقام مقال!) كما يقولون، فقد استلمتُ أيضاً مقالاً بعنوان: (بالدليل المرفق: مفاجأة تحريم الانتماء لحزب الدعوه الاسلاميه!)- لكاتب انتحل اسم: "ابو مهند البغدادي"، حاول فيه تقمص شخصية دينية شيعية من أتباع الشهيد السيد محمد باقر الصدر، جاء فيه:

" استبشرنا خيراً بعد سقوط النظام البائد بقدوم احزاب اسلاميه عريقة الى سدة الحكم وعلى رأسها حزب الدعوة، وكنت اعتبر وصول هذه الاحزاب الى قيادة العراق هو ضرب من الخيال لكن بحمد الله تحقق هذا الحلم وكوني من محبي وعشاق الشهيد الصدر الاول(قدس) فكنت من السائرين والمنظرين والعاشقين لحزب الدعوة الاسلاميه كون اسم هذا الحزب يذكرني بالشهيد الصدر الاول بالاضافه الى احساسي بأن الشهيد الاول بعد هذه السنوات من التضييع والتغييب بدء يتجدد ويولد من جديد بتسلم حكم العراق الحبيب من قبل حزبه حزب الدعوه الاسلامية.. لكن بعد فترة صدمت عندما عثرت على وثيقه تتضمن فتوى من قبل الشهيد الصدر الاول تقضي بتحريم الانتماء لحزب الدعوة الاسلامية واليكم نص هذه الفتوى: (يرجى فتح الرابط).

 http://im13.gulfup.com/2012-05-13/1336908436572.jpg

 

طبعاً، وكما عودنا هؤلاء، الفتوى بخط اليد مع ختم...الخ، لتوحي بأنها نسخة طبق الأصل!!.

والسؤال هنا، هل يعقل أن الشهيد الصدر الذي يعتبر المؤسس والمنظر لحزب الدعوة في الخمسينات وما بعدها، والذي أعدمه الطاغية صدام مع أخته الشهيدة بنت الهدى في الثمانينات بصورة وحشية، أصدر مثل هذه الفتوى؟ لا شك إذا عرفنا البعث وأساليبه الغوبلزية بطل العجب!

 

وبالعودة إلى اتهام الموساد بقتل العلماء والأكاديميين العراقيين، أرى من المفيد مناقشة هذا التقرير لنعرف مدى صحته، بغية حماية الرأي العام من التضليل، وإلا صار سهلاً على فلول البعث تمرير أكاذيبهم وإشاعاتهم المغرضة، ليس على الناس البسطاء فحسب، بل وحتى على المثقفين والأساتذة الأكاديميين مع الأسف الشديد. فالإنسان العراقي بحكم حرصه على مصلحة شعبه، وعدائه للموساد والصهيونية، معرض لتصديق مثل هذه الإشاعات، خاصة وأنها تقدم لهم بفضل التقنية المعلوماتية، لتبدو وكأنها حقائق موثقة، حتى صار من الصعوبة التمييز بين الكذب والصدق.

 

نحن نعرف قدرات البعثيين الهائلة في التضليل، وحتى قبل دخول الانترنت والفضائيات، في توظيف التراث، والذهنية السائدة في المجتمع الذي "يقرأ الممحي!!"، والصراع العربي- الإسرائيلي، وكل شيء لخدمة أغراضهم وبث إشاعاتهم المغرضة. كما ويعرف الجميع كيف يقوم البعثيون بقتل خصومهم ويسيرون في جنائزهم وهم يذرفون دموع التماسيح. كذلك نعرف من هم وراء حرب الإبادة ضد الشعب العراقي، وبالأخص الشيعة منذ 2003 وإلى الآن عن طريق القتل والتهجير القسري. فالبعثيون خبراء في ارتكاب الإرهاب وإلقاء التهمة على خصومهم، بل وحتى على ذوي الضحايا. فقد شاهدناهم بعد كل عملية إرهابية كبيرة، يقومون بتسجيل لقطات فيديو تنقل على اليوتيوب، أعدوا لها مسبقاً على شكل مقابلات مع أشخاص يتظاهرون بأنهم من الناس البسطاء دون سابق معرفة، ليقولوا بالعامية: (هذي التفجيرات ليست من أعمال البعث، ولا القاعدة... عمي يا بعث يا قاعدة!! البعث انتهى من زمان!، هذي من أعمال الحكومة!!) وليوجهوا اصبع الاتهام إلى الحكومة "العملية" وإيران "الفرس المجوس"، وأخيراً وجهوا التهمة إلى الموساد.

