الحِمارُ البطلُ وأزمة الحكومة
مرتضى علي الحلي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
ثمةَ طُرفةٌ قد شاعتْ بعد سقوط الطاغوت في العراق
وما جرى عليه من ويلاتْ وعذابات وإرهاب ومحن فظيعة سببَّها الإحتلال وتبعاته
وهي أنَّ الحكومةَ المَحكومة في المنطقة الخضراء
قد منعتْ إيصال المواد الغذائية إلى حديقة الحيوانات (أجلَّكمُ الله)
وفي الحديقة الأسدُ والنمرُ والحصانُ والفيلة وكل الأصناف الأخرى
طبعاً وبضمنهم الحَمير (حاشاكم )
فوقع الهرج والمرج بين سكان الحديقة
وعمّتْ الفوضى والكل يُطالب بضرورة توفير المواد الغذائية .
فتصدى الأسدُ وقال أنا بنفسي سأذهب إلى المنطقة الخضراء
لأتفاوض معهم من أجل توفير لقمة العيش لشريحة الحيوانات حصراً.
وذهب َ الأسدُ وفاوضَ دون جدوى ورجعَ خائبا
ثمَّ وقع الخيار على النمر وأتباعة بإعادة كرّة التفاوض مع الحكومة
علّه يجدُ مخرجاً وحلاًّ للأزمة
وبالفعل ذهب النمرُ وأتباعه إلى مقر الحكومة وتفاوض ولم يجد حلاَّ
فرجع هو الآخرُ خائبا
إلاَّ أنَّ اليأس لم يقتل بصيص الأمل والفرج عند بعض الحيوانات
ومنها فصيلة الحمير
فتصدى الحمارُ البطلُ لهذه المَهمة الصعبة
ونهق عاليا بصوته
وقال : ( أنا لها )
وأدّعى بأنه يتقن فن الحوار والتفاوض مع قادة المنطقة الخضراء
وتعهدَ لجميع الحيوانات بتوفير الغذاء الكافي لهم
فبعضٌ هزأ به كالأسد
وآخرُ قال دعه يُجرب حظه
والمهم ذهبَ الحمارُ البطلُ إلى المنطقة الخضراء
ودخل بقوة الصبر والتحمل التي يُعرفُ بها
وفاوضَ بجدارة وتمكن من إقناع الحكومة
بضرورة توفير المواد الغذائية لشريحة الحيوانات المَسكينة
ووافقتْ وزارة التجارة وبأمر الحكومة على تجهيز المواد الغذائية اللازمة للحيوانات فوراً
ليعودَ الحمارُ البطلُ بقوافل المواد الغذائية إلى الحديقة
رافعاً رأسه وشامخا بأنفه
ينهق نهيقاً عاليا
سمعه الأسدُ والنمرُ وغيره
مُستبشرين ومُتعجبين من صنعه هذا
ومندهشين من براعته وقدرته وفنه
وحينما وصلَ الحمارُ
قال له الأسد.
كيف تمكنتَ من إقناع الحكومة ؟
وأنتَ حمارُ ؟
فردَّ عليه الحمار وبكل ثقة وبقوة
وقال له
لقد وجدتم (ويعني من في المنطقة الخضراء)
ما بين أخٍ لي وأبن عم وأبن خال
(وكلهم قرابتي )
وقد جادوا عليَّ بكرمهم كوني مثلهم وهم مثلي
(والما يعرفك ما يثمنك )
وبيت القصيد من هذه الطرفة أنَّ مَن هم في السلطة
إما هم مُصابون بالإستحمار بالفعل والواقع
أو هم يستحمرون ؟
وهم بحق بإستحمارهم في السلطة أصبحوا
مُنطبقاً لقوله تعالى
فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ{49}
كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ{50}
فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ{51} سورة المدثّر
الحُمُرُ المستنفرة : هي الحُمرُ الوحشية في شديد نفارها والتي تولي هروبا من ملاحقة القسورة لها
: وهو الأسد الكاسر :
ومصداقاً لقوله تعالى
{مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }الجمعة5
وهذه الآيةُ الشريفة هي آيةٌ نزلت على نحو القضية الحقيقية وإن تضمنت في موردها قضية خارجية تأريخية
إلاَّ أنَّ الموردَ لايُخصص الوارد والإطلاقُ مُنحفِظٌ فيها
فالذين حُمّلوا السلطة بعقد الإنتخاب لهم وتحملوها دستوريا
ثمَّ لم يحملوها ولم يصونوها ويرعوا حقَّ الشعب فيها
مثلهم كمثلِ الحمارِ يحملُ أسفارا ( كتباً أو حملاً قيِّماً لايدرك معناه وقدره )
لايدركها قيمةً ولا ماهيَّة
وكذا الحال مع من ماثله وشابهه بفعل الحمل اللاواعي