فالبعث لم يكتفِ بحرب الإبادة ضد الشعب، وتدمير الركائز الاقتصادية، بل قرروا شل العقل العراقي وذلك بقتل علمائه وأطبائه ومثقفيه، وإلقاء التهمة على إسرائيل وأمريكا.

 

أخبرني أصدقاء أساتذة جامعيون يسكنون في بغداد، أنهم استلموا خلال السنوات الأولى من سقوط حكم البعث، رسائل تهديد، تخيِّرهم بين القتل أو الرحيل من العراق، في خطة جهنمية للتطهير الطائفي، وإفراغ بغداد من الشيعة. فغادر عدد كبير من الأكاديميين العراق حفاظاً على حياتهم، وقتل العديد من الذين لم يغادروا. ويضيف أحد هؤلاء الأصدقاء، ورغم نفوره من التيار الصدري، أنه لولا وقوف جيش المهدي في وجه حملة الإبادة والتهجير لما بقي في بغداد شيعي واحد. وهذا هو سبب تصاعد شعبية التيار الصدري الذي حصد أكثر من غيره من المقاعد في الانتخابات البرلمانية الأخيرة.

 

وعندما نؤكد براءة الموساد من قتل العلماء العراقيين، ليس دفاعاً عن الموساد أو إسرائيل، وإنما لأن البعثيين يوجهون التهمة إلى الموساد وأمريكا ليتخذوا من هذه التهمة سلاحاً يرهبون به كل من لا يسايرهم على نهجهم، وهو نوع من الإرهاب الفكري ضده واتهامه بأنه عميل للموساد!.

 

والسؤال الآخير الذي يجب طرحه هو: لماذا تريد إسرائيل وأمريكا قتل العلماء والأكاديميين والأطباء والأدباء العراقيين دون غيرهم من الشعوب العربية الأخرى، خاصة وقد أصبح العراق في علاقة جيدة مع أمريكا والغرب؟ ولماذا لم تقُم الموساد بقتل العلماء والأكاديميين والأطباء والأدباء المصريين، والجزائريين والأردنيين وغيرهم من العرب؟ لماذا العراق وحده دون غيره؟ الجواب واضح، وهو لا توجد في البلاد العربية الأخرى فلول البعث أزيحوا عن السلطة للقيام بالارهاب انتقاماً من الشعب، بينما العراق مبتلى بهذه الفلول.

والغرض الرئيسي من إلقاء تهمة قتل العلماء على الموساد وأمريكا هو لتبرئة القتلة الحقيقيين، البعثيون وحلفائهم من أتباع القاعدة من قتل العراقيين. هذا هو السبب الحقيقي وراء هذه الحملة. يقتلون العراقيين ويذرفون دموع التماسيح عليهم ويلقون التهمة على غيرهم. هذا هو أسلوب البعث بامتياز.

 

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com  العنوان الإلكتروني

http://www.abdulkhaliqhussein.nl/  الموقع الشخصي

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* ما لا تعرفه عن تشريح قضية مقتل 730 عالم وأكاديمي عراقي على يدِ الموساد.. وتخطيط بياني موثق لمن تمّ استهدافهم ولماذا.! - صور بيانية مرفقة

http://www.almorabit.com/main/ar/almorabit-arabic-articles/34-articles-cat-ar/9839--730-.html

 

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . عبد الخالق حسين
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/08/09



كتابة تعليق لموضوع : من وراء قتل العلماء والأكاديميين العراقيين؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 1)


• (1) - كتب : علاء البياتي ، في 2012/08/11 .

لاأويد ما ورد بتحليلك ..فالخونه في كل البلدان ومنهم بريطانيا عقوبتهم الاعدام ..ماذا كانت تعمل بريطانيا لو دخل الجيش السوفيتي اراضيها هلى تسميهم محررين..نعم صدام كان ديكتاتوريا لكن هذا لايبرر بيع الوطن ..وهل من جاء بعده ديمقراطيا؟؟
مع العلم ان صندوق الانتخابات لايمثل قمه الديمقراطيه بل حلقه بسيطه
سيدي الكاتب ..من خلال قرائتي لمقالاتك ..التي لااعرف من يمولها ومن يدفع لك في اعلامنا المزيف اللاديمقوراطي؟ اقول
قلمك مخصص لذبح العراق والعراقيين الشرفاء
نعم اسرائيل من مصلحتها تاخير العراق ولها عداء تاريخي في ذهونهم
اتمنى ان تترك الكتابه والتحليل لانك لست عارفا به ..وان تكتب في مجال الطب ..وبالمناسبه هل تستطيع ان تكتب لنا كيف
ارسلك البعث لاكمال دراستك؟؟




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net